النهار

النهار

الصحافة اللبنانية نجمة أُولى في فضاء الصحافة العربية
المصدر: بيروت- لبنان
طويلًا ظلَّ في السائد، تأْريخًا، أَن أَول صحيفة لبنانية صدرت سنة 1858 كانت "حديقة الأَخبار" لخليل الخوري (اعتمدَها المتصرف العُثماني فرنكو باشا سنة 1868)، تَلَتْها جريدة "لبنان" لابراهيم الأَسْوَد (اعتمدها المتصرف العثماني واصا باشا سنة 1891).
الصحافة اللبنانية نجمة أُولى في فضاء الصحافة العربية
نضال "النهار" من أَجل لبنان
A+   A-

بيروت- هنري زغيب

 

طويلًا ظلَّ في السائد، تأْريخًا، أَن أَول صحيفة لبنانية صدرت سنة 1858 كانت "حديقة الأَخبار" لخليل الخوري (اعتمدَها المتصرف العُثماني فرنكو باشا سنة 1868)، تَلَتْها  جريدة "لبنان" لابراهيم الأَسْوَد (اعتمدها المتصرف العثماني واصا باشا سنة 1891). 

في تأْريخ الصحافة الرسمية أَن أَول جريدة رسمية في لبنان أَسَّسها داوُد باشا (أَول متصرف عثماني على جبل لبنان) سنة 1867 في بيت الدين (مركز حُكْمه)، وواكبَت بواكير الصحف اللبنانية مع بدايات الحركة الصحافية اللبنانية في أَواسط القرن التاسع عشر، نظراً لثقافة عالية كانت لداوُد باشا. ويلفت في كل ذلك أَنْ حتى الصحف الخاصة صدَرت بوحي الحُكَّام وتشجيعهم ومساعداتهم المالية والمعنوية، كي تُعَبِّر عن  مواقف الحُكْم من مواضيع الساعة ودفاعًا عن سياسة الدولة عمومًا.

 

... بل هذه أَولُ دورية

هذه المعلومات التي سادت طويلًا في الأَوساط الأَكاديمية والعلْمية، أَثْبَتَ نقْصَها الباحثُ الدكتور هيام مَلَّاط في كتابه "1820 صُدُور أَوَّل دورية في لبنان". وبذلك أَثْبَتَ أَن "حديقة الأَخبار" ليسَت الدوريةَ الأُولى في لبنان بل الأُولى: دوريةٌ سبقَتْها بــ38 سنة صدَرت سنة 1820، وهي "ناسك جبل لبنان"، لعلَّها أَقدمُ ما صدَر ووُثِّقَ في الشرقَيْن الأَوسط والأَدنى (بعدما كانت مطبوعات حملة بونابارت انقرضَتْ بانتهاء الحملة النابوليونية سنة 1801). تلك الدورية أَصدرَها راهبٌ فْرنسي في جبل لبنان منشورةً شهريةً تُعنى بالأَخبار السياسية والأَدبية، وقد تكون أَولَ دورية من نوعها في شساعة الأَمبراطورية العثمانية.

الريادة في لبنان وفي مصر

يأْخذُنا هذا الأَمر إِلى الريادة اللبنانية في الصحافة العربية، صُحُفًا في لبنان أَو صحافيين لبنانيين في العالم العربي: جريدة "الأَهرام" للشقيقَيْن سليم وبشارة تقلا (1875، وتعاقَبَ على رئاسة تحريرها اللبنانيون أُنطُون الجميِّل فداوُد بركات فخليل مطران)،

وجريدة "المقطَّم" (1888 أَنشأَها يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس وتعاقَبَ على رئاسة تحريرها اللبنانيون فارس نمر وخليل ثابت وكريم ثابت وأُنطُون نجيب مطر)، ومجلة "الهلال" لجرجي زيدان (1892)، ومجلة "الزهور" لأَنطُون الجميِّل (1910).

"نهار" جديد

جاء بي إِلى هذا الموضوع انتقالُ "النهار" في بيروت (منذ أَول من أَمس: الجمعة 4 تشرين الأَول/أُكتوبر الحالي) إِلى عهد جديد وشكل جديد وتطوُّر تقني وإِلكتروني جديد، مواكبٍ هذا العصرَ الهارع إِلى التجديد يومًا بعد يوم. وهو ما جاء في افتتاحية  نايلة تويني يومها بأَن "النهار" - مجسِّدةً شعار "في وضح النهار" الذي أَطلقه مؤَسسها جبران تويني سنة 1933- "تنطلق من جديد إِلى عالم جديد، وتفتح آفاقًا جديد  من لبنان إِلى العالم العربي وكل العالم. وهو مَسارٌ متجذِّرٌ لديها بالأَمل الذي قاوَمَت "النهار" عبره جميعَ الحُرُوب التي تناوَبَت على لبنان، وانتصرَت لحقيقة الشعب اللبناني وحقِّه في الحياة والأَمل والتجدُّد. وها هي "النهار" تنطلق في ولادةٍ جديدة بِرُوحٍ جديدةٍ وشكْلٍ جديد".

