تراهن تركيا على موقعها الجغرافي واتفاقها الجمركي مع الاتحاد الأوروبي لجذب استثمارات صينية كما فعلت مع شركة "بي واي دي" المصنعة للسيارات، من دون أن تشكل حماية أقلية الأويغور عائقا أمامها.
ووقعت الشركة الصينية الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية عالميا الاثنين، اتفاقا مع الحكومة التركية لفتح مصنع في البلاد. وقدمت لها تركيا أرضا في غرب البلاد بموجب اتفاق يشمل استثمارات بقيمة مليار دولار و5 آلاف وظيفة.
وقال وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي محمد فاتح كاجر هذا الأسبوع: "نواصل محادثاتنا مع شركات صينية أخرى".
وأضاف في حديث لشبكة إعلامية رسمية: "نريد تحويل تركيا مركز إنتاج لمركبات الجيل الجديد".
وأكد أن "تركيا دولة مفيدة جدا بسبب اتحادها الجمركي مع الاتحاد الأوروبي واتفاقاتها التجارية مع 28 دولة أخرى".
وأضاف "يريد المنتجون الصينيون الوصول سريعا إلى الأسواق العالمية، والاستثمار في تركيا يمنحهم ذلك"، خصوصا بفضل موقعها المميّز بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
ووقّعت أنقرة اتفاقا في العام 1995 ينص على حرية حركة البضائع بين تركيا والاتحاد الأوروبي لفئات عديدة من السلع، ولا سيما السيارات.
وجعلت تركيا نفسها مركزا لصناعة السيارات منذ سبعينات القرن الماضي مستقبلة شركات مصنعة عديدة مثل "فيات" و"رينو وفورد" و"تويوتا" و"هيونداي".
وسيسمح إنشاء مصنع في تركيا لشركة "بي واي دي" بالوصول إلى السوق الأوروبية مع الالتفاف على الضرائب التي أعلنت بروكسل رفعها مطلع تموز (يوليو) على السيارات الكهربائية الصينية.
من جانبها، فرضت أنقرة لأول مرة ضريبة إضافية بنسبة 40 في المئة على السيارات المستوردة من الصين في 3 تموز الماضي، ولكنها أصدرت بعد يومين قرارا بإعفاء المصنعين الذين يستثمرون في تركيا من هذه الضريبة، فاتحة أمامهم مجال الوصول إلى السوق الأوروبية من دون تحمّل الضرائب المفروضة.
اتفاق جديد
وبعد شركة "بي واي دي" تدرس خمس شركات صينية أخرى لصناعة السيارات على الأقل افتتاح مصانع في تركيا، حسبما أفادت وكالة الأناضول التركية الرسمية.
كما وُقّعت شراكة بين الشركة التركية "توغ" TOGG وشركة "فاراسيس" Farasis الصينية لإنتاج بطاريات للسيارات الكهربائية في تركيا.
وأفاد وزير الصناعة التركي بأنه خلال العام الماضي، تكثفت الاجتماعات بين ممثلي الحكومة التركية والصناعيين الصينيين.
ومطلع حزيران (يونيو)، توجه وزير الخارجية التركية هاكان فيدان إلى الصين لإبرام تفاهم جديد بين البلدين.
وزار فيدان شينجيانغ ليكون أول مسؤول تركي كبير يتمكن من دخول هذه المنطقة منذ العام 2012. وتُتهم بكين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وباحتجاز أكثر من مليون مواطن من الأويغور ومن أقليات مسلمة أخرى في شينجيانغ، في سياسة وصفها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عام 2009 بـ"الإبادة الجماعية".
لكن منذ ذلك الحين، خفّفت أنقرة حدة تصريحاتها، وشدّد فيدان خلال زيارته على "دعم تركيا الكامل لوحدة أراضي الصين".
ورأت غولرو غيزر، الدبلوماسية السابقة ومديرة البرامج في مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية (تيباف)في تركيا، أن مصير الأويغور على الرغم من أهميته لم يعد الوحيد على جدول الأعمال بين بكين وأنقرة ولا يشكل عائقا أمام تطوير علاقاتهما.
واعتبرت أن "زيارة فيدان دفعت في هذا الاتجاه. وحقيقة أن بكين سمحت لفيدان بالذهاب إلى شينجيانغ للتحدث مع السكان، كانت خطوة إيجابية".
وأعربت الخبيرة في العلاقات التركية الصينية في مركز دراسات السياسة الأوروبية في بروكسل سيرين إرجينتش عن قلقها من أن يؤدي "استقبال مزيد من الاستثمارات الصينية إلى تغيير موقف تركيا بشأن مسألة الأويغور وتشجعيها على تنفيذ اتفاق بشأن تسليم مطلوبين بالقوة، ما سيكون له تأثير سلبي جدا على أمن الأويغور الموجودين في تركيا".
ويقدر هؤلاء بعشرات الآلاف من اللاجئين.
عقبات
وأكدت الباحثة أن تركيا تحذو حذو الدول الأوروبية التي ترغب أيضا في تشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في أوروبا، من خلال زيادة الضرائب على الواردات.
ولكنها أشارت إلى وجود عقبات لافتة إلى أن "لوائح الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالدعم الأجنبي"، والتي يمكن أن "تعقد بالنسبة الى الصين استخدام تركيا كنقطة انطلاق نحو الاتحاد الأوروبي".
كذلك لفتت إلى أنه "في الماضي، رأت الشركات الصينية أن المناخ الاقتصادي غير موثوق به كفاية في تركيا، مفضلة المجر أو بولندا".
ومع ذلك، يقوم التقارب بين البلدين على المصالح المشتركة، بحسب غيزر.
وأشارت غيزر إلى "وجود نقاط مشتركة بين أنقرة وبكين، بما في ذلك رؤية عالمية متعددة الأقطاب". وتوقعت أن "تتطور علاقاتهما بشكل أكبر في الفترات المقبلة".
وأكد إردوغان الخميس، على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، نيته الانضمام كعضو دائم إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم روسيا والصين وإيران. وتحظى تركيا حاليا بصفة "شريك" فيها.