النهار

الذكاء الاصطناعي... ما تأثيره على مستقبل الإبداع الموسيقي؟
هبة ياسين
المصدر: القاهرة- النهار العربي
​ هل تصدق أن المطربة اللبنانية فيروز تغني أغنية "البخت" لمطرب الراب ويجز؟ وتشدو بإحدى أغنيات المطربة الإنكليزية أديل، لتنتقل الى غناء "بتمون" لإليسا... مهلاً، هل أم كلثوم وعبدالحليم حافظ قد عادا الى الحياة؟ كوكب الشرق تغني شارة كارتون "المحقق كونان"، وأغنية شيرين "جرح تاني"، بينما عبدالحليم يغني"اختياراتي مدمرة حياتي" لأحمد سعد.
الذكاء الاصطناعي... ما تأثيره على مستقبل الإبداع الموسيقي؟
مايسترو بالذكاء الاصطناعي
A+   A-
 
هل تصدق أن المطربة اللبنانية فيروز تغني أغنية "البخت" لمطرب الراب ويجز؟ وتشدو بإحدى أغنيات المطربة الإنكليزية أديل، لتنتقل إلى غناء "بتمون" لإليسا... مهلاً، هل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ قد عادا إلى الحياة؟ كوكب الشرق تغني شارة كارتون "المحقق كونان"، وأغنية شيرين "جرح تاني"، بينما عبد الحليم يغني "اختياراتي مدمرة حياتي" لأحمد سعد.
يبدو ذلك ضرباً من الخيال، لكنه حدث بالفعل عبر مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، المفاجأة هذه ليست فيروز، وتلك ليست أم كلثوم أو هذا العندليب الأسمر، بل أعمال تستنسخ أصواتهم صنعت بتقنيات "الذكاء الاصطناعي" باحترافية.
أضحت ظاهرة توظيف الذكاء الاصناعي في مجال صناعة الموسيقى أمراً واقعاً على مستوى العالم، فقد تفاجأ الجمهور خلال العام الماضي بطرح فرقة البيتلز أغنية جديدة بعنوان Now and Then ، كان قد سجّلها الراحل جون لينون، حيث جرى الاستعانة بتقنية الذكاء الاصطناعي، لتجمع تلك الأغنية لأعضاء الفرقة مُجدداً، بعد أكثر من 50 عاماً على انفصالهم. وقال عضو الفرقة بول مكارتني، إن تلك الأغنية ظلت حبيسة الأدراج، طوال هذه السنوات، كون التقنيات المتاحة حينها غير قادرة على استخراج صوت جون لينون بنوعية جيدة.
المحصلة، أن ذلك ما كان ليحدث لولا أن قادتنا إليه التكنولوجيا، فهناك برامج ذكاء اصطناعي قادرة على توليد أنماط موسيقية مختلفة، وتأليف الأغاني وتلحينها وعمل التوزيع الموسيقي بأصوات الفنانيين المعروفين.
 
 
 
