النهار

"المحطّة الأخيرة" في حياة نجيب محفوظ في كتاب محمد سلماوي
علي عطا
المصدر: القاهرة- النهار العربي
يسرد محمد سلماوي (1945) في كتابه "المحطة الأخيرة: سردية توثيقية" (الهيئة المصرية العامة للكتاب) تفاصيل آخر 45 يوماً في حياة نجيب محفوظ، من 16 تموز/ يوليو إلى 31 آب/ أغسطس 2006، مازجا بين اليوميات التوثيقية والسردية الروائية؛ ليقدم صورة مقرَّبة لرجل؛ "لم يكن كمثله أحد، في تفرده الأدبي وفي إنسانيته". هذا الكتاب سبق أن أصدرته دار "الشروق" في القاهرة في أواخر عام 2006 تحت عنوان "نجيب محفوظ: المحطة الأخيرة". وهذه المرة، يأتي صدوره كباكورة لـ "الأعمال السردية الكاملة" لمحمد سلماوي، والتي تضم أيضا روايات "خرز ملوَّن" و"أجنحة الفراشة"، و"أوديب في الطائرة". يشتمل كتاب "المحطة الأخيرة" (148 صفحة) من القطع الوسط، خلاصة علاقة وثيقة امتدت على مدار ثلاثين عاما، "بين أكبر الروائيين العرب وصديقه المقرَّب وموضع ثقته".
"المحطّة الأخيرة" في حياة نجيب محفوظ في كتاب محمد سلماوي
الغلاف
A+   A-
 
 
يسرد محمد سلماوي (1945) في كتابه "المحطة الأخيرة: سردية توثيقية" (الهيئة المصرية العامة للكتاب) تفاصيل آخر 45 يوماً في حياة نجيب محفوظ، من 16 تموز/ يوليو إلى 31 آب/ أغسطس 2006، مازجاً بين اليوميات التوثيقية والسردية الروائية؛ ليقدم صورة مقرَّبة لرجل؛ "لم يكن كمثله أحد، في تفرده الأدبي وفي إنسانيته". 
هذا الكتاب سبق أن أصدرته دار "الشروق" في القاهرة في أواخر عام 2006 تحت عنوان "نجيب محفوظ: المحطة الأخيرة". وهذه المرة، يأتي صدوره كباكورة لـ"الأعمال السردية الكاملة" لمحمد سلماوي، والتي تضم أيضاً روايات "خرز ملوَّن" و"أجنحة الفراشة"، و"أوديب في الطائرة". 
يشتمل كتاب "المحطة الأخيرة" (148 صفحة) من القطع الوسط، خلاصة علاقة وثيقة امتدت على مدار ثلاثين عاماً، "بين أكبر الروائيين العرب وصديقه المقرَّب وموضع ثقته". 
معروفٌ أنّ محفوظ اختار سلماوي، بالذات، ليلقي كلمته في حفلة تتويجه بجائزة نوبل في الآداب يوم العاشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 1988، وهو اليوم السابق مباشرة لعيد ميلاده السابع والسبعين. 
وعقب تعرض محفوظ لمحاولة اغتيال عام 1994؛ ترتَّب عليها عجزٌ جزئي في يده اليمنى، ما جعله غير قادر على الكتابة، فأصبح سلماوي المسؤول عن التحاور مع صاحب رواية "أولاد حارتنا" حول مضمون زاويته الأسبوعية في جريدة "الأهرام"، ومن ثم كتابتها نيابةً عنه، وكذلك الرد على رسائل قرائه. 
وخلال أحد هذه اللقاءات التي استمرت أربعة عشر عاماً، سأل سلماوي محفوظ: لماذا اخترتَني لهذه المهمة؟ فأجابه: "لأنك مختلفٌ عني، فأنا ابن ثورة 1919، وأنت تنتمي لجيل ثورة 1952، أنا كاتب روائي، وأنت كاتب مسرحي، أنا اشتهرت بالأسلوب الواقعي في الأدب، وأنت تميل إلى مسرح العبث. لذلك فالحوار بيننا سيكون ثرياً. أنا لا أريد شخصاً يتفق معي في كل شيء، وكل ما أقوله له يرد عليه بآمين"!
 
 
 
 
العدوان على لبنان
المحنة المرضية الأخيرة التي عاشها محفوظ، جاءت عقب سقوطه في منزله، وإصابة رأسه بجرح غائر، ما أفقده الوعي، قبل نقله إلى مستشفى الشرطة، وهناك واظب سلماوي على زيارته والتحاور معه، في أمور شتى، كان من بينها العدوان الإسرائيلي في صيف عام 2006 على لبنان، الذي كلما جاء ذكره اغتمَّ الكاتب الكبير، وتكدَّر مزاجه، على حد وصف سلماوي. 
كانت الحالة الصحية لنجيب محفوظ مستقرة، أثناء تلقيه العلاح في مستشفى الشرطة، القريب من منزله في ضاحية العجوزة غرب القاهرة، لكنه سقط أثناء نومه من فوق سريره، ما أدخله في مراوحة ما بين الوعي وفقدانه، استمرت حتى إعلان وفاته في 30 آب (أغسطس) 2006، عن عمر ناهزَ الخمسة والتسعين عاماً. 
في تلك الأثناء ارتكبت إسرائيل مذبحة قانا الثانية التي راح ضحيتها 55 شخصاً، بينهم 27 طفلاً، وبالطبع لم يجد سلماوي أن من المناسب أن يطلع محفوظ على هذه المأساة: "أخذت معي الصحف وذهبت إلى المستشفى. سأقرأ عليه أخبارها. بحثتُ فيها عمّا لا يصيب بالاكتئاب، فلم أجد". 
كانت هذه هي المرة الثالثة التي ينقل فيها محفوظ إلى مستشفى الشرطة؛ الأولى لإنقاذه بعدما طعنه متطرف بسكين في رقبته، والثانية كانت في عام 2003، إثر إصابته بنزلة برد حادة والتهاب في الشُعَب الهوائية.
 
