إِنه اللحن الإِسباني الذي شاع بالعربية في لبنان والعالم بصوت فيروز في أُغنية "لبيروت... من قلبي سلامٌ لبيروت".
كثيرون يعرفون نُسختَه الفرنسية Amour Mon ونُسَخه الأُخرى في عدد من اللغات العالمية، وجميعُها مأْخوذةٌ من النسخة الإِسبانية الأَصلية وعنوانها "أرانْخْوِيْثْ" (Aranjuez) للمؤَلف الإسباني خُوَاكِيْن روديغو.
في الحلقتَين الماضيَتين سردتُ ملامحَ من تاريخ مدينة أَرانْخْوِيْثْ، وملامحَ من سيرة رودريغو وقصة وضْعه "كونشرتو أَرانْخْوِيْثْ" واندلاع شهرته بعده، وتَواصُل عزْفه مع كبار عازفي الغيتار، وغنائه مع أَعلام الغناء العالميين.
في هذه الحلقة أَختم هذه الثلاثية بتسمية بعضِ من غنّاه في العالَم.
كونشرتو في 3 حركات
شكَّل رودريغو هذا الكونشرتو من ثلاث حركات في نحو 20 دقيقة، على الشكل التالي:
الحركة الأُولى "أَلّيغرو": مرحة فرحة سعيدة ترسم أَجواء الهناءَة والسعادة التي عاشها رودريغو مع زوجته فيكتوريا خلال شهر العسل في قصر أَرانْخْوِيْثْ الملكي.
الحركة الثانية (وهي الأَشهر التي انتشرَت في العالم) هي "الأَداجيو" (إِيقاع بطيْء في حوار بين الغيتار وسائر الآلات حوله)، فيها تضرُّع إِلى الله أَلَّا تموت زوجتُه لدى وضْع جنينها ابنةً ميتةً في شهرها السابع.
الحركة الثالثة "أَلّيغرو": تستعيد رقصات البلاط خلال احتفالات الملوك، في إٍيقاع تصاعديّ حتى نهاية الحركة.
ريجينو: لأَجله كتب رودريغو الكونشرتو وأَهداه إِليه
... وتتالى النجاح
هذه المقطوعة الشهيرة، سجَّلَت حتى اليوم نحو 70 نسخة متنوعة الأَداء والعزْف، مع عازفي غيتار اشتهروا عبر العالم. العرض الأَول كان في برشلونة مساء 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1940 مع عازف الغيتار ريجينو دو لا مازَّا (1896-1981) وأُوركسترا برشلونة الفيلهارمونية بقيادة سيزار لاسال (1910-1999). تلاه العرض الثاني في مدريد مساء 11 كانون الأَول/ديسمبر 1940 في المسرح الإِسباني مع عازف الغيتار ذاته (ريجينو دو لا مازَّا).
داليدا غنَّتْها بعنوان "صوتُكِ يا أَرانْخْوِيْث"
انتشار الأَداء عالَميًّا
بعد نجاح الكونشرتو في إِسبانيا، أَخذَت تتوالى النُسخ عزفًا منوَّعًا، وغناءً في لغات عالَمية، وخصوصًا الحركة الثانية منه وهي الأَشهر (4 دقائق و50 ثانية).
أَشهر العازفين كان الأَميركي عازف الجاز مايلز ديفيس (1926-1991)، وعازفة الكمان اليابانية إِيكوكو كاوايـي (م. 1968)، وعازف الكلارينيت الفرنسي جان كريستيان ميشال (م. 1938)، والأَميركي عازف الغيتار براين باتريك كارول (م. 1969)، والأَميركي عازف غيتار الجاز باستر وليامز (م. 1942)، والإِسباني عازف غيتار الفلامنكو باتشو دو لوسيَّا (1947-2014)، وهذا الأَخير عندما سمعه رودريغو سنة 1991 قال إِنه عزَفَ "كونشرتو أَرانْخْوِيْثْ" كما لم يعزفْه أَحد. وعزفه أَيضًا الأَميركي عازف بيانو الجاز تشيك كوريا (1941-2021).
