يشير الكاتب في مقدمة الكتاب إلى أنّ الثقافة العربية سعت منذ تثبيت دعائمها إلى أن تشق طريقاً مختلفاً إلى الآفاق العالمية، قدمت نفسها باعتبارها مشروعاً قائماً على العدل والمساواة والانفتاح، حيث ينقل لنا التاريخ كيف استوعبت كل الثقافات وهضمت كل الحضارات، وكيف شكلت رافداً غزيراً للثقافات الأخرى.
يؤكد غبريس أنّ الثقافة العربية اغتنت بدورها بهذا التواصل والتفاعل الخلاق، واستفادت مما أنتجه الفكر الإنساني في الغرب، واكتسبت أبعاداً كونية بكل ما أبدعه الفكر الإسلامي من معارف وعلوم، وهي حين انطلقت إلى الآخر، انطلقت من رسالتها الإنسانية ومبادئها الحضارية والقيمية، وأضاءت شعلة الحوار منذ ذلك الوقت لتكريس مفهوم الأنسنة، عبر وسائط فنية وإبداعية وفلسفية وعلمية، اعترف بها العالم لتنوعها وتأثيرها وحركيتها.
يسلّط الكتاب الضوء على أصالة الثقافة العربية وعراقتها وصمودها أمام المتغيرات الحداثوية، لما تشكله من مرونة وحيوية نابعة من القيم الإنسانية العليا، فيما يتوقف عند دور المثقفين والمفكرين والمبدعين والمؤسسات الثقافية المختلفة، في إيجاد سبل التواصل، والتحرك عالمياً وإيصال صوت الثقافة العربية للآخر، وهو يخلص إلى أنّ المشاركة العربية في المهرجانات والفعاليات الثقافية العالمية، خصوصاً معارض الكتب الدولية، دليل إلى استعادة الثقافة العربية مكانتها الريادية من جديد، ونقل التراث والحضارة برؤى جديدة تحاكي تطلعاتنا وآمالنا.
يبيّن الكتاب كيف أن الشعر قادر على تغيير العالم والتاريخ وأنسنة الإنسان، وكيف نجحت عبقرية الأدب العربي في تجلياتها الكبرى ومساراتها العطرة في أن تصوغ رؤى جديدة للعالم والحياة والمستقبل، لافتاً إلى أنه من الضروري أن تنتج الثقافة الإنسانية مثقّفاً مبدعاً متسلّحاً بالتنوير والتغيير والحداثة، يستطيع أن يواجه التحوّلات التي تحدثها في العالم، ويتصدّى للممارسات التي يفرزها الواقع الجديد، فيما يشدّد على أهمية الوعي الثقافي والتاريخي في عملية التقدم والازدهار، وكيف أن الترجمة ضرورة إنسانية، شارحاً دور الثقافة العابرة للحدود والتواصل الثقافي إضافة إلى التكامل بين الأدب والفن والإبداع.
كذلك يحتفي الكتاب بإسهامات العرب في تشكيل الحضارة الإنسانية، وأهمية الإرث اللغوي والبلاغي الذي خلّفه العلماء العرب وشكل جسراً للتواصل الحضاري والثقافي، ويحتفي أيضاً بعالمية الخط العربي وكيف لعب دوراً حيوياً في نشر اللغة العربية والتعريف بثقافتنا وقيمنا وتراثنا.
يتطرق المؤلف إلى تاريخ الفنون الإسلامية والهوية المتجددة، وكيف شكل الفن الإسلامي همزة وصل بين مختلف الشعوب وجسراً بين الثقافات، ثم يتناول فضاءات الإبداع العربي وسرّ التجدّد والابتكار وكيف اكتسب تجارب مميزة بسبب الانفتاح الحضاري والتواصل الثقافي، وأثبت حضوره شعراً ونثراً وقصة ورواية وترجمة فضلاً عن الفنون التشكيلية والسينما.
وأخيراً، يرصد الكتاب إضاءات الأدب العربي في الفكر الاستشراقي، ويطل على منجزات ومكتسبات الثقافة العربية وانتشارها في الغرب ومشاركتها في الحضارة العالمية.