النهار

"ترندات" الفتاوى... صراع الديني والدنيوي في مصر!
شريف صالح
المصدر: القاهرة- النهار العربي
خلال الأيام الماضية انتشرت "ترندات" اشتبك فيها الديني بالدنيوي، فنانون ورجال دين تبادلوا "قصف الجبهة"، وكانت البداية مع معركة الفنانة لوسي والشيخ خالد الجندي.
"ترندات" الفتاوى... صراع الديني والدنيوي في مصر!
لوسي وايناس والهام
A+   A-
 
حطّم العالم الافتراضي كل الأسوار التي تحوط بتابوهات الدين والجنس والسياسة، لأن المعلومات والآراء في "السوشيال ميديا" تصعب السيطرة عليها، مثلما يصعب تحديد من يحق له أن "يفتي".
 
خلال الأيام الماضية انتشرت "ترندات" اشتبك فيها الديني بالدنيوي، فنانون ورجال دين تبادلوا "قصف الجبهة"، وكانت البداية مع معركة الفنانة لوسي والشيخ خالد الجندي. عندما قالت إن الرقص "كُتب عليها"، فاعترض الجندي على تأكيدها بأن الرقص "أمر كتبه الله علينا"، مطالبًا بتصحيح الفكرة لتأثيرها السلبي على الشباب، لأن الله "كتب على الناس الستر". وردّت لوسي بأن من سيحاسبها هو الله وليس خالد الجندي، وأن لديها "ما تقوله إذا لم يكف عنها".
فلماذا ينشغل رجل دين بتتبع برامج فنية وتصريحات فنانين، ويخصّص وقتًا للردّ عليهم؟ وما الذي لدى لوسي ودفعه للسكوت؟
 
 
 
المساكنة
قبل أن يهدأ ترند "لوسي والشيخ الجندي" اشتعل ترند "المساكنة" بتصريحات للمحامي هاني سامح، بأن الإمام أبا حنيفة أجازها بأجر، فلا تُعتبر "زنا" يستوجب إقامة الحدّ بل صحيحة شرعًا وقانونًا وتعدّ حرّية شخصية، واستشهد بعلاقة رونالدو وصديقته. وزعم أن هناك محاكم مصرية منحت المرأة حقوقها بموجب إثبات "المساكنة".
 من بعدها تعرّض سامح لانتقادات واسعة، وتردّد أن نقابة المحامين أوقفته موقتًا للتحقيق معه. 
 
توسّع "الترند" مع تصريحات المخرجة إيناس الدغيدي المثيرة للجدل دائمًا، حين اعترفت أنها ساكنت زوجها السابق، أي عاشت معه مدة من الوقت، من دون عقد رسمي، ذلك قبل زواجهما. وهنا تقدّم أحد القانونيين ببلاغ للنائب العام ضدّها.
وتصدّى لها رجال دين وقانون منهم خالد الجندي نفسه الذي قال: "دلّعوا الخمرة وقالوا مشروبات روحية، ودلّعوا البيرة وقالوا مشروباً للطاقة، ودلّعوا الزنا وقالوا مساكنة، ودلّعوا الحشيش وقالوا علاجاً بالأعشاب".
 
 
تشدّد
الملاحظ أن معظم "الترندات" تتسع بمشاركة أشخاص عاديين يفتون بدورهم ويتنمرون على الفنانين.
تكشف التعليقات عن تدني احترام الخصوصية وتشدّد المجتمع إزاء العلاقات خارج إطار الزواج القانوني وضوابطه، سواء ما يُسمّى "الزواج العرفي" أو "زواج المتعة" أو "المساكنة"، أو إعادة تعريف الزنا كمفهوم سلبي مُدان عرفًا وقانونًا وشرعًا.
 
