فرضت أسماء جلال نفسها في السنوات الخمس الأخيرة كواحدة من أهم النجمات في مصر، وشاركت في رمضان الماضي في مسلسل كوميدي ناجح هو "اشغال شقة"، كما يُعرض لها حالياً بنجاح ساحق فيلم "ولاد رزق ـ 3" وكذلك "اللعب مع العيال".
تداول الجمهور لها أخيراً مقطعًا من العرض الخاص لفيلمها "ولاد رزق"، حيث اقترب منها أحد المعجبين ولمسها فانفعلت أسماء غاضبة: "ما تلمسنيش لو سمحت"، وكالعادة انقسم الجمهور بأن ردّ فعلها مبالغ فيه، مقابل من اعتبرها تصرّفت كما يجب للحفاظ على "مساحتها الخاصة"، وفي خلفية السجال واقعة صفع عمرو دياب لأحد المعجبين.
بيئة خصبة للتنمر
لا أحد يشغل باله بالنجاح المهني الذي حققته أسماء وهي دون الثلاثين. لا أحد يحكي عن طبيعة أدوارها ومدى تميزها، ولن يطرح أي نقاش فني جاد، لسبب بسيط جداً. أي كلام حول الإبداع والقضايا لن يجلب مشاهدات ولن يتحول إلى "ترند".
لو تأمّلنا البرامج الفنية مقارنة بما كان يقدّمه الإعلامي الراحل طارق حبيب أو الفنان سمير صبري، سنجد فجوة باتساع المحيط بين شخصية المذيع والفنان في السابق، وشخصية المذيع والفنان الآن.
فالبرامج كلها تكرّر الغوص في تفاصيل خاصة جداً وكواليس ونميمة ولحظات ضعف ومشاكل عاطفية ونفسية وقهر النجوم ودفعهم للاعتراف والبكاء، لخدمة الرواج والإعلانات.
هذه البيئة التلفزيونية هي أساساً أرض خصبة للتنمّر، حتى لو قدّم ذلك بشكل ملطف، وبمباركة الفنان نفسه الذي يرغب هو الآخر في أجر الحلقات المغري، وأن تتحول تصريحاته إلى "ترند" كي يعزز شهرته.
تخدم تلك التفاهة المتعمّدة والتنمّر المغلّف ذلك الوعي المتشدّد الرائج، والذي ينظر إلى الفن باحتقار وربما تحريم وتجريم. وتغذي لديه صوابية رأيه بتفاهة وجهل هؤلاء الفنانين ومن ثم فهم لا يستحقون ما يعيشون فيه من ثراء وشهرة ورفاهية.
وبرغم كثرة تلك البرامج إلّا أنها لا تفيد الفن في شيء، ولا تقدّم صورة راقية للفنانين، وإنما تكرّس الانطباع بأنهم "أراجوزات" أو بلا أخلاق، أو تستثير الأحقاد ضدّهم.
فالموقف في عمومه لا يخصّ أسماء جلال ولا عمرو دياب، وإنما سياق ازدراء وتنمر يطال الأموات والأحياء على السواء.
صورة مايكل جاكسون
يشير مفهوم التنمّر إلى المضايقة والمقاهرة، ويُعتبر نوعاً من أنواع التحرّش، بدءاً من التعبيرات الجارحة، حتى لو اتخذت أسلوباً فكاهياً. وهذا ما حدث حين ركّب البعض صورة لأسماء تظهرها كأنها تشبه مايكل جاكسون في إطلالتها.
وما كان من أسماء إلّا أن جعلت الصورة "بروفايل" لها في تحدٍ لمنتقديها، وللتأكيد على أنها تحب جاكسون ولا يضايقها أن تُشبّه به. واعتبر كثيرون أن تصرّفها ينمّ عن ذكاء في الردّ دون التورط مع المتنمرين.
