في روايتها الجديدة "عملية تجميل"، تتناول الكاتبة المصرية المعروفة زينب عفيفي ماهية الروح والجسد وقيمة جوهر الإنسان بشكل مجرد.
في هذا العمل الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، تتعرض الكاتبة لما تتعرض له البشرية من زيف وتدمير وانحطاط. إنه عصف بكل جوهر الأخلاقيات والسلوك من خلال طبيب تجميل يمثّل مجازاً المعادل الموضوعي لما ألمّ بالبشر والبيوت والمدينة.
عن هذه الرواية وأبعادها وعن مسيرة روائية تتمثل بنحو 17 عملاً أدبياً، تُرجم الكثير منها إلى لغات أجنبية، تحدثنا مع الكاتبة زينب عفيفي، فكان لنا معها كان هذا الحوار:
* تضعنا روايتك الجديدة أمام معان مختلفة عن الجمال والقبح ضمن آليات طرحٍ مميزة يختلط فيها العجائبي بالغرائبي. فمن أين استقيت جدلية الجمال والقبح؟
- رواية "عملية تجميل" هي العمل الثامن عشر في مسيرتي الإبداعية، وهي العمل الوحيد الذي أعترف بأنه كتب نفسه بنفسه. كل ما كتبته سابقاً كان يأخذ مني وقتاً في التفكير والإعداد والكتابة. أما هذه الرواية فكتبتها خلال فترة قياسية، في غضون ستة أشهر تقريباً، وهذا الأمر لم يحدث معي قبل ذلك. لكنّ واقع الرواية فرض نفسه على الرواية.
جاءت الفكرة مصادفة بعدما أصابتني لدغة ناموسة في وجهي، ما جعلني أذهب إلى طبيب للأمراض الجلدية، وهناك جاءت فكرة الرواية حيت رأيت شابات وشباباً يجرون جراحات أو حقناً تجميلية ومنها حقن البوتكس والفيلر.
دار بيني وبين الطبيب حديث طويل حول هذه الظاهرة التي انتشرت انتشاراً كبيراً جداً بين الجميع، وصار كل طبيب جلدي هو طبيب تجميل أيضاً.
هنا تفجر في ذهني سؤال: ماذا لو جاء طبيب يحمل اختراعاً لحقنة تمنح الشباب الدائم لمدينة كاملة؟ هل سيمنح الشباب الدائم السعادة لسكان هذه المدينة؟
* "عملية تجميل" تبدو رواية بسيطة وسلسلة ومحكمة البناء، لكنها تتعمق في الوقت نفسه في مشكلات طرأت على المجتمع المصري خلال العقود الأخيرة. فكيف تطورت تلك التأويلات عن الشباب الدائم إلى حكايا المجتمع وخفاياه؟
- حين بدأت في كتابة الرواية كانت الفكرة الملحة هي الشباب الدائم وكيف يمكن أن يعيد لنا أحلامنا المسروقة في الحب والعمل والزواج وكل العلاقات الفاشلة ومواقف الخيبات والخذلان. كل شخص من سكان هذه المدينة فاته حلم ما يريد استعادته، لكنّ عودته إلى الشباب يمكن أن تساعده في تعويض ما فاته أو إصلاح خطأ ما على أساس أنه يمتلك قوة جبارة هي قوة الشباب بكل طموحه وعنفوانه وأفكاره الجريئة في تغيير الواقع.
ولكن في الرواية لم تتحقق كل هذه الأمنيات، بل إنها أوجدت أزمات أصعب من حلم العودة للشباب الدائم.
الرواية هي بالفعل حمّالة أوجه، فهي تستخدم الفانتازيا كتقنية للسخرية من الواقع المعيش، ومثل كل الروايات هي تحتوي على دلالات وتأويلات قد لا يقصدها المؤلف ولكنها تأتي بصورة تلقائية مع السرد.