 
الذكاء الاصطناعي في العالم العربي 
امتد تأثير الذكاء الاصطناعي إلى بعض صناع الموسيقى العرب امتداداً محدوداً، وجاءت الفنانة التونسية لطيفة من أوائل الذين اتجهوا لذلك، إذ أطلقت ألبوماً جديداً ضم أربع أغنيات بتقنية الذكاء الاصطناعي، لكن المطربة الكبيرة تعمدت استخدامه على مستوى الصورة فقط دون المساس بصوتها.
تحدثت لطيفة لـ"النهار العربي" قائلة: "طمحت إلى الاستفادة من التقنيات الحديثة وصناعة أعمال بالذكاء الاصطناعي على مستوى الصورة، لأنه يضيف الجمال والإبهار لأغنية الفيديو كليب، بينما اعتبر استخدامه على مستوى الصوت خدعة، وتعاونت في هذا المشروع مع المخرج اللبناني وليد ناصيف الذي يعتبر "عرّاب" الذكاء الاصطناعي في العالم العربي، ويُدرّس هذه التقنية في الجامعات اللبنانية، وبدأت معه هذه الخطوة الجريئة وسعيدة بها، كما أنني تحمست لها لأنها خطوة جديدة لم يقدم عليها أحد في العالم العربي".
قد تبدو هذه الخطوة مغامرة موسيقية، لكنّ لطيفة تراها متماشية مع التطور الموسيقي بقولها: "ليس مطلوباً الغناء بالشكل نفسه، بل يجب التطوير، لكن ليس تطويراً قميئاً بل بعقل وحسبان واختيارات صائبة، فقد طرأت تغييرات كثيرة في الموسيقى على مدار السنوات، خصوصاً بعد ظهور الديجتال والإنترنت، وأخيراً الذكاء الاصطناعي، لكن البقاء للأعمال الجيدة، كما أن الهوية الموسيقية تكمن في الجودة وتقديم عمل مختلف وجديد".
يبدو أن أثر الذكاء الاصطناعي في صناعة الموسيقى سيكون متنامياً خلال المرحلة الراهنة، خصوصاً لكلفته المنخفضة وتوفير الوقت والجهد، ويعدّ المخرج وليد ناصيف واحداً من أهم مخرجي الفيديو كليب عربياً، ويجيد الاستفادة من التقنيات الحديثة. ومع انطلاق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كان ناصيف أول من استخدم تقنياته في أعماله العربية واستخدمها في التصوير، وهو صاحب مشروعات عدة في هذا الصدد، بينها الألبوم الأحدث للطيفة، كما استخدم هذه التقنيات مع المطرب مروان خوري في برنامج "طرب" على قناة "العربي".
وقال  ناصيف لـ"النهار العربي": "الذكاء الاصطناعي Ai  له أثر كبير على صناعة المحتوى عامةً وليس على الموسيقى والموسيقيين فقط، وعلى الجميع أن يعترف بدور الذكاء الاصطناعي في تطوير كل مناحي الفنون، وبصفة شخصية وبحكم عملي مع نخبة من نجوم الطرب، فإن الذكاء الاصطناعي له تأثير بالغ على الموسيقيين أخيراً في عملية الألحان والتوزيع الموسيقي، وأصبح التوزيع الموسيقي أسهل وأكثر دقة وأقل تكلفة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وما أراه أنه يجب عدم استخدامه في طبقات الصوت ولكن يمكن استخدامه في التوزيع وفي الصورة بما يضيف للعمل الفني".
 
لطيفة
 
 
تطور وتجارب
يرى الناقد الفني المصري أمجد جمال أن التطور لا يمكن الوقوف أمامه، إذ أصبح أمراً واقعاً لا يمكن صده، وأكد لـ"النهار العربي": أن هذا التطور بلغ مراحل جنونية، إذ يقوم الذكاء الاصطناعي بمهام ضخمة وليس مجرد أداء مهام هامشية أو بسيطة في مجال الموسيقى، فيؤلف الألحان من الألف للياء ويولد التوزيعات الموسيقية". 
ويرى جمال أن التجارب الموسيقية الجادة لاستخدام الذكاء الاصطناعي عربياً ما زالت محددوة حتى الآن، ولا يمكن اعتبارها  رسمية، وأضاف: "تنحصر كل التجارب الرسمية في صناعة الصورة والكليبات، مثل تجربة الفنانة التونسية لطيفة أو محمد حماقي أو محمود العسيلي، لكن لم يستخدم في الموسيقى نفسها بعد".
بينما يرى المؤلف الموسيقي المصري خالد الكمار أن كثيراً من الموسيقيين لا يدركون حجم التغيير الذي سيحدثه الذكاء الاصطناعي، فهو تحوّل غير مسبوق وأكبر طفرة حدثت في الموسيقى منذ اختراع التسجيل. وأضاف لـ"النهار العربي" أنه لا تجارب جادة في العالم العربي حالياً، لكنها تجارب ذكية مثل انتشار تغيير صوت المغني واللحن أو شكل الموسيقى".
وأضاف: "تاريخ الموسيقى هو حدث اجتماعي منذ بدايته، تجتمع الناس للاستماع إلى الموسيقى والغناء، وتدريجاً أصبح يأخذ منحى من الخصوصية بتوالي العصور، فظهر "الهيدفون" ليسمع كل إنسان موسيقاه، أما ظهور الذكاء الاصطناعي فسيأخذ الموسيقى نحو مزيد من الخصوصية، عبر توليد أغان لشخص بعينه بناءً على ذوقه ومزاجه الشخصي".
 
