أصيلة: كريم السعدي
اتفقت آراء المشاركين، مساء ءالأحد، في ثاني جلسات ندوة "سوق الفن وصناعة القيمة"، المنظمة ضمن فعاليات الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال45، على أن من شأن غياب "هيكلة" سوق الفن أن يفتح الباب أمام "المضاربين" و"تجار السوق الفنية السوداء". وشددوا، في هذا السياق، على أن غياب "التقنين" و"المأسسة"يجعل الفن "عرضة للتحكم" من طرف محسوبين عليه، وهو ما يفرض الحاجة إلى "سوق فنية فاعلة وقائمة على قواعد منظمة"، والاعتماد على "الخبرة والخبراء لحماية الإبداع البصري ومحاربة الفن المزيف".
وتطرق المشاركون أيضا إلى تسويق العمل الفني، في علاقة قيمته الجمالية بقيمته التداولية - المالية التي يحددها سوق الفن.ورأوا أن من شأن "مأسسة" السوق ودعمه بالنصوص القانونية والخبرات والكفاءات الفنية أن يمنع "خضوع الأعمال الفنية للأهواء والوقوع تحت رحمة المحسوبية والنصب والاحتيال".
وقال محمد نور الدين أفاية، المفكر وعضو أكاديمية المملكة المغربية، في بداية تسييره للجلسة، إن موضوع الندوة يأتي في "سياق ثقافي متحرك ومتغير"، تطغى عليه، في بعض الأحيان،"التباسات عديدة"، مشيرا إلى أن المشهد التشكيلي المغربي يشهد اليوم نوعا من "النضج" أو "الطفرة".
وطرح أفاية خمسة أسئلة، قال إنها لتأطير النقاش، في علاقة بالمحور المطروح: "هل يتوفر المغرب على سوق للفن يستجيب لمقتضيات سوق فنية؟"، و"هل يجوز الحديث عن سوق للفن في غياب ضوابط ومنطق يحكم العرض والطلب؟"، و"هل تشكل قاعات العرض فضاءات لالتقاط تمظهرات سوق الفن، علما أن أغلبها غير منتظم أو يضطر للإغلاق؟"، و"هل نملك ما يلزم من الخبرة للتمييز بين الأصلي والمزيف؟"، و"إلى أي حد يساهم الرسامون أنفسهم في تشجيع السوق السوداء للوحات وترويج لوحاتهم خارج المعارض وإطار التعاقد؟".
وبدأ رشدي البرنوصي، مدير متاحف بنك المغرب، مداخلته بالحديث عن "الطفرة" التي يمر منها المغرب على مستوى مشهده التشكيلي، متحدثا، في هذا الصدد، عن لحظتين: تنظيم الميدان وتطور العرض والطلب. كما عاد إلى تاريخ الحركة التشكيلية المغربية، ملقيا الضوء على ما ميز الفترة ما بين ستينيات وثمانينيات القرن الماضي، والتحول الحاصل منذ مطلع الألفية الثالثة، متمثلا في بروز "شروط إيجابية" للممارسة وتداول الأعمال الفنية.
وتطرق البرنوصي، ضمن هذه الدينامية، إلى الحضور المتزايد للتشكيليين المغاربة على المستوى العالمي، سواء من حيث اقتناء لوحاتهم في مزادات متخصصة، أو فتح الباب أمامهم في دور عرض معروفة. ومثل لهؤلاء الفنانين بالراحل محمد المليحي ولالة السعيدي.
كما توقف البرنوصي عند "الاستثمار" في العمل الفني، مميزا بين القيمة الفنية للعمل والقيمة الفعلية للفنان، مع تشديده على أن "المنطق" الذي يحرك "جودة السعر".
وعلى الرغم من كل الملاحظات التي يمكن إبداؤها، رأى البرنوصي أن سوق الفن في المغرب "واعد"، سوى أنه يحتاج إلى "اليقظة" للحفاظ على "الشعلة" حتى لا تذهب في "الاتجاه غير المناسب".
من جانبه، ركز أحمد مجيدو، وهو أكاديمي ومنظم معارض، على تجربة أصحاب الأروقة ودور العرض، والدور الذي من المفترض أن يلعبوه على مستوى سوق الفن. وأوصى بالاهتمام أكثر بالفنانين الشباب والتعريف بهم، مع مساعدتهم على "الابتكار"و"الخلق"، بما يضمن إغناء المشهد الفني.
وتطرق مجيدو إلى "تاريخ" سوق الفن في المغرب، مشيرا إلى أنه "ليس شيئا حديثا" في البلد، مذكرا، في هذا الصدد، بعدد من مقتنيات الصناعة التقليدية، التي كان يتم تملكها وجمعهالقيمتها ورمزيتها، على حد سواء.
ورأى محمد رشدي، وهو فنان تشكيلي وناقد فني ومنظم معارض، أن للفن خصوصيته، متوسعا عند القيمة الفنية للأعمال التشكيلية، من زاوية ما تتميز به، رمزيا وجماليا، مستحضرا السياق العام الذي ينجز في إطاره الإنتاج الفني، الذي "يبقى دائما مرتبطا بسلطة ما"، وهو ما ينفي استقلالية العمل الفني.