تميل ردود فعل رجال الدين إلى التشدّد خوفًا من انحلال المجتمع وتفكّكه وإنجاب أطفال خارج نظام الأسرة، برغم أن المساكنة مقبولة في الغرب وتترتب عليها حقوق قانونية ومادية، وقد تكون "حلًا" طالما توفر لها ركن "الإشهار" ولو من باب التخفيف من الأعباء الاقتصادية الحالية التي تجعل الإقبال على الزواج ـ بتكاليفه الحالية ـ عملًا جنونيًا.
لكنّ القانون المصري نفسه لا يقلّ تشدّدًا تجاه كل صيغ العلاقات الجسدية بين الرجل والمرأة، مع تحيز واضح للرجل.
قانون الزنا يُدان به الرجل إذا فعل ذلك في مسكن الزوجية وعقوبته حوالى 6 أشهر، بينما تُعاقب الزوجة إذا فعلت ذلك في مسكن الزوجية أو خارجه، ويملك الزوج حق العفو عنها، وتصل عقوبتها إلى سنتين.
وإذا كانت "الدعارة" تتطلّب إثبات شرط "الأجر"، أي أنها علاقة مشاعية وليست علاقة خاصة رضائية، فيمكن تحوير التهم بعبارات أخرى مثل: "التحريض على الفسق والفجور"، والذي يشمل ممارسة الفعل الفاضح في السرّ أو العلن، أو لفت الأنظار، أو التحدث أو نشر مواد إباحية. وهو البند الذي تُحاكم وتُدان بموجبه بعض فتيات "التيك توك".
أي أن العلاقات الجسدية ـ خارج الزواج، قابلة للإدانة بتهمة الزنا أو الدعارة، وإن لم تتوفر الأدلة يسهل وضعها تحت بند "التحريض على الفسق والفجور".
لذلك أحيلت قضايا كثيرة للنيابة لمجرد أن شابًا وفتاة يتبادلان القبلات على كورنيش النيل. صحيح أن الواقعة ليست زنا ولا دعارة، لكن يتمّ تكييفها باعتبار أن القبلة فعل فاضح في الطريق العام.
 
العمل أم الصلاة!
لا تنافس إيناس الدغيدي في "الترندات" إلّا إلهام شاهين، التي ظهرت في أحد البرامج وانتقدت مخرجًا عطّل التصوير كي يؤدي الصلاة ما يتسبّب في تعطيل الفريق كله. تكلمت إلهام هنا بالمنطق الدارج أن "العمل عبادة" أخذًا في الاعتبار تكاليف إيجار الاستديو والكاميرات والتقنيين ومواعيد الممثلين. مع ذلك تعرّضت لحملة مضادة للتسفيه منها، وإن لم تعدم مساندة بعض رجال الدين منهم سعد الدين الهلالي الذي رفض التنمّر عليها، خصوصًا أن كلامها لا يخلو من وجاهة شرعية.
 
 
 
جمود وتفاهة
لو عدنا إلى لقاءات سمير صبري وطارق حبيب، وأيام الأبيض والأسود، لن نجد أم كلثوم تُسأل عن صلاتها، ولا صباح تتحدث عن طقوسها الدينية، بل الكلام يتعلق بالفن وكواليسه. بل قلما يكون هناك تطرّق للحياة الشخصية إلّا بحذر.
بينما البرامج الفنية الآن تعتاش على النميمة الشخصية والزيجات والطلاقات، والقصص العاطفية السرّية والفتاوى الدينية. أي أنها تتغذّى على تابو "الجنس" و"الدين"، مقابل الصمت عن تابو "السياسة".
 
على سبيل المثل، هاجمت الإعلامية أميرة بدر تصريحات الدغيدي بمنطق "إذا بليتم فاستتروا"، وأنها يجب أن تراعي مشاهدة الأطفال والشباب لها، وقالت: "إيه اللي يهمني إني أعرف معلومة زي دي؟.. لو الواحد عمل حاجة غلط مش لازم أطلع أقول وأجاهر".
 
إذا اعتبرنا كلام الدغيدي معلومة "تافهة" غير مهمّة فلماذا تعتاش البرامج الفنية والصحافة و"الترندات" على هذا النمط من التصريحات؟ لماذا لا يوجد اهتمام حقيقي بأعمال فنية جادة؟ لماذا لا يكتفي الفنانون بالفن، ويكتفي رجال الدين بالفتاوى الدينية؟
ما الداعي أن يترك إعلامي كل أفلام ورقصات نجوى فؤاد وكيفية اختيار بدل الرقص والموسيقى، ويطرح عليها سؤالًا عن ارتداء الحجاب، لتردّ عليه أنها مستعدة لارتدائه إذا توفر لها راتب شهري تنفق منه على علاجها؟!
 
إنه مزاج التفاهة والتشدّد الذي أسبغ التحريم على الفن وأزاحه بعيدًا لتحتل الصدارة أسئلة الهوية الدينية والتنقيب في ضمائر الفنانين.
ولأن كل ما هو دنيوي بات تحت سطوة الديني، يُعاد باستمرار تعريف الأجساد ووظائفها. كأن عملك، وكذلك جسدك، ملك مؤسستك الدينية وحدها، تشرّع لك المسموح والممنوع عليك.. لتجد إيناس الدغيدي وإلهام شاهين ونجوى فؤاد ولوسي، أنفسهن دائمًا في موضع الدفاع عن النفس والتبرير، والتنمّر عليهن، ومحو تاريخهن، لصالح التفاهة و"الترند" و"الدعشنة".
 

اقرأ في النهار Premium