شهدت السعودية خطوة متقدّمة لحماية المباني التراثية والأعمال الفنية من الأضرار المادية، إذ أطلقت وزارة الثقافة بالتعاون مع هيئة التأمين منتجاً جديداً هو "التأمين الثقافي"، يُقدّم للمرّة الأولى في المملكة، ويضمن إصلاح أي عمل فني أو التعويض عن القيمة العادلة للأصل.
جاء ذلك في مؤتمر التأمين الثقافي الذي أقيم في قصر الثقافة بحي السفارات في الرياض، لمساعدة ملاّك الأعمال الفنية والأصول الثقافية في المملكة على تأمين أصولهم ومقتنياتهم وحمايتها، وضمان استدامتها.
ينقسم المنتج الجديد إلى قسمين رئيسيين: الأول مخصص للمباني التراثية، يخدم المباني المصنّفة أثرية أو تراثية أو تاريخية، ويوفّر تغطية تأمينية تتناسب مع الاعتبارات الخاصة لهذه المباني من حيث التقييم، والترميم، ونطاق الأخطار المشمولة في هذا النوع من الأصول؛ والثاني يغطي الأعمال الفنية، أي مختلف أنواع الأصول والأنشطة الثقافية من أعمالٍ فنية ومعارض وتحف ومقتنيات ثمينة وخلافها، موفراً تغطية تأمينية تتناسب مع القيمة العالية لهذه الأصول، ومع متطلبات التعامل معها من تخزين وعرض وشحن.
إصلاح أو تعويض
جاء "التأمين الثقافي" بتوجيه ومتابعة من الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة في السعودية، وفقاً لما قاله المهندس مصطفى ينبعاوي، المدير العام للمخاطر والالتزام في وزارة الثقافة، الذي أكّد أن تأمين المباني التراثية يوفّر الحماية من نتيجة الأضرار المادية للأصول عقب الحوادث، بتغطية الأخطار التشغيلية والإنشائية والكوارث الطبيعية، مع التزام اشتراطات الترميم التي تضمن الحفاظ على الأصالة والهوية.
أضاف ينبعاوي في المؤتمر: "يقدّم هذا التأمين حدوداً للتغطية تضمن الترميم الكامل للأصل، بينما يوفر تأمين القطع والأعمال الفنية الإصلاح أو التعويض نتيجةَ الأضرار المادية عقب الحوادث، بتغطية السرقة والتلف والتخريب والفقد وغيرها، ويقدّم حدوداً للتغطية تضمن التعويض عن القيمة العادلة للأصل"، لافتاً إلى أن سوق التأمين السعودي يوفّر منتجات تأمينية تخدم القطاع الثقافي بشكلٍ مباشر، "وتتطلع الوزارة إلى العمل مع قطاع التأمين، برعاية هيئة التأمين، لتطوير هذه المنتجات بشكلٍ مستمر، بما يخدم الأصول والأنشطة الثقافية كلها".
وأشار ينبعاوي إلى أن التأمين الثقافي هو أحد الحلول المهمّة التي يجب التركيز عليها ورفع جاهزيتها لدعم القطاع الثقافي وفوائده متعددة، "ومنها المعرفة التي تساعد في فهم الفرص والمخاطر وكيفية ارتباطها بعضها ببعض، وكيفية التعامل معها، وتأمين الحماية من خلال توفير الأدوات لحماية الموارد والأصول من الأخطار غير المتوقعة (مثل الانهيارات وغيرها) من خلال إصلاح الأضرار الناجمة عنها أو التعويض عنها، والاستدامة التي تساهم في تحقيق أكبر استفادة من الموارد والأصول واستمرارية بقائها في الخدمة، وأخيراً فائدة التمكين من طريق تقديم الدعم لإنجاح الأنشطة والفعاليات، وتوفير الضمانات لأصحاب العلاقة ومالكي الأصول".
حماية التراث
من جانبه، أكّد المهندس أحمد القصيّر، مدير عام الإشراف بهيئة التأمين، في مؤتمر التأمين الثقافي، أن "هيئة التأمين تُؤْمِن بأن الشراكة مع جميع القطاعات هي السبيل الأمثل للتطوّر والتقدّم، وتبادل الخبرات والآراء بين مختلف الجهات، ما يسهم في إيجاد حلول مبتكرة وفعّالة، لتعزيز النمو الاقتصادي في شتى المجالات.
وأضاف: "نحن على ثقة أن هذه المبادرات ستساهم في تعزيز مكانة المملكة بصفتها إحدى الأسواق الواعدة لقطاع التأمين حول العالم، وستُعزز مساهمة هذا القطاع في النمو الاقتصادي المستدام".
وأردف قائلاً، إن هيئة التأمين عملت مع وزارة الثقافة "في إطلاق ’التأمين الثقافي‘ الذي نهدف من خلاله إلى الحفاظ على التراث الثقافي السعودي، وإيماناً من الجميع بأهميته كوْنَه يشكّل هوية الشعوب الثقافية، ويُمثّل جذور حضارتها العريقة"، واصفاً إطلاق هذا المنتج التأميني الجديد في السعودية بالخطوة الرائدة في مجال حماية التراث الثقافي، "إذ يعمل على توفير الحماية الشاملة للأعمال والأصول الثقافية والتراثية، ويعزز استدامتها، ويحافظ على قيمتها التاريخية والفنية".
استقرار الاقتصاد الثقافي
ووفقاً لبيان صادر عن وزارة الثقافة في المملكة، فقد أطلقت بالتعاون مع هيئة التأمين منتج "التأمين الثقافي" ضمن جهود الوزارة في حماية الأصول الثقافية بجميع أشكالها، "ليضمن الاستقرار للاقتصاد الثقافي، ويخلق بيئة آمنة للاستثمار فيه، ويحميه من التبعات المالية للخسائر، ويدعم التزام الإجراءات والممارسات المُثلى، كما يشكّل خطوة من خطوات الهيئة في استحداث منتجات تأمينية تواكب النمو الاقتصادي في المملكة، تحت مظلة رؤية ’السعودية 2030‘".
وشهد المؤتمر جلستين حواريتين، حول تأمين المباني التراثية، وتأمين القطع والأعمال الفنية، حيث تناول الخبراء في الجلستين آفاق منتج "التأمين الثقافي" ودوره في النهضة الثقافية السعودية.
وكان المؤتمر قد شهد حضوراً من الرؤساء التنفيذيين المختصين والمهتمين في المجالين الثقافي والتأميني، كما شهد توقيع مجموعة من الاتفاقيات بين وزارة الثقافة وجهات عدة، بهدف تفعيل منتج التأمين الثقافي، حيث جاءت اتفاقية التأمين الأولى مع "التعاونية للتأمين"، واتفاقية ثانية مع "ولاء للتأمين التعاوني"، وتركّز على الطبيعة الخاصة بالمباني التراثية.