عن عمر يناهر الـ76 عاماً، رحل اليوم الروائي اللبناني الياس خوري بعد صراعٍ مع المرض. هو من مواليد بيروت عام 1948، وقد كتب عن مدينته بمقدار ما كتب عن فلسطين. انطلق في عالم الرواية عبر أعمال خرجت من رحم بيروت، وتحديداً منطقة الأشرفية التي تناولها في رواية "الجبل الصغير". لكنّ إحساسه العميق بلبنانيته لم يمنعه من أن ينتمي روحياً إلى فلسطين.
ولهذا، احتلت القضية الفلسطينية حيزاً كبيراً في أعماله. فلا يمكن أن نذكر فلسطين في الأدب من دون التوقف عند رائعة الياس خوري "باب الشمس" ومن ثم ثلاثية "أولاد الغيتو" التي جاءت بعدها بسنوات لتستكمل هذا التأريخ لهويةٍ لا يمكن أن تُمحى مهما حاول المحتلّون.
خوري صاحب تجربة أدبية مميزة ومتنامية حقق فيها المعادلة الأصعب بين النجاح الجماهيري والإعجاب النقدي. ترُجمت أعماله، وهي أكثر من عشر روايات، إلى الكثير من لغات العالم، كما تحوّلت روايته "باب الشمس" إلى فيلم سينمائي من إخراج يسري نصر الله وبطولة عدد من الممثلين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والمصريين، منهم باسل خياط، حلا عمران، دارينا الجندي، باسم سمرة وغيرهم.
علاقة خوري بفلسطين لم تكن عبر الرواية فقط، فهو زار مخيم اللاجئين الفلسطينيين في الأردن عام 1967 وعمل سكرتيراً لتحرير مجلة "شؤون فلسطينية" بعد عودته من باريس حيث استكمل دراسته. وعمل مديراً لتحرير مجلة "الكرمل" من عام 1981 إلى عام 1982، وساهم في تحرير مجلة (الطريق). وبين عامي 1983 و1990، عمل مديراً لتحرير القسم الثقافي في جريدة "السفير"، كما تولّى رئاسة تحرير "الملحق" الثقافي لـ"النهار" في عام 1992، في واحدة من أبرز محطاته في الصحافة الثقافية والأدبية ذات التأثير الواسع في الوسط الثقافي العربي.
إضافة إلى تجربته الإبداعية، كان خوري أكاديمياً حيث درّس في الجامعة اللبنانية، والجامعة اللبنانية الأميركية، والجامعة الأميركية في بيروت، وعمل أيضاً كأستاذ زائر في جامعة نيويورك. بجانب الرواية، كتب أيضاً ثلاث مسرحيات وله العديد من الكتابات النقدية، إضافة إلى تجربة عمل كمدير فني في المسرح.
يأتي خبر رحيل الياس خوري في وقت تعيش فيه فلسطين نكبة جديدة وهو الذي كتب "النكبة المستمرة"، معتبراً، كما يدلّ العنوان، أن النكبة الفلسطينيَّة لم تبدأ ولم تنتهِ في سنة 1948، بل هو مسارٌ بدأ في سنة 1948، ولا يزال مستمراً حتى الآن.
فالنكبة المستمرَّة، كما وصفها، تتَّخذ أشكالاً متعدِّدة، من التطهير العرقيّ إلى نظام الأبارتهايد، مروراً بمشروع محوٍ شاملٍ للهويَّة الفلسطينيَّة.
علّق كثيرون من الكتّاب والشعراء على خبر رحيله على أنه يوم حزين فقد فيه عالمنا العربي واحداً من أهم كتّابه المناضلين نصرةً لقضايا الإنسان والفن والجمال.
من أبرز أعمال الياس خوري: "أبواب المدينة"، "الوجوه البيضاء"، "رحلة غاندي الصغير"، "باب الشمس"، "رائحة الصابون"، "يالو"، "سينالكول"، "أولاد الغيتو"...