غسان تويني الرؤْيوي

لعلَّ في ذهن نايلة مبدأً شهيرًا لـجدّها غسان تويني عن الصحافة جاء فيه: "الحريةُ اسمُها علَم. تراثٌ من دونه لا حياةَ للأَحرار. الإِعلام الـحُرُّ يعني أَنَّ الحقيقةَ هي ما يَحدُث وما يُقال. الحقيقةُ مُلْكُ الجمهور، والرأْيُ الحـرّ هو الرأْيُ الحقيقيّ الـمتكوِّن من معرفةِ كلِّ الحقيقة وجميع الحقائق. الصحافةُ، كلُّ حرفٍ فيها عُمْر. الحرف فيها يولَد كلَّ يوم شابًّا وكهلًا في آنٍ معًا. أَلَا طال عُمْرُ الحرف وطال عُمْرُ الصِحافيين". وبهذه الرؤْية المهنية افتتَح غسّان تويني، قبل ربع قرن،  كتابَ "قرن من الصحافة في لبنان بين 1858 و1958" الصادر سنة 2010 عن "المؤَسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية" في 246 صفحة حجمًا موسوعيًّا كبيرًا، أَنيقَ الطباعة، جميلَ الإِخراج، غنيَّ الفصول.

تأْريخٌ صحافيٌّ مُشَرِّف للُبنان

تعود ريادة الصحافة اللبنانية كذلك بفنّ "الكاريكاتور" منذ أَول كاريكاتور صحافي سنة 1908، مرورًا بالعهد العثماني فعهد الانتداب الفرنسي. وكان جبران تويني أَولَ مَن أَبرزَه في جريدة "الأَحرار" سنة 1926 (قبل 7 سنوات من تأْسيسه "النهار" سنة 1933). ومن أَبرز رسَّامي الكاريكاتور عهدئذٍ مصطفى فروخ ورضوان الشهال. ومع عهد الاستقلال برزَت "الصياد" لسعيد فريحة و"الدبُّور" ليوسف مكرزل، وبين أَبرز أَعلام الكاريكاتور الصحافي: خليل الأَشقر وجان مشعلاني وبيار صادق. والريادة أَيضًا كانت بـفن الإِعلان في الصحافة اللبنانية منذ 1922 مع "الصحافي التائِه" لاسكندر رياشي.

وكي لا أُطيل، أُحيل القراء إِلى كتاب "قرن من الصحافة في لبنان بين 1858 و1958" (أَصدرَتْه "المؤَسَّسة اللبنانية للمكتبة الوطنية" سنة 1910) وفيه ثَبْتٌ دقيق كامل بأَعلام الصحافة اللبنانية" مع صُوَرِهم ونبذةٍ عنهم وَفْق تاريخ ولادتهم، بدءًا من صاحب "الجوائب" الشيخ أَحمد فارس الشدياق (المولود سنة 1804) وانتهاءً بصاحب "المكشوف" الشيخ فؤَاد حبيش (المولود سنة 1904)، إِلى مَلاحقَ لتعريفات الصحافة ومصطلحاتِها، ولائحةٍ بوكالات الأَنباء، وثَــبْـتٍ بإِصدارات الصحافة اللبنانية في مصر وفرنسا وتركيا وبريطانيا والبرازيل والأَرجنتين والمكسيك والولايات المتحدة الأَميركية. ويُثْبِتُ هذا الكتاب أَن الصحافة رِفقةُ دربٍ غنيةٍ جعلَت من لبنان مدرسةً في هذه المهنة. فلا كلامَ على الصحافة العربية تأْسيسًا وتطويرًا دُون أَثَــر اللبنانيين في التأْسيس والتطوير.

سُطُوعُ شمس لبنان

أَهميةُ هذا الكتاب أَنه، في مجلَّدٍ واحدٍ كبيرٍ، جَمعَ جُـلَّ صحافـتـنـا اللبنانية رائدةً في نُشدانها التحرُّرَ وتقديمِها شهداءَ على اسم الحرية، وأَنها رائدةٌ أُولى في اللغة الصحافية والإِخراج، ورائدةٌ أُولى مع أَعلامها في لبنان، ومن لبنان إِلى العالم، فاستــناروا وأَنــاروا، وكانوا مناراتٍ لا تزال أَنوارُها حتى اليوم ذاتَ أَصداءَ راسخةٍ في ذاكرة الصحافة الـحُرّة ساطعةً سُطوعَ شمس لبنان.

ومع النهضة الجديدة المتجدِّدَة تُطْلِقُها "النهار" هذا الأُسبوع جريدةً ورَقية ونسخةً إِلكترونية، طبعةً للُبنان وأُخرى للإِمارات العربية المتحدة، وموقع "النهار العربي" إِلى ما في مجموعة "النهار" من منصَّات إِلكترونية منوَّعة تواكب العصر بأَحدث ابتكاراته، يَثْبُتُ أَن الصحافةَ اللبنانيةَ نجمةٌ رئيسةٌ وسْعَ فضاء الصحافة العربية في مدارٍ ليس لطموحه أَيُّ حدود.