النهار

نهى محمود لـ"النهار": أنا منحازة للمرآة... ولا أكتب عن أمور لا تمسّني
حسين عبدالرحيم
المصدر: القاهرة- النهار العربي
نهى محمود لـ"النهار": 
أنا منحازة للمرآة... ولا أكتب عن أمور لا تمسّني
نهى محمود
A+   A-
في مجموعتها الأحدث "السير في طرق ممتدة وبعيدة"، تكتب المصرية نهى محمود عن واقع حياتنا الاجتماعية/ العاطفية، وعن تلك الصراعات الإنسانية من أجل الحب، في مجتمعات ذكورية متسلطة. 
تخرج صاحبة "راكوشا"، في هذا العمل، نحو مساحات أكثر وضوحاً في طبيعة علاقة المرأة بالرجل، حيث تُحول الذاتي والخاص إلى فضاءات العام، وتقدم محاكمات لعدد من مفاهيم التلاقي والبعد والعشق والكره، باحثةً عبر ساردتها عن خلاص لا يأتي غالباً إلا مع الكتابة.
عن ظروف كتابة "السير في طرق ممتدة وبعيدة" (دار بيت الحكمة للصناعات الثقافية)، واختيارها هذه الموضوعة بعد سنوات من الغياب، أجابت نهى محمود قائلة: "جاءت الكتابة في هذه المجموعة بعد توقف أربع سنوات، إلا من نص هنا وهناك.. في الغالب، عندما أصاب بحبسة كتابة ألجأ للعمل على مشروع قصص. يحفز ذلك ذاكرتي، ويُفتّح عيني نحو تفاصيل العالم حولي. يكون بمثابة إشارة للاوعي كي يفتح لي باباً أمرّ عبره إلى داخل المكان الغامض الذي يمكّنني من أن ألتقي بالكتابة، نجلس معاً، أخبرها كم اشتقتها، تتدلل قليلاً، لكنها في النهاية تستجيب". 
وتضيف: "جاءت أولاً فكرة القصة الأولى، ومع قرب نهايتها، أشارت إليّ شخصية جديدة، تبعتها وجاءت القصة التي تلتها وهكذا، أنهيت المجموعة في أقل من أربعة أشهر. تدفقت الحكايات، كنت أقف فقط لأستريح وألتقط أنفاسي".
وعن سؤالها عن اهتمامها الدائم بالكتابة عن المرأة ودوافع كتابتها عن أحوالها الاجتماعية والسياسية والمعيشية، أجابت: "أحبّ الكتابة عمّا أعرف. مشهد واحد، حقيقة واحدة، يمكنني أن أبدأ منها لأنسج الحكايات. أنقذتني الكتابة كثيراً من الغم، وذلك عندما استطعت أن أعيد كتابة الأمور السيئة والحزينة التي قابلتها ولم أحتملها. بها عالجت بها، تقبلت بها ومعها كل ما بدا قاسياً".  
وأكملت: "أنا منحازة للمرأة، ليس فقط لأني امرأة، أنا مفتونة بالنساء. قصصهن، تاريخهن المعلن والسري، طريقتهن في الفرح والرقص والغناء، حتى في طريقة ترنيمهن لأغنيات الحداد، للقوة الكبيرة التي تجعلهن عبر التاريخ الإنساني طرفاً كبيراً في الحياة. في المجموعة هذه، حاولت أن أعبر عن محبتي تلك، عن إعجابي بضعف المرأة وصبرها، رغم كل الصراعات والمشكلات. كنت أريد أن أبدي إعجاباً 
بالنساء".
وحين سألناها عن تفسيرها لإقحام ما هو واقعي وذاتي في كتابة هذه المجموعة قالت: "نغمتي الخاصة في الكتابة، اللحن الذي أفضله، أن أبدأ مما أعرف وأحس، حتى الحكايات التي لست طرفاً بها... يجب أن أبدأ من نقطة تشغلني، هناك نقطة مشتركة بيني وبين كتابتي. بهذه الطريقة أكون أنا والحكاية شيء واحد. لا بد أن أحكي من داخلها وداخلي، طاقة معينة تحقق الصدق، لو لم أصنع هذه الخلطة ولو لم أجد الخيط المشترك بيني وبين ما أكتب سأفضل الصمت". 
نلاحظ في أعمال نهى محمود مثل "الجالسون في الشرفة حتى تجيء زينب"، "طرق ممتدة"، "راكوشا"، كأنّ هناك دائماً مساحة سردية تصبغ بالأسى ومحاولات البحث عن الخلاص والجدوى. فما هو مفهوم الخلاص بالنسبة إلى الكاتب أو الفنان؟ عن هذا السؤال أجابت نهى محمود: "يبحث كل بطل عندي عن الخلاص في ضوء أزمته وتجربته، ليس هناك شيء يخص الفنان أو الكاتب بالتحديد، الفكرة في الإنسان. أظن أن فكرتي في الخلاص هي أن أعيش كما أحس، ألا أضطر لممارسة الكثير من الحيل وارتداء الأقنعة. الخلاص عندي أن أكون محاطة بدائرة آمنة من البشر، لا أتوقع منهم أذى، أحب أن أكون واضحة، حرة وسعيدة". 
 