 
 
اللقاء الأول
كان سلماوي في تلك المناسبة شاباً في مقتبل العمر، يعمل محرراً للشؤون الخارجية في "الأهرام"، قبل أن يسلك طريق الكتابة للمسرح وكتابة القصة القصيرة والرواية، والذي نال عنه أرفع جائزة وهي جائزة النيل للآداب. 
في مكتب توفيق الحكيم في مبنى جريدة "الأهرام"، كان اللقاء الأول، "كان مجرد لقاء نادر لا يزيد فيه الكلام عن التحية المصحوبة بابتسامته الشهيرة". 
وبدأت العلاقة تتوطد في عام 1983، عندما أهدى سلماوي نسخة من مجموعة قصصية له إلى محفوظ، قبل الدفع بها إلى المطبعة، ففوجئ بأن صاحب "الحرافيش" يردها إليه: "سمحتُ لنفسي أن أكتب لك بعض الاقتراحات على هذا النص، لكني كتبتها بقلم الرصاص، فإذا لم تعجبك فبإمكانك محوها بـ(الأستيكة).. المخلص نجيب محفوظ".
اعتبر سلماوي "تلك الواقعة" نقطة تحول في علاقته بمحفوظ، "الذي لم أكن أتصوَّر أن يمنحني من وقته ما لم أطالبه به". 
يتذكر سلماوي وفق آليات السرد الروائي، محطات كثيرة في علاقته بنجيب محفوظ وزوجته وابنتيه، وخلال ذلك يعود إلى المحطة الأخيرة في تلك العلاقة: "أفاق الأستاذ فجأة وتكلَّم، لكننا لم نفهم كلماته، كان صوته واضحاً، لكنّ الكلمات لم تكن مفهومة. قالها ثانية. لم نفهم فسكت ولم يكررها". 
لكنه بعد ذلك تكلَّم، وردّ على سلماوي الذي رجاه أن يأكل شيئاً بقوله: "مافيش نِفْس". 
 
 
الألم الأكبر
 رأى سلماوي بحسب ما دوَّنه في دفتر يومياته الذي يعتبر أساس هذا الكتاب الأقرب إلى الرواية، أن الألم الأكبر الذي كان يشعر به "الأستاذ" لم يكن جسمانياً بقدر ما كان نفسياً؛ "بسبب اضطراره إلى الانقطاع عن جلسات أصدقائه وعن عاداته اليومية التي التزم بها طوال حياته". 
كان إلحاح الأطباء والأسرة وسلماوي نفسه على محفوظ لكي يعدل عن امتناعه عن تناول الطعام، لا يجد لديه سوى المزيد من الإصرار على موقفه، وأخيراً قال لهم: "إنكم تحاولون إطعام رجل ميت". 
كان محفوظ في حال استياء مما آلت إليه حاله، بعدما وجد نفسه مضطراً – حتى وهو يمر بما يشبه الغيبوبة - لمقاومة "عبث" الأطباء والممرضات بجسده. 
كان يردد: "يا رب يا رب"، ويخاطب الأطباء والممرضات، من صميم عقله الباطن قائلاً: "أرجوكم كفاية". 
 
الصورة والأصل
يقول سلماوي وهو يتأمل غلاف "أحلام فترة النقاهة": "كان غلاف الكتاب جميلاً وقد وضعت عليه صورته الشهيرة وهو جالس في هدوء، وقد وضع يديه أمامه فوق عصاه. كانت هذه الصورة تحمل كل سمات شخصية نجيب محفوظ: الهدوء والتسامح والطيبة، وأيضاً القوة والثبات والاعتزاز بالنفس". 
وهذه الصورة التقطها المصور الفرنسي غيل بيران لتوضع في الأصل على غلاف كتاب "وطني مصر" الذي تضمَّن حوارات سلماوي مع محفوظ، وقد صدر في فرنسا عن دار "لاتيس" عام 1996، وفاز بجائزة نادي الكتاب الفرنسي. 
ويضيف سلماوي: "هذه الصورة طابقت الأصل لحظة التقاطها، أما الوجه الراقد أمامي على الوسادة فلم يكن وجه نجيب محفوظ، بل كان وجه الزمن، أو هو وجه المرض اللعين الذي لا أعرف من أين جاءه بعدما كان قبل شهر واحد، واقفاً على قدميه يودعني عند باب شقته، ويقول لي إنه سيكون في انتظاري السبت القادم" ص 59، "لن يسأل عني بعد اليوم، ولن ينتظرني يوم السبت، لن أسمع صوته ثانية، ولن أسمع ضحكته المجلجلة. لقد رحل إذاً إلى حيث أحباؤه الذين اشتاق إليهم، وكان يناديهم في مماتهم ربما ليخبرهم أن ينتظروه، فمشواره الآن قد اكتمل" ص 107.
          
 

اقرأ في النهار Premium