لم يتوقع أحد أن يخرج فيلم "سطّار" بالنجاح الضخم الذي حققه الفيلم الكوميدي من إخراج عبد الله العراك.
بميزانية بسيطة حقق الفيلم أرباحاً مهولة في السوق الخليجية، بحيث دخل شباك التذاكر بميزانية 9 ملايين ريال وخرج منها بأرباح بلغت 39 مليون ريال!
يقوم الفيلم على قصة بطل بسيط وشاب سمين بطموح رياضي "سطار" (إبراهيم حجاج). شخصيته رسمت بلا مبالغة وبخفة في وسم بيئته وخوفه ومغامرته، تحتفظ تلفاز 11 بحصة الأسد من إنتاج الفيلم الذي شكّل فاتح شهية للسينما السعودية حتى كرت سبحة الأفلام في صناعة الترفيه وتوالت، بعضها حجز مكانه في الجوائز العالمية، بخاصة الدرامي الواقعي الذي يلعب على ثنائيات متناقضة في الموت والحياة الفرح والقصاص.
هنا يبرز "حدّ الطار" من إخراج عبد العزيز الشلاحي ويتناول حب السياف "بثقله الديني" لابنة "الطقاقة" ببعدها الاجتماعي الأوسع، ما يجعل الشد الدرامي محبوكاً بتوظيف بصري أخاذ يتلاعب بالكاميرا وزواياها بخفة من أول لقطة ليد مطوقة بالقيود تتأرجح أعلى العدسة، وبما أنّ البيئة هي ركن رئيس في الحدوتة.
ظهرت أفلام تبنى على المكان سنوغرافياً، مثل فيلم "نوره" الذي تم تصويره في العلا من إخراج توفيق الزايدي، "نوره" الذي نافس في مهرجان كان أخيراً يقدم مفردتي الحلم والقمع عبر شخصية المعلم نادر الذي يغير عالم قرية منسية، حصد الفيلم ثناءً على سنوغرافيته العالية التي نسجت من العزلة بعداً مترامياً في سراب الصحارى.
مفارقة الحب
ثمة تيمة لافتة في هذه الأفلام التي يضاف لها فيلم "وجدة" من إخراج هيفاء المنصور - والأخير يتناول حكاية حلم طفلة بشراء دراجة محاطاً بتحديات اجتماعية وجندرية - هي أنها تنطلق من حدوتة إنسانية بسيطة بدون أي ميزانيات عالية أو الانزياح نحو أفلام الأكشن والإثارة وتنجح بتحقيق جوائز، وحتى الأفلام الكوميدية تنطلق من عمق مفارقات القيود المجتمعية؛ ففيلم "بركة يقابل بركة" للمخرج محمود الصباغ قوام حبكته: مفارقة الحب في زمن المطاوعة التي تسللت وعششت في الروح، ووظف لذلك ثيمات بصرية اعتمدت الليل والعتمة، وتكتسب أهميتها من كونها وثيقة بصرية للمجتمع السعودي بطريقة إبداعية ساحرة، ومنها فيلم "هجان" من إخراج أبو بكر شوقي، ويقول المخرج السوري شادي أبو العيون السود مخرج مسلسل "سرايا عابدين" لـ"النهار العربي" الذي شارك في الفيلم: "نال فيلم هجان استحساناً بسبب تصويره الجميل للصحراء السعودية والسرد المثير، وامتلاكه عناصر واقعية واستقبل استقبالاً جيداً في المهرجانات دولياً في تورنتو وبالم سبرينغر حيث تم الإشادة به كفيلم مفضل لدى الجمهور"، يضيف: "هناك أعمال سعودية بارزة منها ناقة ونورا، وسبب تألق الأعمال السعودية وجود بنية تحتية كبيرة من دعم حكومي للأفلام".
المهمة المستحيلة!
من على برج خليفة الشاهق ظهر الممثل الأميركي توم كروز، في فيلمه "Ghost protocol" من السلسلة الشهيرة Mission Impossible وهو يتأرجح على النوافذ الخارجية، بعدما اضطر كادر التصوير لكسر 35 نافذة من أجل تنفيذ مشهد التسلق والسقوط الذي يخطف الأنفاس.
وبما أن أبو ظبي تجذب رأس المال الغربي واستثماراته السينمائية، تم لاحقاً تصوير فيلم fast and furious بين طرق رالي صحراوية وناطحات سحاب تنزلق بينها سيارات رياضية عجيبة بسرعات خطرة، ويمكن ملاحظة أن تلك الشهية نحو العالمية تحولت إلى عدوى أمام توجه المخرجين الإماراتيين نحو الأسواق الصينية، فكان هناك فيلم "ثلاثة" لنايلة الخاجة المفعم بالرعب النفسي مستعيداً تيمة السحر. هذا إضافة إلى ترشح فيلم "حجاب" إلى الأوسكار، وهو فيلم وثائقي للمخرجة الإمارتية نهلة الفهد.
أبو ظبي تضع عينها على جذب رؤوس أموال صناعة الترفيه، يبرز هنا تمويل العاصمة لنسبة 30 بالمئة من أي مشروع درامي يصور فيها، ما جعل أمازون تنطلق منها في أعمال درامية عدة تبث على منصتها العربية أخيراً، وتقول المخرجة نهلة الفهد لـ"النهار العربي": "السينما الإماراتية أثبتت وجودها عربياً وعالمياً بجهود صناع الأفلام السينمائية والداعمين لها، سواء كانت سابقاً المهرجانات السابقة ونحن متأكدون من أن هذه المهرجانات ستعود، وبفضل هذا الدعم أثبت السينمائيون الإماراتيون وجودهم بصنع سينما إماراتية متفردة مميزة، ومن هذه الأفلام ما عرض في الافتتاحيات red carpet في مهرجانات عالمية، فيلم "الحجاب" فاز بأربع جوائز عالمية منها جائزة مهرجان جاكارتا أنترنشيونال للأفلام ومهرجان سيلك رود في دبلن - ايرلندا – وجائزتين في كالفورنيا وكان ضمن 120 فيلماً تأهلت للقائمة النصف نهائية من جوائز الأوسكار في دورة 88 لعام 2016، هذا يخبرنا أننا كسينمائيين استطعنا أن نصل وأن نفتح الأبواب بقصصنا وحكاياتنا بإتقان في التقنية والصورة والسرد، وهذا بفضل الدعم وجهود الجميع وجهودنا، إن إيماننا كبير بأهمية السينما في دفع العجلة الثقافية والتنمية ونقل صورة لدولة الإمارات بعاداتها وتقاليدها وقصصها"، تضيف: "وأركز على الصورة لأن السينما اليوم عنصر فعال من عناصر القوة الناعمة، لذلك يجب أن نستغل هذه الأدوات بطريقة صحيحة حتى نقدم صورة رائعة وجميلة لبلدنا، وهو أمر ليس سهلاً ويحتاج صبراً ودعماً وإلماماً بأدوات صناعة السينما ويحتاج الشغف قبل كل شيء".
أما المخرجة ميثة العوضي فانطلق فيلمها الروائي الطويل "العيد عيدين" في الصالات السينمائية، سبق لها تقديم فيلمها البريطاني تشارلي، تعدد أسماء المخرجين الإماراتيين الشباب وتقول "لدينا الكثير من المبدعين، كل له صوته وبصمته الإخراجية المميزة: لدينا نايلة الخاجة وعلي مصطفى ونواف الجناحي ومحمد سعيد حارب وماجد الأنصاري، وهناك مخرجون جدد قادمون، وكل منا يبحث عن تميزه الخاص".