وعن الكتابة وسط الحروب المدمرة والأزمات والصراعات، ورؤيتها لمستقبل الفكر والثقافة والإبداع، قالت نهى محمود: "ما دام الفنان أو المثقف على وعي بالمخاطر التي تحيط بعالمه، سيجد طريقة طوال الوقت للمقاومة والانتصار. شهرزاد في الحكاية التراثية غلبت الموت بالحكاية، وأنا أصدق في قوة الكلمة، وأن ما تفسده الحروب والدمار قد يصلحه الفن".
ثم تضيف: "بلد مثل إيطاليا بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية وسقوط موسيليني، أنقذتها صناعة السينما، أعادت بناءها من جديد، أنقذت الناس من الجوع والتشرد". 
عن رؤيتها للواقع الأدبي والنقدي العربي عموماً والمصري خصوصاً، تقول: "أفكر كثيراً في كمية الإصدارات الكبيرة التي تمتلأ بها المكتبات ودور النشر. عشرات الكتّاب الجدد كل عام، لا يمكن لمشهد نقدي مهما كان نشيطاً أن يطلع على كل ذلك المعروض، لكني راضية تماماً عن الطريقة التي تتحرك بها كتابتي، والخطوات التي أمشيها عملاً بعد آخر". 
نهى محمود هي أيضاً قارئة بدأت عشقها للمطالعة مع أعمال 
فيكتور هوغو وأنيس منصور وتعتبر أنهما شجعاها على المضي في طريق القراءة. وتضيف: "عندما أحب كاتباً، أحب أن أطلع على تجربته كاملة، وأنا أحب من الكتّاب محمد ناجي، وحيد الطويلة، عزت القمحاوي... ومن العالم هاروكي موراكامي، خوان مياس، يوسا، إيميلي نوثومب". 
 
بعد أكثر من خمسة عشر عاماً مع الكتابة والقراءة والمسارات الإبداعية المختلفة، كيف كان حصاد رحلة الكاتبة نهى محمود؟ عن هذا السؤال تجيب نهى محمود بشيء من الفرح: "أحب فعلاً الإجابة عن هذا السؤال، أشعر أني إنسانة محظوظة، منحتني الكتابة الكثير من البهجة، لم يسعدني شيء في هذا العالم قدر ما فعلت الكتابة. الكتابة بالنسبة إليّ عالم أحب أن أعيش فيه، إنها رحلة سعيدة. بالكتابة جربت الأشياء الحلوة مرات عديدة، عشت أحلاماً على مقاس قلبي، واختبرت النجاح، وفرحة صدور الكتب، والطبعات المختلفة والمقالات النقدية والجوائز، حتى الأموال التي منحتها لي الكتابة كان لها مذاق مختلف. الكتابة منحتني الحب والفخر والقوة".
 
 
 
 
 

اقرأ في النهار Premium