النهار

في ذكرى ولادته... غاندي بوجوهٍ كاريكاتورية متعددة
المصدر: القاهرة- النهار العربي
في ذكرى ولادته... غاندي بوجوهٍ كاريكاتورية متعددة
غاندي بريشة أندريه كاماجو
A+   A-

يلعب فنّ الكاريكاتور أدواراً متنوعة، بإمكانها أن تعيد إليه نشاطه وتوهجه، وتربطه مرة أخرى بالشباب، وذلك بعدما قل حضوره ورواجه في مجال النقد السياسي؛ ملعبه الأساسي الذي ساد فيه لفترات طويلة سابقة.
ابتعاد الكاريكاتور عن النقد السياسي يأتي لأسباب متعددة، منها: تضاؤل هامش حرية التعبير، وفك الرباط الوثيق بين الكاريكاتور والصحافة الورقية والإلكترونية، وإقبال الأجيال الجديدة على الكوميكس والميمز وغيرها من الفنون البصرية الحديثة العصرية.
يجد الكاريكاتور ضالته لاستعادة حيويته وبريقه في المشهد الحالي، من خلال ثيمات مبتكرة ورسائل جمالية ومجتمعية لا يتوقف عن بثها، ووظائف ومهامّ لا ينفك يمارسها، كفن رائد قائم على المصداقية اللاذعة، والغوص تحت الجلد، وقراءة الأعماق البشرية والأحداث الجارية قراءة واعية تحليلية.
من بين ما صار ينصرف إليه فن المبالغة والتضخيم والمفارقة والسخرية في معارض ومناسبات كثيرة، تمثيل القضايا الاجتماعية الملحّة التي تشغل الرأي العام، وتصوير البورتريهات للشخصيات البارزة، المعاصرة والتاريخية، في ميادين وحقول مختلفة، منها السياسة والأدب والفن والرياضة وغيرها.
تقترن معارض البورتريهات الكاريكاتورية الخاصة بالشخصيات التاريخية دائماً بحلول مواعيد معيّنة، كذكرى ميلاد الشخصية المحتفى بها، أو ذكرى رحيلها، أو ذكرى حصولها على جائزة كبرى أو إنجازها أمراً استثنائيّاً. 
هذه المعارض الرائجة نسبيّاً، المحلية والعربية والدولية، التي تستعيد الشخصيات المؤثرة من خلال البورتريهات الكاريكاتورية، تسهم بشكل كبير في ربط الماضي والحاضر، وتعريف الشباب والناشئة بالقامات الإنسانية، التي يكشف الفن قسماتها وسماتها ودواخلها وعوالمها الذاتية.

 

كبسولات عميقة
من أحدث هذه المعارض الدولية، معرض البورتريه الكاريكاتوري عن شخصية المهاتما غاندي، المنعقد حتى 8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في مركز مولانا آزاد للثقافة الهندية، في منطقة الزمالك في القاهرة. 
تزامناً مع الذكرى الـ155 لميلاد غاندي (2 أكتوبر/تشرين الأول 1869-30 يناير/كانون الثاني 1948)، افتتح المعرض سفير الهند لدى مصر أجيت جوبتيه وينعقد المعرض بالتعاون مع متحف الكاريكاتور بالفيوم، ومنصة إيجبيت كارتون، وذلك بإشراف الفنان المصري فوزي مرسي.
يتضمن المعرض أكثر من أربعين بورتريهاً كاريكاتورياً لوجوه غاندي المتنوعة الدالة، رسمها فنانون من مصر والهند وبولندا وكولومبيا والبرازيل وبيرو وإيطاليا والبوسنك والهرسك وإندونيسيا وقبرص وكوبا وإسبانيا وغيرها.
من الفنانين المشاركين: فوزي مرسي، وإسلام زكي، وأحمد علوي، وأدهم لطفي، وهاني عبد الجواد، وحسن فاروق (من مصر)، وراجي كومام، وأسويني أباني، وراغوباثي (من الهند)، وإيزابيلا كوالسكا من بولندا.
كما يشارك أندريه كامارجو من البرازيل، وإيلينا أوسبينا من كولومبيا، وعمر زيفالوس من بيرو، وجوسيب إنسياردي من إيطاليا، وسيناد ناداريفيتش من البوسنك والهرسك، وغيرهم من رسّامي الكاريكاتور من أجيال متعاقبة.
يلتقي الفنانون المشاركون في معرض وجوه غاندي، في فكرة أن اللقطة الكاريكاتورية أو الكبسولة العميقة الدلالة تتفوق في التعبير المكثف المتفجر على المقالات والتقارير المطولة التي تحتشد فيها الكلمات، وقد لا يمكنها أن تصل إلى جوهر الشخصية وطبيعتها مثل المعالجة الكاريكاتورية النافذة.

