النهار

رباب كسَّاب: أعيش الواقع وأكتبه بدلاً من الهروب منه
حسين عبدالرحيم
المصدر: القاهرة- النهار العربي
تحاول الروائية المصرية رباب كسَّاب" ملامسة السحاب في روايتها الأحدث "لعبة النوافذ" الصادرة عن دار "بيت الحكمة" في القاهرة.
رباب كسَّاب: أعيش الواقع وأكتبه بدلاً من الهروب منه
رباب كساب
A+   A-
 
تحاول الروائية المصرية رباب كسَّاب" ملامسة السحاب في روايتها الأحدث "لعبة النوافذ" الصادرة عن دار "بيت الحكمة" في القاهرة. 
في هذا العمل، يبرز الصراع النفسي بقوامه العقلي والنفسي، تتحول فيه المشاعر والعلاقات الإنسانية والعاطفية إلى سيرورة تخلخلها المصائر. 
 
عن "بهجت" و"جهاد" وعوالم "سماء" التي جاءت من مدينة طنطا الى القاهرة لتسكن في منطقة باب الخلق وتحديدًا في شارع مصطفى عبد الرازق، حيث الأمكنة الحيوية التي تمثل صراعات الطبقة الوسطى ومخاتلاتها، بل وصراعاتها ما بين التحقق المادي والروحي الإنساني، وكذلك ردم الهوَّات النفسية من أجل الوصول إلى مبتغى العشق والوله. والأهم الاكتمال في عالم متناقض يبرز فيه دور الكاتب/ المثقف في صورة الانتهازي خاوي المشاعر الذي تتسلَّط عليه هواجس العدم والشوفانية والتوحش بدافع "الأنا" المريضة. 
 
في هذا العمل تحاول الساردة الجسورة كشف طلاسم الواقع، وجدوى العيْش والحب والعشق الديمومي في بنية جمالية تتفرّد بها الكاتبة التي أكّدت من قبل فرادة رؤيتها للمكنون النفسي والحياتي وحتى الجنسي؛ دافعة بملكاتها الحسيَّة الأنثوية إلى عالم بديل أو موازٍ عبر بناء حيوات أكثر رحمة ومحبة وتكافؤًا وصدقًا. 
 
رباب كساب لا تراهن إلّا على موهبة تثير الدهشة وتدفع نحو المحاورة بشأن كل جديد يخص الكتابة ومفهوم الرواية ومضاهاة الواقع بالعبث وقنص الجمال للتصالح مع العالم.
 
وفي الحديث عن أعمالها، سألت رباب كساب ما سبب هذا التهشيم القاسي لكل ما هو مرتبط بالواقعي والاجتماعي؟ فأجابت: "ولماذا تسمّيه أنت تهشيمًا، كل ما هنالك أنني ألقي الضوء على هذا الواقع. هل نوره يعدّ صادمًا الى هذه الدرجة التي تجعلك تسميه تهشيمًا؟ أنا أتفاعل مع الواقع المعيش وأعكسه على الورق ليس إلّا. ثم إنني أحب المنظور الاجتماعي في تناول الأمور. إنه مرآة للسياسة والاقتصاد على السواء، هو ما نحن عليه، إن هرب بعضهم منه، فهذا حقُّهم، ولكنني لا أهرب منه، بل أعيشه وأكتبه. 
سألتُها: كيف تواتيكِ القدرة على تحويل الواقعي إلى دلالي أو رمزي؟ عن ذلك تقول كسَّاب :"أنا لا أقصد الدلالات أو الرموز. قد يلجأ الكاتب للرمز لأنه يخاف، فيتوارى خلفه. والدلالات ليست هدفاً في ذاته. لذا فالرمز ليس طريقي ولا الدلالة هدفي. أنا أكتب ما أشعر به، وما أحس أهميته، وأولاً وأخيراً الحالة هي التي تجرّني لتلك الكتابة، بدليل أنني خرجت من تلك العباءة في "على جبل يشكر". من قبل كانت تستلزم شططًا وفنتازيا أجبرتني عليها الحالة العامة للرواية أو عالمها إن صحَّ التعبير وأجبرني عليها الواقع بالمناسبة. حين أكتب لا يكون في ذهني سوى عالمي الذي أخلقه على مهل، وأبطاله يتحركون أمام عيني أحياءً من لحم ودم. لا يكون في عقلي الناقد والقارئ، كل ما يشغلني حينها هو أن أعيش داخل هذا العالم الذي أصنعه وأحزن حين أفارقه. الأمر أبسط من ترميزه أو إعطائه شكلًا مغايرًا، الكتابة حلم وأنا أحلم".
 
 
 
التلصص على العالم
وعن القوّة المحرّكة لكتابة "لعبة النوافذ"، تقول رباب كسَّاب: "وراء هذه الرواية حكاية لطيفة، كنتُ أستنكر أن يكتب أحد واقعه كما هو بلا تغيير يُذكر سوى صياغة العبارات بلغة جميلة. الكاتب متلصص أصيل، لكن أن ينقل ما يسمعه أو يراه نقلًا حرفيًا، فهذا ما استنكرته حينها، فجاء ببالي أن أكتب هذا الشخص وأقول له إنني سأكتبك ولن تعرف أنه أنت، وظل ذلك هاجسي لفترة طويلة، فكتبت نصًا قصيرًا عن الرجل الذي يمسك بكل الخيوط أو هكذا يظن، الرجل الذي يلقي بأحداث في طريق رفاقه وينتظر ردود أفعالهم ليسجّلها حرفًا حرفًا وهو في اعتقاده أنه يصنع رواية، وبعد كتابة هذا النص وجدتُ أنني لا أكتفي بذلك، وبدأتْ "لعبة النوافذ" وبدأ شخوصها يتحرّكون أمامي وفي رأسي، واختفى طيفُ الكاتب الذي ينقل الواقع تمامًا وتحوَّل إلى "بهجت الكومي"، رجل الأعمال الذي اكتفى من كل شيء وجلس في شرفته متلصصاً". 
 
