بعد صفعه لمعجبٍ حاول التقاط صورة "سيلفي" معه، ينضمّ عمرو دياب إلى تاريخ معقّد في علاقة النجوم بالجماهير. وهي علاقة ليست مثالية مثلما قد يتصور كثيرون.
فكم من نجم هوى بتأثير حملات شعبية ضدّه. وكم من نجم قذفه الجمهور بالبيض والطماطم كما حدث مع عبد الحليم حافظ في بداية ظهوره على أحد مسارح الإسكندرية.
أما الصفعات فأقربها للذاكرة صفعة عمر الشريف لصحافية عربية رغبت في التقاط صورة معه وكان واضحا أنه في مزاج سيئ. وصفعة ويل سميث الفائز بالأوسكار لمقدّم الحفل، وقبل عام أثار لاعب الأهلي حسين الشحات أزمة بعد صفع وسبّ أحد اللاعبين.
وقد يتطور الأمر إلى تبادل شتائم وقذف الميكروفون على معجب مستفز. وذات يوم فضّلت بريتني سبيرز تحطيم زجاج سيارة شاب استفزها بالتقاط الصور لها، فيما اشتبكت باريس هيلتون بيديها مع آخر.
وبات من كلاسيكيات عزاء المشاهير ذلك الصدام بين النجوم والصحافيين والمعجبين، آخرها ما حدث مع الفنان أحمد عبد العزيز في عزاء شيرين سيف النصر. فالعزاء يفترض حالة حزن وحداد، ولا يكون النجم أو النجمة في "لوك" يسمح بالتقاط صور!
إنه تاريخ حافل بمئات الانفعالات الغاضبة والعنف بين مشاهير من جهة، ومعجبين وصحافيين من جهة أخرى. وقد تنقلب المواقف إلى طرائف مضحكة أحياناً. فمثلاً كان محمد منير يغني في حفلة وفوجئ بمعجب يطير فوقه ويُسقطه أرضاً. كما هجم معجب على المغني الشعبي أحمد شيبة وكاد يفقأ عينه.
ولكن تظل أشهر حادثة يختلط فيها العنف بالإعجاب، عندما كانت أم كلثوم تشدو "الأطلال" على مسرح الأولمبيا في باريس، فهجم شاب معجب بها وأمسك برجلها كي يقبّلها، وبينما تحاول "الست" تخليص "رجلها" من غرام المعجب سقطت أرضاً.
أما أشهر علاقة إعجاب مجنونة وعنيفة فتخصّ جودي فوستر التي كانت صبية شقراء دون العشرين، حين طاردها معجب مهووس يدعى جون هينكلي، ولفرط تأثره بقصة فيلمها "سائق التاكسي"، تقمّص شخصية بطله (روبرت دي نيرو) فصار يطاردها بالمكالمات والرسائل والتنقّل خلفها عبر المدن إلى أن قرّر تنفيذ عمل تاريخي، بحيث حاول اغتيال الرئيس الأميركي ريغان من أجل لفت نظرها.
أي أن الهوس بالمشاهير قد ينتهي أحياناً إلى جرائم قتل، لدرجة أن "جماعة مانسون" الهيبية تخصّصت في قتل المشاهير، وقتلت بالفعل النجمة الحسناء شارون تيت زوجة المخرج رومان بولانسكي.
أصل وصورة
يصعب إخضاع العلاقة المعقّدة بين النجم والمعجبين لتفسير أحادي، لكنها إجمالًا تعبّر عن حالة من الهوس العشقي، أو كما تُسمّى متلازمة دي كليراميو نسبة إلى الطبيب الذي شخّصها، ومنها معجبة بالملك جورج الخامس كانت تقف أمام قصر باكنغهام لساعات، معتقّدة أن الملك يرسل إليها إشارات عبر حركة الستائر.
يشمل الهوس العاطفي مراقبة النجم في كل تفاصيل حياته، ومطاردته، وتقمّص سلوكه وطريقته في ارتداء الملابس، وجمع أي صور وقصاصات تتعلق به، وجرح الجسد لوشم صور واسم النجم عليها. ومن ذلك قصة شاب أنفق 30 ألف دولار في جراحات تجميلية كي يطابق صورة مايكل جاكسون.
وهذا يختلف عن الهوس البراغماتي، كما في حال المخبرين والباباراتزي، وهم صحافيون ومغامرون يطاردون المشاهير للحصول على صور وقصص وأسرار يتربحون من ورائها آلاف الدولارات، وقضت الأميرة ديانا ضحية في حادث سير بسبب هذا الهوس.