الظاهر والخفي
هكذا، تحمل لوحات الفنانين في معرض بورتريهات غاندي الكاريكاتورية إطلالات مزدوجة، على الظاهر من ملامح المهاتما غاندي وأشيائه الخاصة المميزة من ملابس ونظارة وغيرها، وعلى الخفي من مفاتيح شخصيته وأسراره وتركيبته النفسية وإشراقاته الروحية.
ينسحب فن البورتريه الكاريكاتوري الحديث، أكثر ما ينسحب، إلى هذه الحالات والإحالات المزاجية، التي تخرج بالشخصية من وضعية الثبات والاستقرار، لتنقسم الشخصية الواحدة إلى شخصيات متعددة، يمثّل كل واحد منها وجهة نظر الرسّام في الوجه الذي يرسمه، ويتفاعل معه.
لربما لم يعاصر هؤلاء الفنانون المهاتما غاندي زمانيّاً، ولم يقتربوا منه مكانيّاً، ولكنّهم أقاموا علاقاتهم الوثيقة معه من خلال انفتاحهم المعرفي الواسع على سيرته الإنسانية كعَلَم من الأعلام وأيقونة من الأيقونات الخالدة.

مناسبة فنية عامة
المهاتما غاندي، في ذاكرة فناني معرض البورتريهات الكاريكاتوري ورسومهم النابضة، ليس مجرد فرد، ولكنه رمز ثريّ وزعيم روحي لحركة استقلال الهند، ولكثير من حركات الاستقلال ومقاومة الاستبداد في العالم كله، كما قاد حملات وطنية ضد الفقر والتمييز العنصري والجندري.
كلمة "المهاتما"، تعني "الروح العظيمة" في اللغة السنسكريتية، إحدى اللغات الرسمية في الهند. ولقب "المهاتما" هذا، قد أطلقه الشاعر الفذ طاغور (1861-1941) على غاندي، تكريماً لدوره كأب روحي للأمة الهندية.
تتحول ذكرى غاندي لدى فناني المعرض الكاريكاتوري إلى مناسبة عامة، على اعتبار أن المهاتما المُلهِم ليس حكراً على أمته الهندية وحدها، بل إن الأمم المتحدة نفسها تتخذ يوم ميلاده (2 أكتوبر/ تشرين الأول) يوماً دوليّاً للاعنف، ونشر رسائل التسامح والمحبة والوئام.
هكذا، يحضر غاندي في لوحات رسّامي الكاريكاتور، كمناضل عظيم ومنظومة قيم متشابكة، كما يحضر أيضاً كرجل عادي متواضع، يسكن في الكوخ الريفي، ويستمتع بحضوره بين الفقراء والفلاحين والعمّال، بملابسه المحلية البسيطة، وابتسامته الصادقة الودود.

حساسية الالتقاط
بين أروقة المعرض الكاريكاتوري الجماعي، يجرّد الفنان المصري فوزي مرسي ملامح غاندي من كل الزوائد، مكتفياً بالحساسية الفائقة المتجسّدة في قليل من الخطوط الدالة في الجبهة، أعلى النظارة التي تبدو مرتكزاً للعمل التصويري. 
وتنطوي إغماضة العينين على مساحات لانهائية من التأمل واحتواء العالم بأكمله في الداخل النقيّ.
كما تتجاور وجوه غاندي وحمامات السلام والطيور البيضاء وأغصان الزيتون والزهور والثمار الغضة والقلوب الحمراء والبيضاء في أعمال الفنانين أسويني أباني، وراغوباثي (الهند)، وإيلينا أوسبينا (كولومبيا)، وإيزابيلا كوالسكا (بولندا) وسيناد ناداريفيتش (البوسنك والهرسك) وأحمد علوي، وهاني عبد الجواد (مصر).
هذه الرغبة في تصوير غاندي كمحلّق في عنان السماء بطينته الصلصالية السحرية وأخلاقياته الرفيعة فوق فساد العالم وباروده وأدخنته، تتطور إلى تزويده بأجنحة للطيران، كما في لوحة الفنان الهندي راجي كومام، ولوحة الفنان المصري إسلام زكي.  
أما الفنان الإيطالي جوسيب إنسياردي، فيتخذ من غاندي مدخلاً للتعبير عن تواصل الحضارات الإنسانية عبر التاريخ، حيث يتحول المهاتما إلى هرم رابع وسط أهرامات الفراعنة المصريين. 
ومن جهة أخرى، يلتقط الفنان جوسيب النور الداخلي الكامن في ضمير غاندي الحي، مماهياً بين عينه اليمنى في أثناء تحليقه، والقمر المشعّ في الفضاء.

اقرأ في النهار Premium