إِنه اللحن الإِسباني الذي شاع بالعربية في لبنان والعالم بصوت فيروز في أُغنية "لبيروت... من قلبي سلامٌ لبيروت". وكثيرون يعرفون نُسختَه الفرنسية Amour Mon ونُسَخه الأُخرى في عدد من اللغات العالمية، جميعُها مأْخوذةٌ من النسخة الإِسبانية الأَصلية وعنوانها "أَرانْخْوِيْثْ" (Aranjuez) للمؤَلف الإسباني خُوَاكِيْن روديغو.
ما قصة هذا اللحن؟ ما تاريخه؟ وما علاقته بمدينة أرانْخْوِيْثْ؟
منتجَع الملوك
أَرانْخْوِيْثْ مدينة إِسبانية هادئة هانئة تبعد 44 كلم جنوبي العاصمة مدريد. لها حضور ساطع في تاريخ إِسبانيا، إِذ كانت منتجعًا جميلًا لملوك البلاد. شكلها مربَّعٌ. أَنشَأَها الملك فيليب الثاني سنة 1561، طوَّرها الملك كارلوس الثالث (1716-1788)، وهو حكَم البلاد من 1759 حتى وفاته، ويُؤْثَر له بناؤُه الكنيسة الفرنسيسكانية فيها سنة 1767.
تاريخ القصر الشهير
أَرانْخْوِيْثْ مشهورة بالقصر الملكي فيها، وبالحدائق الجميلة حوله. لم يفرغ المهندسون والبنَّاؤُون من بنائه وتنفيذها حتى 1778. فعندما تولى الملك فيليب الثاني (1527-1598) حكْم إِسبانيا سنة 1556، وجد أَن والده الملك كارلوس الخامس (1683-1736) حاكم إِسبانيا منذ 1700 حتى وفاته، كان وضَعَ مخططًا لبناء قصر ملَكيّ جديد مكان "قصر أرانْخْوِيْثْ" القديم. وهكذا كان. وفي عهد ابنه فيليب الخامس (1683-1746) حاكم إِسبانيا منذ وفاة والده سنة 1700، طوَّر في القصر توسعةً وجنائن سنة 1715. وكان القصر، سنة 1660، تعرَّض لحادثة حريق شبه كامل فأَعاد ترميمه الملك فرناندو السادس (1713-1759) إِبان حكمه منذ 1746 حتى وفاته.
في 17 آذار/مارس 1808جرَت في الشوارع ثورة شعبية كبرى سُميَت "خطْف أرانْخْوِيْثْ"، لكن القصر لم يتضرر.
باحة قصر أَرانْخْوِيْثْ
على لائحة اليونسكو
كان هذا القصر الباهر منتجعَ استراحة سنوية لـملوك إِسبانيا وملكاتها إِبان الربيع الذي له في أَرانْخْوِيْثْ طبيعة سائغة لطيفة. وظلَّت له هذه الصفة، حتى أَنْ بفضله كأَثَر معماري فريد، قررَت منظمة اليونسكو (خلال دورتها العامة في كانون الأَول سنة 2011) أَن تجعل أَرانْخْوِيْثْ على "لائحة التراث العالمي"، ذلك أَن حيَّها القديم كان مُعلَنًا قبلذاك مَعْلَمًا عمرانيًّا تاريخيًّا، فريدًا من نوعه بهندسته الباروكية كما صمَّمها سنة 1747 المهندس الإِيطالي جياكومو بونافيا (1595-1759) بأُسلوب الروكوكو السائد فترتئذٍ، وانتشرت في تلك الناحية تباعًا فسحات خضراء وبيوت وأَديار وشرفات وساحات وشوارع متسعة.
الملك فيليب الثاني مؤسس "أَرانْخْوِيْثْ"
... وجاء رودريغو
هذه المدينةُ أَرانْخْوِيْثْ، الساحرةُ الجمال، كانت وَحيًا بليغًا للمؤَلف الموسيقي الإِسباني خُواكيْن رودريغو (1901-1999)، المشهور بمؤَلفاته للغيتار. وهو كان في الثالثة من طفولته حين فقد جُلَّ بصره إِذ أَصابت مدينته الأُم ساغونتا (مقاطعة فالنسيا) جائحة الديفتيريا. وحين كبرَ كان يقرأُ ويؤَلف موسيقاه على طريقة "براي" للمكفوفين.
سوى أَنَّ من أَشهر أَعماله انتشارًا عالَميًّا: "كونشرتو أَرانْخْوِيْثْ" (للغيتار والأُوكسترا)، وضعه سنة 1939 في السنة الأَخيرة من إِقامته في باريس، قبل عودته إِلى وطنه إِسبانيا إِثْر انتهاء الحرب الأَهلية فيها (1936-1939). وسيأْتي تفصيل ذلك في الحلقتَيْن التاليتَيْن.
الدعوة إلى أَحد عروض "أَرانْخْوِيْثْ"
الكونشرتو
وضع رودريغو هذا الكونشرتو بتكليفٍ من ماركيز مقاطعة بولارك الإِسبانية سنة 1938. وكان في وضْعه إِيَّاه متأَثرًا بمؤَلفين سابقين لآلة الغيتار، أَبرزهم الإِيطالي الباروكي دومينيكو سْكارلاتي (1685-1757) والإِسباني الكاهن أَنطونيو سولير (1729-1783).
الكونشرتو يستمد جوَّهُ من حدائق قصر أَرانْخْوِيْثْ الملكي، الـمَدينة بجمالها لفيليب الثاني ملك إِسبانيا، خصوصًا بعدما أَعاد ترميمَها وتجميلَها الملك الإِسباني فردينان السادس (1713-1759) حاكم إِسبانيا من 1746 حتى وفاته.
من هو خُواكين رودريغو؟
ما كانت القصة وراء تأْليفه الكونشرتو؟
هذا ما أُورده في الحلقة الثانية من هذه الثلاثية.