وعبر رشدي عن أسفه لطبيعة السوق الفني الذي لا يساعد على الخلق والابتكار، ولا يشجع الشباب من الفنانين، نظرا لطغيان وهيمنة وحضور فنانين معروفين، عبر إعادة بيع أعمالهم، الشيء الذي يخلق نوعا من الدائرة التي لا تساعد على الخلق والابتكار، وبروز أسماء وتجارب جديدة.
أما محمد المنصوري الإدريسي، وهو فنان تشكيلي ورئيس النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين بالدار البيضاء، فقدم مضمونا منسجما مع قناعاته إسهاماته داخل الحقل التشكيلي المغربي، مشيرا إلى أن "للعمل الفني صورتان"،الأولى "داخل مشغل الفنان حين يكون مجرد تصور ذهني تخييلي ليغدو حقيقة بصرية مجسدة"، والثانية "خارج جدران المشغل، أي حين يجد طريقه إلى صالة العرض". ورأى أن "للعمل الفني حياتان"، حياة أولى "تتمثل في كونه قطعة إبداعية مفردة وفريدة تملك قيمتها الفنية في ذاتها"، وحياة أخرى "تبدأ حين يستحيل العمل إلى منتوج تسويقي".
وأضاف المنصوري أن "العمل الفني متى تحول إلى منتوج تسويقي انضافت إلى قيمته الجمالية قيمة تداولية مالية، يحددها سوق الفن"، مع إشارته إلى أنه "إذا كان هذا السوق غير ممأسس ولا ينهض على دعامات قانونية، ولا على خبرات وكفاءات فنية، كان تداول الأعمال الفنية خاضعا لأهواء ومحكوما بعلاقات المحسوبية، ومعرضا في كثير من الأحوال للنصب والاحتيال".
وبخصوص سوق الفن في المغرب، لاحظ المنصوري أنه "يفتقد إلى الهيكلة المؤسسية وإلى كثير من ملامح العقلانية الاقتصادية".
كما تطرق إلى الإشكالات المرتبطة بالتسويق، وقال إن هذا الأخير ارتبط بالفن، بالرغم من طابعه الروحي والفكري والسيكولوجي، مشيرا إلى أن "التسويق الفني، في التجربة المغربية، ما زال يقوم على الاجتهادات الشخصية والعلاقات الاجتماعية، في غياب مختصين في عملية التسويق". واستدرك، بأن "التسويق الفني في المغرب، على الرغم من الحيوية التي تظهر بين الفنية والأخرى في ساحة الإبداع التشكيلي الوطني،مدعو إلى تأسيس ثقافة الاقتناء ومواكبة الإبداع البصري حسب خصوصياته وتطلعات مبدعيه".
ورأى المنصوري انه "أصبح من الضروري فهم العلاقة بين الفن والتسويق والوعي بدور المؤسسات المعنية"، مشددا على عدم إمكانية الحديث عن "سوق فنية فاعلة وقائمة على قواعد منظمة"دون الحديث عن "الخبرة ومسؤولية الخبراء لحماية الإبداع البصري الجاد ومحاربة نشر الفنون المزيفة". لذلك، شدد على أن "مفهوم سوق الفن لا يزال مفهوما ذهنيا أكثر منه حقيقة مؤسسية، وما زال خاضعا للمبادرات الشخصية والأهواء الذاتية من دون ضوابط يحكمها اقتصاد الإبداع الذي يعتبر امتدادا للثقافة ككل".
وذهب المنصوري إلى أن "غياب هيكلة سوق الفن يفتح الباب على مصراعيه أمام المضاربين وتجار السوق الفنية السوداء"، حيث أنه "متى غاب التقنين وغابت المأسسة صار الفن عرضة للتحكم من طغمة من المحسوبين على الفن".
ودعا المنصوري إلى "تفعيل المعارض الفنية المحلية والخارجية وتقدير جهود الفنانين المغاربة العارضين"، و"تنظيم التظاهرات الفنية بشكل احترافي وخلف جوائز محفزة، مع دعم الجيل الجديد من المبدعين وتطوير قدراتهم الفنية"، و"الاعتماد على "الميديا" الاجتماعية للترويج للعمل الفني، مع الحاجة الملحة إلى إعلام فني متخصص مرئي، مسموع ومكتوب"، و"إنشاء منابر فنية لنشر النصوص والمقاربات والدراسات الفنية"، و"استثمار العلاقات مع المؤسسات العامة والخواص والبنوك على نحو مفيد ومثمر"، و"تفعيل دور المجالس المنتخبة للترويج للمنتوج الفني المحلي"، و"استعادة فضاءات تم تفويتها لهيئات معنية اتخذتها كمقرات دائمة لها"، و"تفعيل دور المديريات الجهوية للثقافة في ربط الاتصال والتواصل بين فناني الجهة ولم شملهم"، مع "إحداث أروقة ومتاحف جهوية لتحريك السوق الفنية المحلية"، إلى جانب إعادة النظر في الصيغة التي تقتني بها مؤسسات الدولة أعمال الفنانين المغاربة بحيث لا تنحصر في أسماء متكررة لتشمل مبدعين آخرين، في إطار ديمقراطي يراعي تنوع الأساليب والحساسية الفنية".