* كيف عمدت إلى التعبير عن الواقع بأسلوب فانتازي؟ وهل وجدت صعوبة في ذلك؟
- اخترت وظائف وأحلاماً تناسب الحدث الفانتازي، طبيب يحلم بسبق عالمي يُكسبه الشهرة والمال، ومذيعة تلفزيون يمثل الجمال رأس مالها من أجل الاستمرار في العمل، وابن الأخت الشاب الذي نسيت البطلة معه شبابها أثناء تربيتها له، فلم تلتفت لجمالها أو شبابها ثم قرر لاحقاً أن يختار امرأة جميلة للزواج منها بمعزل عن عمرها الحقيقي المخبأ خلف وجه شابة، بعد ما أصيبت المدينة بلوثة الجمال المزيف.
* في روايتك، تجتمع كل التناقضات وتنصهر معاً وكأنّ الحدود الفاصلة قد اختفت أو أُزيلت. فهل في ذلك نقد لمبدأ تعميم الأفكار وغياب الفردية تحت مسميات الموضة و"السائد"؟
- نحن نعيش في عالم التناقضات وهذا موجود منذ الأزل: الخير/ الشر، الليل/ النهار... ولكن لا شكّ بأننا نعيش اليوم تشظياً للذات في عالم تتداخل فيه الثنائيات، ومنها مفهوما الجمال والقبح.
بطلة الرواية شريهان رفضت فكرة الثبات على شيء واحد أي الشباب الدائم، وهي فكرة الرواية، فقررت أن تعيش الحياة الطبيعية بتسلسلها وبكل مراحلها الزمنية من الميلاد حتى الممات، ولكن للأسف لم يتركها العالم المزيف أن تعيش بسلام مع طبيعتها.
ظلت تقاوم هذا الهراء والهوس، ما جعلها تفقد الحب وتكوين أسرة وحتى ابن أختها - وهي عاشت لتربيته طوال حياتها بعد رحيل شقيقتها في عز شبابها - لم يصمد معها وهاجر بعدما لم يعد فيها سن للتقاعد ولا عمر في الزواج وانعدمت فيها فرص الشباب الحقيقية في تلك المدينة المتصابية.
* "عملية تجميل" في مجملها أقرب إلى أنشودة للبساطة والتصالح مع الوقت والزمن. هل توافقين؟
- فكرة الرواية مبنية أساساً على الخيال الفانتازي الذي يحارب الزيف والأقنعة المزيفة، حتى وإن كانت أقنعة جميلة تتمثل في وجوه وأبنية تفتقر إلى جمال الروح. فكرة الثبات والتجمد قد تصيب أي إنسان بالقتل البطيء، مهما كان جميلاً. الفكر والفن والأدب كلها أمور ترتبط بالتطور والزمن، وكلما امتلكنا المعرفة كلما استطعنا أن نكتشف عوالم جديدة من حولنا، وتسهيل ثقل الحياة، والقدرة على حل مشكلاتنا، فأنا مؤمنة بأن الفن بكل أشكاله هو حياة، ولست مع فلسفة الفن للفن. ولعلّ رسالة هذه الرواية كما قلت تكمن في تقبّل الحياة في بساطتها وفي سياقاتها الزمنية الطبيعية.
* هناك الكثير من رؤى التمازج والتشابه، ما بين بطلة الرواية شيريهان وكاتبتها زينب عفيفي. فهل هناك فعلاً ظلال من التشابه بين حياتك وحياة بطلتك؟
ليست هذه البطلة أو هذه الرواية وحدها التي لها ظلال بداخلي، كل عمل قدمته له أصل في عالمي الخاص، يظل يلح في داخلي إلى أن يخرج، سواء في عمل أدبي أو مقالة صحافية، أنا لست بعيدة عن نفسي، ولست متجاهلة للعالم من حولي، قد يدهشك أن أحلام المنام متواصلة مع عالمي الواقعي وفي كثير من الأحيان يختلط الواقع بالخيال، ولا أعرف هل أنا في حلم منام أم في واقع معيش!...