غناءً، أَدّى الحركةَ الثانية سنة 1967 المغني الفرنسي ريشار أَنطوني (1938-2015) كلماتٍ فرنسيةً بعنوان "أَرانْخْوِيْثْ حُبي" (Aranjuez mon amour)، وأّدَّتْها المغنية اليونانية نانا موسكوري (م. 1934)، والمغنية البرتغالية أَماليا روديغيز (1920-1999)، وسنة 1967 أَدَّتْها المغنية الفرنسية داليدا (1933-1987)، وغناها سنة 1976 الفرنسي ميشال ساردو (م. 1947)، وقدَّمها مغني الأُوبرا اليوناني ديميس روسوس (1946-2015) بأُغنية بعنوان "إِتبعيني". وسنة 2011 غنَّاها التينور الإِيطالي أَندريا بوتشيلي (م. 1958) في السنترال بارك (نيويورك 2011).
النسخة العربية
جمهور لبنان والعالم العربي عرف الأَداجيو بنسخته العربية على مرحلتَيْن:
1. النسخة الأُولى سنة 1976 في إِذاعة لبنان بكلمات الشاعر جوزف حرب، أَدَّاها أُسامة حلَّاق ورافقه على البيانو المفرد زياد الرحباني، وهنا الصيغة الأُولى للنص كما نشرَها الباحثُ/الثقة الزميل محمود زيباوي:
لبيروتْ
منديلُ العيونِ لبيروتْ
وقمرٌ من قلبِ مَن يموتْ
معانقًا مدينةً من شموعٍ في الضبابِ
هي من أَحزان الحمامِ
هي من شجَرةٍ مهجورةِ الغُصونْ
عاشت على بحيرةٍ
ثم ضاعت في الرياحِ
***
لبيروتْ
مجدٌ من رمادٍ لبيروتْ
من دمٍ لقمرٍ لقمرٍ لقمرٍ
طالعٍ ممزَّقًا من جُرحها
يا ترى، هل تعودُ شمسُها حرةً
بعدها لن يكون ليلُ
أَنتِ لي... آهِ عانقيني أَنتِ لي
رايتي وحجرُ الغدِ وموجُ سفَري
أَزهرَت جراحُ شعبي
أَزهرَت دمعةُ الأُمهات
أَنتِ بيروتُ لي
أَنتِ لي... آه عانقيني
2. النسخة الأُخرى سنة 1983، وهي التي عدَّل في كلماتها الشاعر جوزف حرب، وأَعاد توزيعها زياد الرحباني وأَدَّتْها فيروز سنة 1983، وصدرت مطبوعةً سنة 1987 في أَلبوم "معرفتي فيك" لزياد الرحباني، وهنا كلمات النسخة الأُخرى:
لبيروت
من قلبي سلامٌ لبيروتْ
وقُبلٌ للبحر والبيوتْ
لصخرةٍ كأَنها وجهُ بحارٍ قديمِ
هي من روحِ الشعب خمرٌ
هي من عرقِهِ خبزٌ وياسمين
فكيف صار طعمُها
طعمَ نارٍ ودخانِ...
***
لبيروت
مجدٌ من رمادٍ لبيروت
من دمٍ لِوَلَدٍ حُملَ فوق يدها
أَطفأَت مدينتي قنديلَها
أَغلقَت بابها
أَصبحت في المسَا وحدها
وحدَها وليلُ...
***
أَنتِ لي... آهِ عانقيني
أَنتِ لي رايتي
وحجرُ الغدِ
وموج سفري
أَزهرَت جراحُ شعبي
أزهرَت دمعةُ الأمهات
أَنتِ بيروت لي
أَنتِ لي... آه عانقيني !