النهار

في ذكراه الـ102 لمولده... كيف أحدث بيار كاردان ثورة في موضة المرأة وثقافتها؟
علاء زريفة
المصدر: النهار العربي
قد يكون اسم "بيار كاردان" كعلامة تجارية أقل شهرة من معاصريه في الآونة الأخيرة، قياساً بـ"كوكو شانيل" أو "كريستيان ديور"، ولكن "إرث كاردان" كما تم الكشف عنه في معرض استعادي ضخم أقيم في متحف بروكلين في نيويورك بين عامي 2019 -2020، بدون أدنى شك لا يقل أهمية وأثراً في عالم الموضة. وقد عُنيَّ المعرض الذي جمع أكثر من 170 قطعة من "متحف كارادان الخاص" بإظهار "التأثير الخالد" للمصمم الراحل. صادف السابع من يوليو/تموز الجاري ذكرى ميلاد المصمم الفرنسي-الإيطالي الشهير بيار كاردان (2020-1922)، الذي يُعد أحد أعلام الموضة حول العالم، هو الذي مهّد الطريق لـ"ثورة الموضة" في الستينات، بفضل رؤيته "الجريئة والسابقة لعصرها"، والتي ساعدته في التخلص من الكثير من الشكليات الرصينة التي سادت في الخمسينات.
في ذكراه الـ102 لمولده... كيف أحدث بيار كاردان ثورة في موضة المرأة وثقافتها؟
بيار كاردان
A+   A-
قد يكون اسم "بيار كاردان" كعلامة تجارية أقل شهرة من معاصريه في الآونة الأخيرة، قياساً بـ"كوكو شانيل" أو "كريستيان ديور"، ولكن  "إرث كاردان" كما كُشف عنه في معرض استعادي ضخم أقيم في متحف بروكلين في نيويورك بين عامي 2019-2020، بدون أدنى شك لا يقل أهمية وأثراً في عالم الموضة. وقد عُنيَ المعرض الذي جمع أكثر من 170 قطعة من "متحف كارادان الخاص" بإظهار "التأثير الخالد" للمصمم الراحل.
صادف السابع من يوليو/تموز الجاري ذكرى ميلاد المصمم الفرنسي-الإيطالي الشهير بيار كاردان (2020-1922)، الذي يُعد أحد أعلام الموضة حول العالم، هو الذي مهّد الطريق لـ"ثورة الموضة" في الستينات، بفضل رؤيته "الجريئة والسابقة لعصرها"، والتي ساعدته في التخلص من الكثير من الشكليات الرصينة التي سادت في الخمسينات. 
منذ عام 1958، راح كاردان يُلبس العارضات تنانير قصيرة مذهلة ووضع فوقها خوذة واقية، ما ساهم في تحرير النساء من "الكورسيه" (مشدّات الخصر والبطن الضيقة)، التي كانت سائدة آنذاك. 
ما ميّز كاردان أيضاً، حسه التجريبي المتميز باستخدام مواد جديدة لم تكن مألوفةً من قبل مثل (البلاستيك، رقائق القصدير) في تصاميمه التي زعزع من خلالها مفاهيم "الموضة المفترضة" آنذاك. يختصر كاردان شغفه الخاص الذي يبرز في تصاميمه بالقول: "الملابس التي أفضّلها هي تلك التي اخترعتها لحياة غير موجودة بعد - عالم الغد" قبل معرض استعادي في متحف "فيكتوريا وألبرت" بلندن في عام 1990.
 
 
"عصر بيار كاردان"
بيار كاردان من أصل إيطالي، ولد في سان دي بياجيو كالالتا بالقرب من مدينة تريفيزو، قبل أن ينتقل في سن الـ23 رفقة أسرته إلى باريس سنة 1945، حيث درس الهندسة المعمارية التي أثرت أثراً عميقاً على تصميماته لاحقاً، فهو كما يقول: "قدرته على نحت الأقمشة بحساسية معمارية كانت توقيعه الحقيقي"، أو بصمته الخاص المتفردة. 
تتمتع تصاميم كاردان بمكانة خاصة في "تاريخ الموضة"، ليس بسبب "تقنيتها المبتكرة" فحسب، بل بسبب "مزاجها العصري وروحها المرحة"، وتعود جماليات الأزياء التي صممها كاردان لما استوحاه من "عصر الفضاء"، حيث إنه كان أول من صمم بذلة الفضاء الخاصة بوكالة ناسا لاحقاً. يقول كاردان عن ذلك: "لقد استلهمت من الأقمار الصناعية والليزر والقمر. أنا أنظر إلى المستقبل. لم يلهمني أبداً جسد المرأة. فساتيني تشبه المنحوتات. لقد قمت بتشكيلها ثم وضعت امرأة فيها. كان الأمر أشبه بالهندسة المعمارية أو الفن". 
مثل العديد من أبناء جيله، احتضن كاردان وصول "عصر الفضاء" في أواخر الخمسينات بحماسة كبيرة، حيث غلبت عليها الأشكال الهندسية المجردة والأقمشة اللامعة المستقبلية والحواف القصيرة الجريئة التي ترمز إلى جيل جديد ترك وراءه أنماط "الأنوثة التقليدية"، ليحتضن نسخة جديدة من الأناقة.
وأتت على يديه الساحرتين الخلاقتين، الأحذية اللامعة التي تصل الفخذ، الأقمشة الصناعية الضيقة، السراويل المطاطية، والتنانير القصيرة. حيث تصوّر كاردان عالماً مستقبلياً مصنوعاً من البلاستيك الملون الزاهي، والفينيل، والنيون. 
جاء أسلوبه الخيالي العلمي في عالم الموضة ليحدد الموقف المتمرد الطليعي لثقافة الشباب الأوروبي الجديدة في الستينات، الذين رفضوا بريق العالم القديم في الخمسينات لمصلحة مستقبل صناعي جديد. لتصبح أبرز السمات التي حددت ما يُسمى اليوم من قبل مؤرخي هذه الصناعة "عصر بيار كاردان".
 

