النهار

صندوق النّقد: اقتصادات الشّرق الأوسط صامدة وتنمو وسط أوضاع مروّعة
أحمد الغمراوي
المصدر: النهار العربي
أكد صندوق النقد الدولي أن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط صمدت بشكل مدهش وسط أوضاع مروعة
صندوق النّقد: اقتصادات الشّرق الأوسط صامدة وتنمو وسط أوضاع مروّعة
جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي في مؤتمر صحافي
A+   A-

 أكد صندوق النقد الدولي أن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط صمدت صموداً مدهشاً وسط أوضاع مروعة امتدت - وتأثيراتها - من كرواتيا إلى غزة، فيما توقع الصندوق أن يتنامى دور الاقتصاد غير النفطي نمواً كبيراً في دول الخليج العربي خاصةً خلال العامين الحالي والمقبل، وذلك مع صعود معدلات النمو المتوقع للمنطقة ككل.

 

وفي تقريره الجديد الخاص بالمنطقة في نسخة شهر نيسان (أبريل)، أشار الصندوق إلى أن القدرة على الصمود في الاقتصاد العالمي وتراجع الضغوط التضخمية العالمية يمثلان تطورين إيجابيين في اقتصادات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ومن المتوقع أن يسجل النمو الكلي معدلات أقوى تصل إلى 2.8% في 2024، صعوداً من 2% في 2023، ثم 4.2% في 2025.

 

وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تستمر سلسلة التحديات. فقد تسبب الصراع بين غزة وإسرائيل في معاناة إنسانية جمّة. وبالإضافة إلى ذلك، أفضت الانقطاعات في حركة الشحن عبر البحر الأحمر والتخفيضات في إنتاج النفط إلى تفاقم مواطن الضعف الناشئة عن مستويات الدين المرتفعة وتكاليف الاقتراض الكبيرة.

 

وفي مؤتمر صحافي، أعربت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا الخميس عن قلقها بشأن الوضع "المروع" في اليمن والسودان. وقالت: "عندما تكون هناك حروب تجتذب كل الاهتمام كما في أوكرانيا أو غزة، فإنها تطغى على المعاناة والصعوبات التي تظهر في أماكن أخرى، ولكن تأكدوا أنه بالنسبة للصندوق، فإن جميع أعضائنا لهم الحق في دعمنا واهتمامنا، بغض النظر عن مدى صعوبة الظروف".

 

وأشادت جورجييفا بـ"صمود" الشرق الأدنى والشرق الأوسط اللذين أصدر صندوق النقد الدولي تقريره الإقليمي المحدّث بشأنهما الخميس، وذلك على الرغم من تأثير الحرب في غزة وهجمات الحوثيين اليمنيين التي استهدفت حركة الملاحة في البحر الأحمر.

وأضافت: "يُظهر الأردن صموداً ملحوظاً، وكذلك مصر" على الرغم من انخفاض حركة المرور عبر قناة السويس وهي مصدر مهم للعملة الأجنبية للبلاد، علماً "أننا خفضنا توقعاتنا بنسبة 0,7 نقطة مئوية"، للمنطقة بأكملها.

 

 

كذلك كرّرت رسالتها بشأن ضرورة إعادة تكوين احتياطيات الميزانية بحيث تحظى الدول بالهوامش اللازمة لمواجهة "الأزمة المقبلة". وقالت "شدّدنا منذ فترة طويلة على أهمية وجود سياسة مالية تتماشى مع السياسة النقدية من أجل الحد من التضخم". وأضافت غورغييفا "نحن نتقبل حقيقة أن النهج نفسه لا يصلح للجميع وأن سرعة ضبط الأوضاع المالية تعتمد على خصوصيات كل بلد".

 
النمو مكبوح
 

لكن في الوقت ذاته، ورغم توقعات الصمود، يتوقع الصندوق في تقريره حول الشرق الأوسط أن يظل النمو مكبوحاً، مع بعض التحسن إلى 2.7% في 2024، صعوداً من 1.9% في 2023. وفي 2025، من المتوقع أن يسجل النمو ارتفاعاً إلى 4.2% حيث يفترض أن ينحسر تأثير هذه العوامل المؤقتة بالتدريج.

وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، ينتظر أن يكون النشاط غير الهيدروكربوني المساهم الرئيسي في النمو، حيث تواصل دول المنطقة خطط تنويع النمو.

 

وفي الوقت ذاته، تواجه الماليات العامة ضغوطاً متزايدة في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان متوسطة الدخل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تؤدي مدفوعات الفائدة المرتفعة إلى تقويض الجهود المبذولة لتقوية مراكز المالية العامة. 

