النهار

حسن سامي يوسف... الكاتب الذي منح الدراما بُعداً إنسانياً ونسوياً
المصدر: بيروت- نبيل المملوك
ليس تفصيلاً أن يرحل الروائي والسيناريست الفلسطيني- السوري حسن سامي يوسف في زمن لم تشبع الحروب فيه من حصد الأرواح وتوقيع الخراب على جبهات البلاد، لا سيما سوريا وفلسطين.
حسن سامي يوسف... الكاتب الذي منح الدراما بُعداً إنسانياً ونسوياً
الكاتب حسن سامي يوسف
A+   A-
ليس تفصيلاً أن يرحل الروائي والسيناريست الفلسطيني- السوري حسن سامي يوسف في زمن لم تشبع الحروب فيه من حصد الأرواح وتوقيع الخراب على جبهات البلاد، لا سيما سوريا وفلسطين. 
والحقّ أنّ تناول تجربة يوسف مع هذين البلدين والتبحّر في رؤيته إلى الأوطان والظواهر الاجتماعية، يحتاج إلى أكثر من مدوّنة كنماذج تُدرس وإلى شكل بحثي يتجاوز فعل كتابة المقالة.
 
رحل حسن سامي يوسف وما زالت شريحة كبيرة من المشاهدين العرب يبحثون عن أنفسهم وأزمنتهم وذكرياتهم في مسلسلاته مثل "الندم"، "زمن العار"، و"الغفران"... لماذا هذه الأعمال تحديداً تسكن وجدان المشاهد العربي؟
 
مسلسل "الندم" كُتب على أنه سيرة ذاتية روائية عنوانها "عتبة الألم" كان بمثابة سلة تحمل الكثير من الشجون والظواهر الاجتماعية الطارئة خلال الحرب، ونقد للمجتمعات المتموضعة -لا سيما المجتمع السوري- تحت السلطة البوليسية المستبدة. 
يُضاف إليه "زمن العار"، العمل الذي كان بمثابة ثورة على الذكورية تجاه المرأة وتقزيم دورها الاجتماعي.
 
وهنا يأتي السؤال التالي: كيف أنقذ السيناريو حسن سامي يوسف من فخ الرواية؟ وكيف نجح يوسف في ترسيخ صورة المرأة العربية في أذهان المشاهدين؟
 
 
 
 
السيناريو ودوره
أتت رواية "عتبة الألم" سيرة ذاتية جامدة توثق مراحل حسن سامي يوسف الحياتية والعاطفية والثقافية والسياسية. ورغم التغاضي شكلًا عن تصنيف العمل على أنه سيرة ذاتية والاكتفاء بالقول إنها "رواية في خمسة مشاهد والعديد من المشاهدات"، وضع كاتبها من أناه وتجاربه واحتكاكه بالمجتمع، وسرد يومياته بطريقة أخرجته من دور الشخصية الأساس إلى الشخصية المفردة الشبيهة بممثل "مسرح إنفرادي" يرسم الشخصيات والأمكنة والأزمنة، ويعالج أزمة الشتات الفلسطيني ويدمجها بالحب "السرطاني"، ليصل إلى هوامش الحرب السورية وما بعدها من أفق مفتوح. 
 
هذا التشكيل السردي لم يمنح نص يوسف "الروائي" حيوية بل أغرقه في بقعة التدوين والتوثيق، لتأتي فكرة السيناريو وتنتشل النص وكاتبه من عتبة الألم و"الندم" إلى فضاء يتسع للجميع. 
 
وظّف حسن سامي يوسف شخصية عروة بهدف كتابة الشخصيات الأخرى وتحوّلاتها، لكنه لم يستطع في مسلسل "الندم" أن يحرم الشخصيات الثانوية والأساسية من حق التعبير عن صوتها وانتقاداتها ومحاولات تمرّدها المستمرة. 
فظهرت على الصعيد الموضوعاتي موضوعات فرعية قديمة جديدة، كالنظام الأبوي المستبد، تمرّد الأبناء، الطمع، الاستبداد المخابراتي وصولاً إلى الفقر والحرب والقتل الرحيم...
 
منح حسن سامي يوسف في هذا العمل، الذي تعكّز بواقعيته وجماليته النصيتين على المنحى الإخراجي القائم على سيميائيّة الألوان والملامح ودلالتهما، سقفًا موحّدًا يُبقيه متماسكًا ويُبقي تحرّك الشخصيّات متناسقًا، ألا وهو "الندم" المحرّض بدوره على سؤال يبدأه الكاتب نفسه على لسان شخصيته: "إلى أين وصلنا يا الله؟ وماذا زرعنا لنحصد هذا الخراب كلّه؟"... وكأنّ الشقّ الثاني من السؤال يفوق المناجاة ليجنح نحو محاسبة الذوات على خياراتها وسكوتها وخضوعها لشتّى الإملاءات الحياتية.
 
أخرج مسلسل "الندم" إذاً حسن سامي يوسف من بوتقة التدوين والتوثيق والسرد الذاتي إلى التكلم بلغة الجماعة وألمها، ليبقى هذا النص التلفزيوني قابلاً للحياة، سواء انتهت الحروب ام استمرت تعتاش من أرواحنا.
 
 
المرأة في "زمن العار"
نجحت شخصية بثينة في "زمن العار" في امتحان نقد الصورة النمطية البائسة للمرأة العربية المضطهدة والمحاطة بنفس ذكوري يبثه الأب والأخ والجيران وحتى "العاشق" الخائن لزوجته. 
يرسم المسلسل هذا المنحى الاجتماعي الشرقي عموماً والسوري خصوصاً، فاستطاع إعادة نقد الحياة الأنثوية في بيئة تتسلح بالدين والعرف لترسم يوميات المرأة المكبّلة بالواجبات. 
 
هكذا ظهرت "بثينة" في مجمل الحلقات كشخصية مقهورة مضطهدة تبحث عن متنفس خلسة، ليكون هذا المتنفس هو الحب المنسلخ من الأعراف واللصيق بالنزوات التي كادت بثينة أن تنساها بفعل خدمة أمها وتحمّل عنجهية أخيها وتسلّط أبيها. 
 
 
 
هذا إضافة إلى الوجه الثابت والحالة القائمة للمرأة المقهورة والشخصية الأساس في هذا العمل، أظهر الجانب الإنساني المثالي التي تحاول الشخصية اللحاق به للتحرّر من واقعها القاتم من خلال خلق شخصية رجولية عيبها الفقر والتعثر بعقبات الطلاق والأبوّة الهشّة.
 
لم يقع حسن سامي يوسف في هذا العمل في شرك النهايات الكلاسيكية الرومنطيقية أو "المفرحة"، بل أبقى الطابع الدرامي محاطًا ببثينة التي عادت للقهر والخدمة والعمل بالسخرة، متناسية حقوقها وحياتها، لتكون بذلك النهاية نقطة تفصل العمل عن منحاه الحكائي وتلصقه بمحاولة جديّة لإنقاذ المرأة الشرقية من "زمن العار"، عبر محاولة نقد صورتها النمطية وربما الرغبة بنقضها.
 
لا يمكن اختصار حسن سامي يوسف بهذين العملين، لكن الإضاءة السريعة على عملين شكّلا هيكليّة مكانته الكتابية والتعبيرية، قد تكفي لمنح الرجل بعضًا مما حاول الحصول عليه من المشاهد الايجابي، الذي يحاول في زمن الحروب الجامحة أن يتلقّى النصوص والأعمال على أنّها مرايا لذاته ولواقعه في آن.
 

اقرأ في النهار Premium