عميد الموضة الفرنسية 
بالإضافة إلى "تغيير مسار الموضة"، ابتكر كاردان طوال مسيرته المهنية إطلالات لعدد من المشاهير. ومن أبرز إنجازاته المبكرة في مسيرته المهنية تصميم أزياء الممثلة إليزابيث تايلور، والسيدة الأولى الأميركية جاكي كينيدي. "كل فستان هو مغامرة في الأفكار" هذا ما صرح به عام 1964 لمجلة "فوغ" المتخصصة في عالم  الأزياء. 
بدأ حياته المهنية في عالم الموضة في باريس بعد الحرب العالمية الثانية، كمساعد خياط  في دور الأزياء "باكوين، إلسا سكياباريلي، وكريستيان ديور"، ثم انطلق وحده في عام 1950، ليُصبح في نهاية المطاف مَلكاً، و"عميد الموضة الفرنسية" منذ ذلك الوقت، وليُطبع اسمه على كل شيء من الأوشحة الحريرية إلى السجائر جامعاً بين التصميم وريادة الأعمال. 
كسر كاردان صفوف الموضة في باريس من خلال تقديم أول مجموعات الملابس الجاهزة للنساء والرجال، حينها سخر منه زملاؤه لأنه كان "ديموقراطياً جداً" في تصميماته على حد قولهم، وهو معنى مرادف لـ"الاستغلال".  
وكانت الأزياء التي صممها لحفل تنكري متقن أقامه جامع الأعمال الفنية كارلوس دي بيستيغي في قصر لابيا في البندقية عام 1951 هي التي "أطلقت" مسيرة كاردان المهنية، فإن تصاميمه الأكثر مستقبلية هي التي اشتهر بها. وأشهرها على الإطلاق "فستان الفقاعة" الذي أطلقه عام 1954.  
أطلق كارادان "الملابس الجاهزة" كمفهوم في عام 1959، وهي خطوة مساواتية أثارت فضيحة في عالم الموضة وانتهت بطرده من الهيئة الحاكمة للأزياء الراقية بباريس كونه جعلها متاحةً للجماهير. كان رد كاردان حاسماً بالقول: "لماذا أعمل فقط مع الأغنياء؟ أريد أن أعمل مع الناس في الشارع". 
في العقود اللاحقة من مسيرته المهنية كان من أوائل من أخذ تصاميمه وعروضه إلى أماكن لم تصل إليها الأزياء الراقية الغربية من قبل: الصين والهند وفيتنام وحتى الساحة الحمراء في موسكو.
وتتجلى "الثورة" التي أحدثها كاردان، من خلال أزيائه الرجالية - كانت تأتي إلى باريس حتى ذلك الوقت من إنكلترا وإيطاليا - هي التي تركت أثراً دائماً حقاً، فقد كان يريد أن يرتدي الملابس التي يصنعها بنفسه. عندما قام  بتعديل خط العنق الذي لا ياقة له في سترات رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، بحيث أصبح مناسباً للبدلات، وابتكر "مظهراً خالداً" ما زلنا نراه إلى اليوم.  
كان  كاردان يقص البدلات بحيث تكون نحيفة ـ بأكتاف صغيرة، وفتحات أكمام عالية، وخصر ضيق ـ وهو الشكل الذي تأثر به، وبنى عليه هيدي سليمان حياته المهنية لاحقاً كأحد تلامذة كاردان الأشهر. وهو النمط المبتكر الذي ظهر في صورة شهيرة لأعضاء فرقة "البيتلز" البريطانية مطلع السبعينات من القرن الماضي، وهم يرتدون بدلات من تصميم كاردان.
"سفيراً للنيات الحسنة"
إلى جانب علامته التجارية الشهيرة، استثمر كاردان ثروته في العقارات الفرنسية الكلاسيكية، بما في ذلك قلعة "ماركيز دي ساد" في منطقة لوبيرون حيث كان يعقد فعاليات ثقافية سنوية. 
كما اشترى قصر "أنتي لوفاج أو قصر الفقاعات" بالقرب من كان، بعد وفاة المالك الأصلي بيير برنارد في عام 1991. و"مطعم مكسيم"، وهو مطعم فرنسي تأسس عام 1893 وأصبح مركزاً مشهوراً للمجتمع الراقي، وكذلك "مسرح السفراء" الذي يبلغ عمره 125 عاماً في منطقة الشانزليزيه في باريس.
حصل على العديد من الجوائز لمساهماته في التصميم والثقافة الفرنسية، بما في ذلك وسام الاستحقاق الثقافي من "موناكو برينسيبوتيه". كما عُيّن سفيراً فخرياً لليونسكو وسفيراً للنيات الحسنة لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. 
 

اقرأ في النهار Premium