 
 
تفاؤل... مخاوف... وتحديات
يمثل توليد الموسيقى باستخدام التكنولوجيا ثورة تكنولوجية حقيقية، ولكن مثل أي تقنية جديدة، أثار ردود أفعال متباينة بين التفاؤل والتخوفات، على المستوى الإيجابي قد يساهم في تطوير الأنماط الموسيقية والغنائية الحالية، كما يفتح الآفاق للموسيقيين للاستفادة منه وخلق تجارب مبتكرة وتطوير أدائهم ويكون عاملاً مساعداً للمبدعين منهم، كما يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في إحياء التراث وترميم النسخ القديمة مثلما حدث مع أغاني البيتلز القديمة، واستخدام تقنيات هندسة الصوت لتحسين جودة الأعمال القديمة وضبط أصواتها، وهو أحد الأهداف المنشودة منه.
لكنه يثير المخاوف من الاستغناء عن العنصر البشري، بجانب تشويه الأعمال الفنية، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وأن يؤدي انتشاره لغياب الإبداع البشري تدريجياً، حيث لا يكون هناك مجال لإفساح الطريق أمام البشر للتعلم والابتكار، وهذه الاحتمالية قد تحدث في حالة الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي، لكنها ما زالت احتمالية غير مؤكدة حتى الآن، فدائماً ما تسود حالة القلق والترقب مع انتشار أي ظواهر تكنولوجية جديدة، سبق حدوثه مع ظهور "التلفاز"، فسادت الترجيحات أنه سيقضي على السينما.
ولا يعتبر المخرج اللبناني وليد ناصيف أن الذكاء الاصطناعي يمثل تهديداً للموسيقى بالعكس هو يضيف لها الكثير، ويسهل الأمور على صناع الموسيقى ويتيح للشباب تقديم أعمال جيدة ومميزة في عالم التوزيع الموسيقي، معتبراً تخوف البعض بأن يحل الذكاء الاصطناعي بديلاً من صناع الموسيقى أنفسهم أمراً غير طبيعي.
 
حقوق الملكية الفكرية 
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي ينافس الإبداع البشري وقد يتفوق عليه في عالم الموسيقى أيضاً، فهو قادر بتوجيهات بسيطة على قراءة النص وتلحينه بنسخ متعددة وأنماط وإيقاعات وأصوات مختلفة في وقت وجيز. وجاء تنامي الذكاء الاصطناعي متسارعاً ودراماتيكياً عبر استنساخ المطربين وأصواتهم، ما أثار الغضب عالمياً وعربياً.
واعتبر استخدام الذكاء الاصطناعي في محاكاة واستنساخ أصوات الفنايين أحد الأوجه السلبية لاستخدام الذكاء الاصطناعي، إذ يمثل تشويهاً بل سطواً على صوت الفنان أو على بصمته الصوتية، ومن ثم توظيف الصوت دون موافقته أو موافقة ورثته، وهذا الأمر استدعى حملات غاضبة عالمياً، إذ وقع أكثر من 200 فنان وشركة، خطاباً مفتوحاً، صادراً عن "اتحاد الدفاع عن حقوق الفنانين" يدعو إلى توفير الحماية ضد ما وصفوه بـ"الاستخدام العدائي" للذكاء الاصطناعي، لإنشاء نسخ رقمية من أشكال الفنانين وأصواتهم. تضمنت قائمة الموقعين مغنين من أجيال وألوان موسيقية مختلفة والشركات مالكة الحقوق التجارية للنجوم الراحلين مثل فرانك سيناترا، وبوب مارلي. داعين للاستخدام المسؤول للتكنولوجيا.
 