 

ويؤدي الصراع في غزة إلى مفاقمة عدم اليقين الراهن، إذ تظل مدة الصراع وتأثيره محاطين بضبابية كبيرة. كذلك تؤثر الصراعات سلبا على النشاط الاقتصادي في بعض البلدان الهشة منخفضة الدخل، وإن كان من المحتمل أن يبدأ هذا التيار في التحول في عدد قليل منها، حيث يتوقع أن تتحسن الأوضاع الاقتصادية في عام 2025 في ظل الانحسار التدريجي للعوامل الخافضة للنمو.

 

وعلى الجانب الإيجابي، يبدو أن دورات تشديد السياسة النقدية قد انتهت في معظم البلدان نظراً لاقتراب التضخم من متوسطه التاريخي في الكثير من اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع وصول التضخم في ثلث الاقتصادات إلى مستوى قريب من المتوسط أو حتى دون المتوسط. 

 

ولا تزال منطقة القوقاز وآسيا الوسطى قادرة على الصمود في مواجهة الحرب في أوكرانيا. فبالرغم من انخفاض النمو إلى حد ما، يُتوقع أن يظل صامداً عند مستوى 3.9% في عام 2024 قبل أن يرتفع إلى 4.8% في 2025، وهو ما يرجع في جانب منه إلى تيسير السياسات الاقتصادية الكلية، وقوة الطلب المحلي، وعوامل خاصة كالزيادات في إنتاج النفط.

 

وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن يظل النمو مستقراً نسبياً بين البلدان المستوردة للنفط، بدعم من الطلب المحلي القوي، بينما يتوقع أن يكون ركود إنتاج الهيدروكربونات عبئاً على النمو في البلدان المصدرة للنفط. وبالنسبة لمعظم اقتصادات القوقاز وآسيا الوسطى، فإن التضخم أدنى من المستويات المستهدفة أو قريب منها، وتعمل معظم بنوكها المركزية على تيسير سياساتها النقدية. 

 

ويتجاوز عدم اليقين المحيط بالآفاق المستويات المعتادة، كما تهيمن على الأجواء مخاطر التطورات السلبية. ولا يزال الصراع في غزة من أهم مخاطر التطورات السلبية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك مخاطر زيادة التصعيد أو استمرار الصراع لمدة طويلة.

 

وكما يوضح التقرير، لا تقتصر عواقب الصراع على التكلفة الإنسانية والاجتماعية الدائمة، بل تمتد إلى إلحاق خسائر كبيرة ومستمرة بالناتج مع احتمال انتقال التداعيات إلى بلدان أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التغيرات في أنماط التجارة نتيجة للصراعات يمكن أن تحْدِث آثاراً غير مباشرة على النشاط الاقتصادي وإيرادات المالية العامة.

 

ومن الممكن أيضاً أن تنتقل مخاطر عالمية عدة إلى بلدان في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، بما في ذلك المخاطر المتعلقة بالتشرذم الجغرافي-السياسي. ومن حيث احتمالات تجاوز التوقعات، فإن تحقيق نمو عالمي أعلى من المستوى المتوقع من شأنه إعطاء دفعة للتجارة في المنطقة، فيما استئناف تخفيضات أسعار الفائدة بسرعة أكبر من المتوقع في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية يمكن أن يساعد على خفض الضغوط على المالية العامة وتحسين ديناميكية الدين. 

وبحسب التقرير، يواجه صناع السياسات مهمة صعبة تتمثل في حماية الاستقرار الاقتصادي الكلي وإبقاء الديون في حدود مستدامة، مع القيام في الوقت ذاته بالتصدي للتحديات الجغرافية-السياسية وتحسين آفاق النمو على المدى المتوسط. وينبغي أن يستمر توخي اليقظة على صعيد السياسة النقدية، مع التزام الحذر إزاء التيسير المبكر أو المفرط. ونظراً لاختلاف مستويات دين القطاع العام، فسيتعين أن تساعد سياسة المالية العامة على تحقيق خفض حاسم في تلك الديون عبر البلدان ذات المديونية المرتفعة. ومع ذلك، فنظراً للفروق الواضحة بين البلدان، يتعين تطويع ما يُتخذ من إجراءات حسبما يتلاءم مع ظروف كل بلد. وفي ظل ارتفاع عدم اليقين، من الضروري أن تجري البلدان إصلاحات لترسيخ أساسياتها الاقتصادية، بما في ذلك تقوية مؤسساتها.

 

وبالإضافة إلى ذلك، أكد التقرير أنه يمكن اغتنام الفرص المحتملة من الممرات التجارية الجديدة بتخفيض الحواجز التجارية الطويلة الأمد، وتنويع المنتجات والأسواق، وتحسين البنية التحتية.

وعن تطورات الوضع في مصر، قال جهاد أزعور، مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في مؤتمر صحافي، إن برنامج قروض الصندوق لمصر من شأنه أن يساعد البلاد، و"نتوقع تدريجياً مع تنفيذ البرنامج وتحسين الميزانيات العمومية وزيادة التدفقات أن تتمكن مصر من تقليص وسداد جزء من ديونها".

 

اقرأ في النهار Premium