النهار

الأحلام العربيّة في أولمبياد باريس... تحقّقت أم أُجهضت؟
يسري عبدالله
المصدر: النهار العربي
لم تزل أولمبياد باريس تلقي بظلالها ( ٢٦/ تموز يوليو - ١١ آب/ أغسطس ٢٠٢٤) على العالم، تصاحبها آلة إعلامية جبارة، وصفحات هائلة من السوشيل ميديا تتلقف الشاردة والواردة. تأتي هذه الاخبار وسط أجواء عاصفة يعيشها الكوكب المغدور، وبالأخص هذه البقعة سيئة الحظ من العالم، وسط الحروب والغارات الليلية، والاقتحامات، والاغتيالات السياسية.
الأحلام العربيّة في أولمبياد باريس... تحقّقت أم أُجهضت؟
البطل التونسي فراس القطوسي
A+   A-
لم تزل أولمبياد باريس تلقي بظلالها ( 26/ تموز يوليو - 11 آب/ أغسطس 2024) على العالم، تصاحبها آلة إعلامية جبارة، وصفحات هائلة من السوشيل ميديا تتلقف الشاردة والواردة. تأتي هذه الأخبار وسط أجواء عاصفة يعيشها الكوكب المغدور، وبخاصة هذه البقعة السيئة الحظ من العالم، وسط الحروب والغارات الليلية، والاقتحامات، والاغتيالات السياسية.
كنا قد درجنا على مساحة تقريبية تعاين الرياضة بوصفها تحمل إمكانية مذهلة للتلاقي بين الشعوب، مهما اختلفت الأنظمة السياسية والحكومات. ولكن يبدو أن تلك كانت مجرد أفكار يوتوبية لم تصمد أمام حركة الحياة وظلالها القاسية.
كانت الرياضة "رامزة" أكثر منها "فاعلة"، لكنها برمزيتها كانت تحمل مدلولات ثقافية وإنسانية هائلة؛ اختار المنظمون في بلد الحريات (فرنسا)، مدينة النور الذي لا يعقبه ظلام، ومعمل أفكار الحضارة الغربية كما درجت أدبيات المعرفة على تسميتها، أن تكون الحرية معنية بقضايا الجندر، والنوع، والهويات الجنسانية، فأظلم العالم حين شعر بالخديعة، فليس هؤلاء هم الرامزين للتلاميذ والحواريين، وليست هذه هي اللوحة المغوية.
اختار المنظمون الابتعاد كلياً عما هو سياسي، في الحقيقة لم يعد ما يحدث في العالم سياسياً، لكنها صارت بحيرة من الدماء، وكان يمكن من قبيل الترميز الثقافي، والمدلول غير المباشر الذي يباعد ما بين السياسي والرياضي حتى لا يقع المنظمون في شرك معد خصوصاً لكل من يدلي برأيه تصريحاً أو تلميحاً بشأن حرب الإبادة الشاملة والمستمرة كأنها قدر مقدور، أن نرى ظلاً بعيداً يصلح لأن يمثل موقفاً احتجاجياً من هذا العالم الغاصب.
تتداخل دوائر السياسي والثقافي باستمرار، تحمل داخلها كرات من الاجتماع؛ والرياضة، والاقتصاد، وتؤشر جميعها إلى أننا لم نزل بحاجة حقيقية إلى استعادة إنسانية الإنسان.
 
 
ورغم كل شيء، لم تزل الرياضة قادرة على منحنا المتعة، وقليلاً من الإثارة التي لا تنقص العالم، لكنها تدفع به صوب استعادة فكرة اللعب، التي كانت محط أنظار الفلاسفة، وكم من المدونات التي عاينها العقل النقدي عن سردية اللعب، ترى تجليها الأبرز لدى نيتشه حين دعا إلى استعادة فكرة اللعب الطفولي، باعتبارها تعبيراً عن أعلى درجات الإنسانية الكامنة فينا.
فكان اللعب لدى نيتشه في كتابه الملهم "هكذا تكلم زرادشت" أسمى أشكال النشاط الإنساني. عندما عاين المفكر والفيلسوف الألماني الشهير تطوراً من ثلاث مراحل للنفس البشرية، حيث تتخذ في مبتدئها شكل الجمل؛ لأنها تتحمل عنت الواجبات الثقافية، من قبيل الالتزامات الأخلاقية والرتبة الاجتماعية، ووطأة التقاليد، ثم  يتحول الجمل إلى أسد، الرامز هنا إلى تمرد النفس – “اللا المقدسة”، والتي تحرر الشخص المحكوم بالقوانين من الطاعة الخاضعة للسلطة. وصولاً في النهاية إلى أن تتطور مرحلة التمرد السلبية هذه إلى أعلى تجليات الإنسانية، ويرمز إليها باسم الطفل الذي يلعب، حيث مزاوجة البراءة والإبداع، حيث الطفل البريء والمبدع، “النَعم المقدسة”، في إشارة إلى موسيقى ريتشارد شتراوس، الذي صنع موسيقى موازية تعاين التحولات في كتاب "هكذا تكلم زرادشت".

ومن المفارفات اللافتة استعادة المتلقين براءتهم الكاملة، وهم يشاهدون ألعابهم المفضلة في الأولمبياد، أو حتى وهم يتابعون بشغف ألعاباً لم تكن من تفضيلاتهم، وكأنهم اكتشفوها فجأة، أنا مثلاً لاحظت أنني وقعت في فخ الدهشة النادرة وأنا أتابع سباقات التتابع المختلط؛ واللاعبون يتبارون في مسابقات الجري والسباحة والدراجات الهوائية في السباق الواحد ذاته.

في الأوليمبياد الفائتة (طوكيو 2020) حازَ العرب عشرين ميدالية، من بينها خمس ذهبيات، بينما حصيلتنا  في باريس سبع ميداليات ذهبية، اثنتان جزائريتان، في الجمباز لكيليا نمور، وفي الملاكمة لإيمان خليف، واثنتان بحرينيتان: للعداءة وينفرد يافي، وللمصارع أحمد تاج الدين، وخامسة مغربية للعداء سفيان البقالي. وسادسة مصرية في الخماسي الحديث لبطل العالم أحمد الجندي، وسابعة تونسية في التايكوندو لفراس القطوسي. فضلاً عن أربع فضيات لكل من: مصر، والأردن، وتونس، والبحرين.
إضافة إلى ست ميداليات برونزية لكل من مصر، والمغرب، وقطر، وتونس، والجزائر، والبحرين.
اختطفت الولايات المتحدة صدارة الترتيب في اليوم الأخير من منافستها الصين بالرصيد ذاته (40) ميداليه ذهبية، غير أنها تفوقت في الفضة والبرونز. تنظر أميركا إلى الرياضة بوصفها سلاحاً مركزياً في تعضيد نفوذها السياسي والثقافي، وفي غيبة من الدب الروسي الواقع تحت مقصلة العقوبات الرياضية.
وفي مباريات نصف النهائي في كرة القدم، فقد تمنى كل مشجع مصري أو مغربي أن يحرز هدفاً في مرمى الفرنسيين أو الإسبان، لكنها لعبة من الشغف المستمر، والأماني الممكنة، والمجهضة أيضاً، والمحاولات التي لا تنتهي حتى أولمبياد أخرى جديدة.
 

اقرأ في النهار Premium