في الحالتين، نحن أمام متلازمة هوس بشخصية النجم نفسه لدوافع عاطفية أو نفعية، ومن المحتمل أن ينتهي نهاية مأساوية لأحد الطرفين.
لكن مع تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وكلها تقريباً تعزز ثقافة الصور ومقاطع الفيديو، بعدما جعلت الهواتف الذكية كل شيء مرئياً وخاضعاً لعدسة الكاميرا، باتت هناك ظاهرة هوس بالصورة. أي ليس بنجم معين ولا تتبع حياته وتقليده، وإنما بالتقاط صور مع مشاهير دون تمييز.
ينتمي الشاب الذي صفعه عمرو دياب إلى هذا النوع، حيث التقط صوراً مع محمد رمضان وآخرين، فكل ما يهمّه "الحصول على صورة" تقيم علاقة أبدية ـ مزيفة ـ بينه وبين عمرو دياب. يصنع تاريخاً وهمياً بأنه كان جزءاً من حدث المشاهير.
يملك النجم ضوءاً واسع السحر والامتداد، والتقاط صورة معه بمثابة انتساب إليه واستعارة فائض سحره وشهرته، وهو ما سوف يُترجم إلى "لايكات" وطلبات صداقة وغبطة للمعجب.
أيضاً النجومية تدلّ إلى التحقق والنفوذ والتميّز، وغالباً المهووس بالتقاط الصور لا يمتلك ثقة كافية بالنفس ولا يكون متميزًا فيستعير ـ عبر الصورة ـ وهجاً من تحقق النجم. وفي الحالتين يتداخل الهوس بالأصل، أي النجم نفسه، مع الهوس بالصورة.
غياب القواعد
ثمة قواعد وتقاليد منظّمة لدخول الفنادق، والحفلات، والتقاط الصور بإذن أصحابها، وهناك أفراد مهمتهم الحفاظ على تلك القواعد. ومنها مثلًا تحديد مكان معيّن يُسمح فيه للنجم بالتقاط صور مع المعجبين. وهذا التنظيم يمنع الفوضى ويحافظ على سلامة الجميع من أي خطر بسبب التدافع.
بعض المشاهير مثل إليسا، هوجمت حين رفضت التقاط الصور، وقالت إنها جاءت للغناء فقط. وأحياناً تكون ثمة هواجس من استغلال هذه الصور بما يسيء إلى النجم.
لكن ما يحدث في الجنازات، وفي الأعراس ـ كما في حالة صفعة عمرو دياب ـ لا تُراعى القواعد وتعمّ الفوضى التي تدفع بعض النجوم إلى التصرّف بعنف وحمق.
من المؤكّد أن صفع أي إنسان سلوك خاطئ، ولا يصح تبريره بمراعاة سنّه أو أنه أزعجه أثناء أداء عمله، فلا شيء يبرر صفع إنسان بالبساطة هكذا.
في الجانب الآخر، هذا الشاب ضحية نفسه قبل أن يكون ضحية عمرو دياب، بسبب هوسه بالتقاط الصور، وعدم احترام المساحة الخاصة لأي شخص ـ شهير أو غير شهير ـ عبر الالتصاق به جسدياً ومحاولة جذبه.
فكلا الطرفين على خطأ، ويبدو أن عمرو دياب حاول تسوية الأمر وديًا مع الشاب، لكنه أصرّ على تقديم بلاغ، وبدوره تقدّم النجم ببلاغ، معتبراً إصرار الشاب على الامساك به محاولة للتعدّي عليه والتشهير به.
المؤكّد أن عمرو خسر بسبب مقطع الفيديو، ونال الشاب تعاطفًا أكبر، نتيجة الشعور أن محاولة جذبه حسنة النية لا تستحق الصفع. وكلاهما على طرفي معادلة الهوس نفسها. فشاء النجم أو أبى يجد نفسه موضوعًا للمهووس به.
وتظل الصورة تحكم وتتسيّد العلاقة بين الطرفين. فجمع الصور ـ على حدّ تعبير سوزان سونتاغ ـ يوهمنا بجمع العالم. وربما يوهمنا أيضاً بامتلاكه، وأننا كنا مؤثرين فيه حين وقفنا إلى جوار النجوم ذات يوم.