 
تجربة عمرو مصطفى
عربياً، أثار الملحن المصري عمرو مصطفى الجدل منذ نحو عام، عقب إعلانه أنه بصدد إطلاق أغنية جديدة تغنيها أم كلثوم باستخدم الذكاء الاصطناعي، فواجه عاصفة من الغضب في الرأي العام الموسيقي، كما رفض ورثة الفنانة الراحلة هذا الطرح، فقرر التراجع عن مشروعه.
فاستخدام الذكاء الاصناعي يتطلب تقنيناً عاجلاً أم آجلاً، ويحتاج إلى تعديل قوانين الملكية الفكرية بما ينسجم مع هذه التطورات التكنولوجية، ومن المتوقع خلال السنوات القليلة المقبلة إصدار قوانين جديدة لتنظيم استخدامه والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية.
 
 
 
مستقبل الموسيقى
حول دور الذكاء الاصطناعي في الموسيقى مستقبلاً، أجاب الموسيقي خالد الكمار عن يقينه أن أي صراع ضد التطور خاسر وحدث ذلك على مدار تاريخ الموسيقى، فالغلبة والانتصار للتطور، فعندما ظهر التسجيل اعتبروه نهاية العالم، وفي تسعينات القرن الماضي أصدرت نقابة الموسيقيين المصرية قراراً بمنع استخدام الأجهزة الإلكترونية في توزيع الأغاني ونُفذ القرار فعلياً، لكن لاحقاً اكتسحت هذه الأجهزة مجال التوزيع الموسيقي، لذا أؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيكون منافساً شرساً بطريقة لا يمكن أن نتخيلها.
فيما أكد المخرج اللبناني وليد ناصيف أن "تطلعات المستقبل بالذكاء الاصطناعي كبيرة جداً، وشخصياً أميل لهذا النوع وأحبه وأتمنى أن أقدم أعمالاً ضخمة في هذا الصدد، واعتبر الذكاء الاصطناعي هو المستقبل القريب جداً للموسيقيين والفنانين عامةً، إذ سيسهم الذكاء الاصطناعي في تطور الموسيقى كثيراً، كما أنه سيتيح الفرصة لكثيرين للمشاركة به واستخدامه لتقديم أعمالهم بسهولة، ولكن هناك تخوفات من استخدامه في التلاعب في أصوات الفنانين وهذا أمر مرعب لكل فنان حقيقي".
بينما يرى الناقد الفني أمجد جمال أنه: "لا يمكن الجزم بشكل هذا الدور بدقة، فالأمر تكتنفه الضبابية الآن، لكن ثمة احتمالات عدة، من بينها أن "الذكاء الاصطناعي" سيشكل عنصراً مساعداً لصناع الموسيقى، فيمكنهم الاستفادة من تقنياته أو توجيهه لخدمة أهدافهم، بطريقة لا يتم معها إلغاء أدوارهم البشرية، لكن لا يمكن توقع مستقبله بدقة، فالذكاء الاصطناعي نفسه يتطور ويتوحش يوماً تلو الآخر، فهي تقنية سائلة ما زلنا نتعرف عليها ولم نصل إلى آخرها، فلا يمكننا توقع كيف سيكون مدى تطور الذكاء الاصطناعي العام المقبل".
وأوضح: "أعتقد أن ثمة الكثير من التجارب والمحاولات الجادة ولكنها لم ترقَ حتى الآن للمستوى العالمي باستثناء بعض التجارب البسيطة والتي كنت جزءاً منها، واعتبر ما قدمته النجمة لطيفة في ألبومها الأخير "مفيش ممنوع" محاولة جادة وتركت بصمة مميزة جداً، وشجعت الكثير لتقديم تجارب جديدة بالذكاء الاصطناعي، وكثير منهم تواصل معي لتقديم تجارب جديدة وقريباً ستظهر للنور، وأعتقد أن النجاح الذي حققته لطيفة في تجربتها حمس البعض لخوض التجربة والاتجاه للذكاء الاصطناعي بعد تخوف كبير، وعندما قررنا تقديم هذه التجربة قررت أن يكون جزء بالذكاء الاصطناعي وجزء آخر واقعياً، وشخصية لطيفة في الكليبات كانت حقيقية، وهذا ما أعطى روحاً للأعمال التي قدمناها.
 
الموسيقي المصري خالد الكمار
 
 

اقرأ في النهار Premium