كانت رسالتهم المضمرة تنتقص من أنوثتها وجمالها وإطلالاتها المتنوعة، كمحاولة لهز ثقتها بنفسها، لكنّ ردّها العملي جاء بمثابة قبول ألّا يُعجب بعضهم بها.
يشترط التنمّر التعمّد، والتكرار، وأيضًا رغبة المُتنمِر في ممارسة سلطة ضدّ المُتنمَر عليه: "أنا أقوى منك.. من أنت.. أنت نسيت نفسك.. نحن من نحدد إذا كنتِ جميلة أم لا..."، ويزداد التنمّر ضراوة إذا مارسته الجماعة ضدّ الفرد لقهره وتقييد حريته.
أيام الحجاب
لم يكتف المتنمرون بمقطع ردعها للمعجب ولا تركيب صورتها كأنها مايكل جاكسون، بل ذكّروها بأيام المراهقة عندما كانت تظهر بالحجاب وكيف تغيّرت ملامحها وهيئتها وباتت تظهر بإطلالات جريئة.
بعضهم استغلّ هذه الصورة للتلميح إلى أن جمالها مصطنع، وبعضهم الآخر زايد عليها لشعوره أنها خدشت وعيه ومسلّماته الدينية كأنها فعلت ما يشبه الخيانة لما يعتقده، بعيداً من الحرية الشخصية وحقها في ارتداء ما تشاء. وهنا ثمة خطاب مضمر بأنها باعت دينها من أجل دنياها.
إذا توقفنا عند البرامج التي تدّعي أنها "فنية" أو حتى عند جمهور "السوشيل ميديا" مدّعي التدين، ثمة ربح مشترك مهمّ للطرفين وراء تحقير الفن والتنمر الصريح والمضمر على الفنانين وبالأخص النساء. فكل هفوة لغوية لفيفي عبده وكل زيجات دينا وأي مشهد لمنى زكي هو كله تحت المجهر.
صحيح أن صنّاع البرامج يستثمرون في التفاهة لأسباب تجارية، لكنهم يغذّون الطرف الآخر بكل مبررات خطابه المتخلّف المعادي للفن.
نظرية العرقوب
بطبيعة الحال، كان هناك معجبون لأسماء دافعوا عنها بوصفها ممثلة ناجحة صاحبة جمال مصري خاص، وبعضهم نصّبها "ملكة جمال"، مع ذلك هناك من هاجم حملة تنصيبها بزعم أنه لا يصح أن تكون هناك امرأة جميلة بـ "عرقوب" أو ما يسمّى "وتر أخيل".
تعود نظرية جمال العرقوب إلى العرب قديمًا، فإذا كان بارزًا ونحيلًا فهذا يعني أن المرأة لا تملك جسدًا متناسقًا، بينما ذات العرقوب الممتلئ غير البارز هي امرأة تتمتع بالجمال والخصوبة والحفاظ على بيتها. وشاع المثل: "لو تلبس الثوب مقلوب أبعد عن أم عرقوب". ربما كانت النظرية مبرّرة قديمًا ظنًا أن المرأة التي يُرى عرقوبها بارزًا نحيلًا لا تتمتع بالصحة والخصوبة الكافية للإنجاب، وليست بنت عز ودلال. ظنًا أن امتلاء هذا الوتر دال على التغذية الجيدة والراحة والدلال في بيت أهلها.
بالطبع ليس لتلك النظرية الفولكورية قيمة علمية الآن، وإنما هي صفة تشريحية قد نراها في أكثر نجمات الإغراء شهرةً، ولا يوجد ارتباط بينها وبين الجوع وعدم التناسق.
وعلى طرافة وغرابة الانتقاد، إلّا أنه كاشف لدقّة عدسة التنمر في التقاط أي هفوة في الجسد واللبس والكلام. وما دامت المرأة قد قرّرت أن تنجح في عالمنا العربي المُحبَط، فعليها أن تدرك أنها ستبقى تحت مجهر التنمّر الصارم، لإسقاطها بالضربة القاضية في أية لحظة.