هل "لعبة النوافذ" محاكمة للواقع السياسي المصري منذ 1952، أم هي محاكمة للوجود والعدم؟ تجيب الكاتبة: "قد لا أشاركك الرؤية، جمال النص أن يصل لأي متلق بشكل مختلف عن رؤية صاحبه، أبطالي عاشوا بين العصور الثلاثة من عبد الناصر إلى السادات وصولاً إلى مبارك، وحتى ما بعد 25 كانون الثاني (يناير) 2011. هم انعكاس صريح وواضح للحال المعيشي في مصر من بعد 1952، لم أقصد المحاكمة، ولكني أقول هذا هو الحال، ولا يختلف عن حالنا جميعاً بأي شكل من الأشكال. هذا لا يعني أنني أخاف المحاكمة، كل ما هنالك أنني لست من يحاكم، أنا لسان حال الناس، وهذا ما كتبته في رسالة لأمي حين شاركتُ في الثورة التي أطاحت مبارك: أنا لسان حال الناس، لا أستطيع البقاء إلى جوارك ومتابعة ما يحدث من التلفزيون. الناس هم الشارع الذي يعرف طريقه إليّ في صمت وهدوء". 
 
 
موضوعات الكتابة
وعند سؤالها عن فكرة التلصص التي تناولها كتّاب آخرون وكتب عنها صنع الله إبراهيم مثلًا، أجابت الكاتبة: "سأقول لك ما يقوله أستاذنا إبراهيم عبد المجيد بأنّ موضوعات الكتابة هي هي منذ بدأ الإنسان بالتعبير عن نفسه عبر الكتابة، ولكن كل منا يختلف عن الآخر ويعبّر بالطريقة التي تخصّه عن نفس الموضوع، وإذا جلسنا الآن لنكتب موضوعًا نعرفه مسبقًا لن نتناوله من الزاوية نفسها. لن تكون لنا الرؤية ذاتها، كل إنسان له بصْمته الخاصة، فما بالك لو كان مبدعًا". 
 
أما عن الحزن الجليل والشجن والأسى فتبدو كأنها معزوفة متتالية تصرّ الكاتبة على استكمالها من رواية إلى أخرى، فما هو المحفّز لتلك الكتابات؟ تقول كساب: "ولم لا تقول إنه الصدق، أصدقك الحرف فيصلك ما أريد، أنا أتلبس أبطالي فحزنهم حزني وفرحهم فرحي. كل ما هنالك هو أنني أشعر بهم فأعبّر عنهم، ولأنني صادقة في إحساسي بهم يصلك ويصل إلى القارئ. ليس لديَّ محفزات. أنا كائن مزاجي جدًا. أغيب عن الكتابة وأعود في أوقات لا أعلمها ولا أعدّ لها، ولو حاولت إرغام نفسي على الكتابة لا أكتب. إنني مزاجية حتى في عملي الحكومي، فما بالك بالكتابة التي لا أعدّها حرفة، ولا أريد أن أصبح (صنايعية) أريد أن أبقى مُحبة تُجيد ما تفعل".
 
المثل الأعلى
لكلّ كاتب مثاله الأعلى في الكتابة، فهل من شخصية نموذجية تحتذي بها رباب كساب؟ عن هذا السؤال تجيب: "لا أؤمن بحكاية المثال الأعلى. أنا أحب الكتابة الجيدة حتى ولو كان كاتبها في نصف عمري، ثم لماذا أضع لنفسي سقفًا؟ المثال الأعلى هو سقف يظل المرء يراه الأعلى ويحاول الوصول إليه، وأنا دائمًا أبحث عمَّا هو أعلى وأعلى ولا أملّ من البحث عن كتابات يدهشني أصحابها. لا أراني في أحد، ولا أريد أن أكون مثل أحد، أريد نفسي وأكتفي باسمي وبما أفعل". 
 
وماذا عن رأيكِ بالتعاطي النقدي تجاه كتاباتك؟ تقول: "أنا محظوظة، بمقالات نقدية من أساتذة أجلاء، خصوصًا حول روايتي "فستان فرح". والعام الماضي كانت رواياتي موضوع أطروحة ماجستير للباحثة السورية لمياء الملحم، نوقشت في جامعة سعودية". 
 
وفي الختام سألتُها: هل دافعك للكتابة ذاتي دائمًا؟ فأجابت: "أنا أخلق عوالم بعيدة من حياتي الشخصية، لأناس يشبهونني ويشبهونك، ويشبهون آخرين. نادرًا ما أستخدم شخوصًا أعرفهم، وإن حدث ذلك، تكون علاقتي بهم غير عميقة، وأغيّر في تفاصيلها قدر الإمكان. أما غير ذلك فكله مُخْتلق. أطل من بين السطور في بعض الصفات للشخصية الرئيسة أو كشخصية ثانوية. غالبًا أحب أن أكون طيفًا بين أبطال أي عمل أكتبه".
 

اقرأ في النهار Premium