شددت اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية في صندوق النقد الدولي يوم الجمعة على ضرورة دعم إعادة هيكلة الديون، وذلك تزامناً مع الإشارة إلى التداعيات السلبية للصراعات في كل من أوروبا والشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي.
وقال محمد الجدعان، وزير المالية السعودي ورئيس اللجنة، التي تعد الجهاز الداعم المعني بالسياسات المنبثق عن مجلس محافظي صندوق النقد الدولي، في بيان، إن "اللجنة ناقشت التأثير الاقتصادي الكلي والمالي العالمي للحروب والصراعات الحالية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا، والأزمة الإنسانية في غزة، فضلاً عن اضطرابات الشحن في البحر الأحمر".
وتابع أنه "بينما يدرك أعضاء اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية أنها ليست المنتدى لحل القضايا الجيوسياسية والأمنية وستتم مناقشة هذه القضايا في محافل أخرى، إلا أن الأعضاء أقروا بأن هذه المواقف لها تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي"، مشدداً على أن العصر الحالي "لا ينبغي أن يكون عصر الحروب والصراعات".
وأكد الجدعان أن الهبوط الناعم للاقتصاد العالمي يقترب، مع إثبات النشاط الاقتصادي في أجزاء كثيرة من العالم أنه أكثر مرونة مما كان متوقعاً، على الرغم من أنه لا يزال متبايناً بين البلدان. ومع ذلك، فإن آفاق النمو العالمي على المدى المتوسط لا تزال ضعيفة. ولا تزال الحروب والصراعات المستمرة تفرض عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد العالمي.
وأشار البيان إلى أنه "رغم أن التضخم انخفض في معظم المناطق، بسبب انحسار صدمات العرض والتأثيرات المترتبة على السياسة النقدية المتشددة، فإن استمراره يستدعي الحذر. وفيما المخاطر التي تهدد الآفاق الآن متوازنة على نطاق واسع، فإن المخاطر السلبية لا تزال قائمة، وتتوقف على مسارات التضخم وأسعار الفائدة على المدى القريب، وأسعار الأصول والاستقرار المالي، وإجراءات السياسة المالية، فضلاً عن التطورات الجيوسياسية". مشيراً إلى أن الاقتصاد العالمي يواجه أيضاً تحديات هيكلية ضاغطة، بما في ذلك التحديات الناجمة عن تغير المناخ، وزيادة نقاط الضعف المتعلقة بالديون، واتساع فجوة التفاوت، فضلاً عن خطر التفتت الجغرافي الاقتصادي.
ووفق الخلفيات المذكورة، أوضحت اللجنة أن أولويات سياساتها تتمثل في تحقيق استقرار الأسعار، وتعزيز الاستدامة المالية، وحماية الاستقرار المالي، مع تعزيز النمو الشامل والمستدام. وأنها سوف تمضي قدماً في إعادة بناء هوامش الأمان المالية، وتصميم الإجراءات بعناية لتناسب الظروف الخاصة بكل بلد، مع حماية الاستثمارات الأكثر ضعفاً والمعززة للنمو. وتماشياً مع صلاحيات كل منها، تظل البنوك المركزية ملتزمة بقوة بتحقيق استقرار الأسعار وستستمر في معايرة سياساتها بطريقة تعتمد على البيانات، مع توصيل أهداف السياسة بوضوح للمساعدة في الحد من التداعيات السلبية. وتعهدت اللجنة "مواصلة العمل على معالجة فجوات البيانات والرقابة والتنظيم في القطاع المالي، وخاصة المؤسسات المالية غير المصرفية، حيثما كان ذلك مناسباً، ونحن على استعداد لنشر أدوات السياسة الاحترازية الكلية للتخفيف من المخاطر النظامية. وسوف نقوم بتسريع الإصلاحات الهيكلية الموجهة والمتسلسلة جيداً لتعزيز العرض لتخفيف القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي، وتعزيز الإنتاجية، وزيادة المشاركة في سوق العمل، وتعزيز التماسك الاجتماعي، ودعم التحولات الخضراء والرقمية".
وأكدت اللجنة في بيانها أهمية التعاون الدولي لتحسين مرونة الاقتصاد العالمي والنظام النقدي الدولي. والعمل الجماعي لدعم التحولات المناخية والرقمية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، مع مراعاة الظروف الخاصة بكل بلد. وكررت التزاماتها بشأن أسعار الصرف، ومعالجة الاختلالات العالمية المفرطة، والحوكمة، والتزامها المتجدد بتجنب التدابير الحمائية. ومواصلة العمل لتعزيز شبكة الأمان المالي العالمية ومعالجة نقاط الضعف المتعلقة بالديون العالمية. ودعم البلدان الضعيفة أثناء قيامها بالإصلاحات لمعالجة نقاط الضعف لديها وتلبية احتياجاتها التمويلية.
المسار الأوروبي للفائدة
وفي سياق منفصل، قال ألفريد كامر المدير الأوروبي لصندوق النقد الدولي يوم الجمعة إن الصندوق لا يتوقع أن يؤدي تباين مسارات التضخم في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تغيير وجهة نظره بأن البنك المركزي الأوروبي يجب أن يبدأ في تخفيف أسعار الفائدة اعتباراً من حزيران (يونيو) المقبل.
وقال كامر في مؤتمر صحافي إن التضخم الأوروبي كان مدفوعاً في المقام الأول بصدمات أسعار الطاقة واضطرابات سلاسل التوريد التي تلاشت، فيما التضخم في الولايات المتحدة مدفوع بطلب أقوى من المتوقع.
وقال الصندوق إن الهبوط الناعم لتخفيف التضخم مع "تكلفة اقتصادية معتدلة" أمر في متناول الاقتصادات الأوروبية لكنه ليس مضموناً على الإطلاق، حيث يبدو التعافي حتى الآن مبدئياً في معظم الاقتصادات في جميع أنحاء المنطقة.
وفي جانب من التفاصيل الخاصة بكل دولة، حث الصندوق إيطاليا وفرنسا على خفض الإنفاق أسرع مما تخططان له حالياً لإبقاء الديون تحت السيطرة، بينما أفاد بأنه يتعين على ألمانيا تخفيف قيودها المالية لإنعاش النمو.
ورغم أن نصيحة صندوق النقد الدولي ليست ملزمة للدول التي لا تتلقى مساعدته، فمن المرجح أن تعيد تأملاته الأخيرة بشأن إيطاليا وفرنسا وألمانيا ذكريات غير مريحة عن أزمة الديون التي شهدها العقد الماضي.
"خلافات" مع إثيوبيا
وفي شأن منفصل، قال مسؤول كبير في صندوق النقد يوم الجمعة إنه لا تزال هناك "خلافات" بين الصندوق وإثيوبيا بشأن حزمة القروض والإصلاحات، لكن المحادثات مستمرة.
وقد تحتاج إثيوبيا إلى خفض قيمة عملتها لتأمين دعم صندوق النقد، ولم يؤكد الصندوق أن هذا شرط للتمويل ولكنه عادة ما يفضل أسعار صرف مرنة تحددها السوق.
وأصبحت أكبر دولة في شرق أفريقيا من حيث عدد السكان، والتي تعاني بالفعل ارتفاع معدلات التضخم ونقصاً مزمناً في العملات الأجنبية، في كانون الأول (ديسمبر) ثالث دولة أفريقية تتخلف عن سداد ديونها خلال ثلاث سنوات، بحسب "رويترز".