تتمتع مملكة البحرين بحماية قانونية لمواقعها الأثرية - التراثية عموماً، لا سيما تلك المسجلة على قائمة التراث الإنساني العالمي لمنظمة "اليونيسكو"، وهي ثلاثة: قلعة البحرين (2005) وهي عاصمة حضارة دلمون ومينائها القديم، مسار اللؤلؤ (2012) وهو متحف في الهواء الطلق شاهد تاريخي في جزيرة المحرق على تراث اللؤلؤ واقتصاده، وتلال مدافن دلمون الأثرية (2019) التي شُيّدت في الألفية الثانية قبل الميلاد، إضافة إلى تحديد 21 موقعاً أثرياً في الجزء الغربي من الجزيرة.
وخص رئيس "هيئة البحرين للثقافة والآثار" الشيخ خليفة بن أحمد بن عبد الله آل خليفة "النهار العربي" بمقابلة أكد فيها "أننا نرى في مواقع التراث في البحرين الحجر الأساس للهوية الوطنية، ومرآة تعكس تاريخ المملكة وثقافتها العريقين، ومصدراً للفخر والاعتزاز".
قلعة البحرين
"هي نبض حي يحكي قصة الزمان والمكان لأجيال متعاقبة، ويجذب الزوار من كل حدب وصوب لاستكشاف عبق الماضي"، قال الشيخ آل خليفة.
يتحدث آل خليفة عن دور مواقع التراث بقوله: "نعيش اليوم في زمن نحتاج فيه، أكثر من أي وقت مضى، إلى التركيز على ما نشترك فيه كبشر، فنحن نشهد تحديات عالمية كبيرة، منها ما هو من صنع الإنسان ومنها ما هو بفعل التغيرات الطبيعية من حولنا، والتراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي هو من أهم المقومات التي يتشارك فيها كل البشر، وهذا التراث يشكل جسراً نعبره من أجل فهم الآخر والتعرف إليه والاتصال به".
قيمة استثنائية
بالنسبة إلى آل خليفة "مواقع التراث العالمي هي أكثر من مجرد مواقع تاريخية وطبيعية ذات قيمة استثنائية، بل هي منظومة عالمية تعمل عبرها مختلف الدول على الترويج لحضاراتها ومقوماتها الثقافية".
"وهي كذلك من أهم الوسائل التي تعمل على حفظ التاريخ والثقافة والمعرفة الإنسانية للأجيال القادمة. كما أنها توفر فهماً عميقاً لهويات المجتمعات وتساهم في تعزيز الفخر الوطني، هذا إضافة إلى كونها تشكل روافد مهمة للتعليم والسياحة والارتقاء بالمجتمع المحلي، ما يسهم في التنمية الاقتصادية على المدى الطويل"، أضاف.
واعتبر أن المواقع الأثرية والتراثية "هي منصات للحوار والتبادل الثقافي ولتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب، وعبر تفعيل هذا الدور المتعدد الأوجه لمواقع التراث تمكنت مملكة البحرين من توظيف مواقع التراث كعامل رئيسي في تسريع وتيرة تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية وصونها وتطويرها للأجيال القادمة".
رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخ خليفة بن أحمد بن عبد الله آل خليفة
ورأى أنه "في عصر العولمة، ازدادت أهمية مواقع التراث العالمي من شواهد على تاريخ الأمم وثقافتها لتصبح من أهم أدوات القوة الناعمة ووسائل تعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة وحماية التنوع الثقافي حول العالم. كما أنها تعد اليوم محوراً للتعاون الدولي، إذ تتضافر جهود الدول الموقعة على اتفاقية التراث العالمي لعام 1972 للحفاظ على هذه المواقع وما تحمله من إرث إنساني مشترك في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي والنزاعات والصراعات، إضافة إلى أنها أصبحت منصات للتبادل الثقافي والسياحة المستدامة، ما يعزز اقتصادات الدول ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون والتواصل بين الشعوب".
ماذا عن الذكاء الاصطناعي في هذا السياق؟
في رأيه "لا يمكن تجاهل الأهمية المتزايدة للذكاء الاصطناعي، فهو يدخل تدريجياً إلى كل المجالات، ومنها بالطبع مجال الحفاظ على التراث، إذ يمكن استثمار هذه الأداة الفريدة من نوعها في مشاريع للحفاظ على الذاكرة الثقافية"، مشيراً إلى أن "كل من يعمل في هذا المجال يعلم جيداً مدى ضخامة البيانات التي نتعامل معها، نحن نتحدث عن آلاف القطع الأثرية وعن عشرات الأعوام من جهود التنقيب والبحوث والأوراق العلمية المتراكمة، وقوة الذكاء الاصطناعي تكمن في قدرته على معالجة هذه البيانات بيسر وسهولة، ما سيساعدنا على الوصول إلى نتائج ربما لا يستطيع الجهد الفردي العادي للعلماء والمتخصصين الوصول إليها".
موقع مسار اللؤلؤ
كيف يمكن ذلك؟
"يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفر تحليلاً معمقاً للبيانات الصادرة عن أدوات التصوير الثلاثي الأبعاد والتصوير المقطعي للقطع الأثرية، كما يمكنه أن يساعد في إنتاج محاكاة لما كانت عليه مواقع التراث العالمي سابقاً أو قطع أثرية ونصوص متضررة لم يستطع العلماء فك شيفرتها، كما يمكنه العمل على وضع احتمالات للتدهور البيئي وإجراءات وقائية للحفاظ على هذه المواقع وضمان استدامتها للأجيال القادمة، بالإضافة إلى وضع خطط طوارئ محتملة، مع أتمتة عمليات البحث والتنقيب في المحفوظات التاريخية، ما يسهل الوصول إلى المعلومات النادرة".