قام بنك إنكلترا بتخفيض سعر الفائدة الأساسي للمرّة الأولى منذ أكثر من 4 سنوات، في خطوة تعكس التوجّه العالمي نحو تخفيف السياسات النقدية في مواجهة التضخم المتراجع.
أعلن البنك المركزي البريطاني يوم الخميس 1 آب (أغسطس) عن خفض سعر الإقراض بمقدار ربع نقطة مئوية، ليستقر عند 5%. وقد ظلّت أسعار الفائدة مستقرة عند مستوياتها الأعلى منذ العام 2008 خلال العام الماضي، ما أدّى إلى تقليل الإقراض وزيادة الضغوط الاقتصادية على الحكومة البريطانية التي تواجه تحدّيات مالية. وكان هناك تباين في توقعات المستثمرين قبل الاجتماع حول ما إذا كان البنك سيُقدم على خفض الفائدة فورًا أو ينتظر مزيدًا من الإشارات على انخفاض التضخم.
عاد التضخم في المملكة المتحدة إلى هدف البنك البالغ 2%. لكن صنّاع السياسات ظلّوا حذرين من ارتفاع تضخم الخدمات، والذي كان مرتفعًا بشكل غير متوقع عند 5.7% في حزيران (يونيو). وكانت عوامل لمرّة واحدة، مثل ارتفاع أسعار الفنادق بسبب جولة "تايلور سويفت" والزيادات السنوية في عقود الهاتف المرتبطة بالتضخم، مسؤولة جزئيًا، وفقًا لخبراء الاقتصاد.
في نهاية المطاف، صوّت 5 من صنّاع السياسات في البنك لصالح خفض ربع نقطة مئوية، بينما صوّت 4 لصالح إبقاء أسعار الفائدة ثابتة، غير مقتنعين بأن التضخم في المملكة المتحدة قد تمّ كبحه بشكل كافٍ.
لقد تصارعت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم بشأن مدى السرعة التي يمكن بها خفض تكاليف الاقتراض، محذّرة من تحفيز النشاط الاقتصادي قبل احتواء التضخم بالكامل. وبدأت أسواق العمل في التباطؤ، ولكن معدلات البطالة في المملكة المتحدة وفي جميع أنحاء العالم المتقدّم لا تزال قريبة من أدنى مستوياتها القياسية.
اختار بنك الاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء إبقاء أسعار الفائدة ثابتة في نطاق بين 5.25% و 5.5%، وهو أعلى مستوى في عقدين من الزمان. لكن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم بأول، قال إن المسؤولين قد يخفضونها في أيلول (سبتمبر).
في حين ظل بنك الاحتياطي الفيدرالي ثابتًا، فإن خطوة بنك إنكلترا تتماشى مع معظم البنوك المركزية الأخرى في الأسواق المتقدمة، والتي بدأت في خفض أسعار الفائدة بحذر، ولكن لا يُتوقع أن تعود قريبًا إلى مستويات القاع الصخري التي شوهدت قبل أزمة التضخم.
ويتوقّع البنك أن يرتفع التضخم في المملكة المتحدة قليلاً في الأشهر المقبلة إلى حوالى 2.75%. وقال المسؤولون إن الأسعار يجب أن "تظلّ مقيّدة لفترة كافية" حتى يثق في أن التضخم سيعود إلى الهدف.
وفي الوقت نفسه، تحسّنت آفاق النمو في المملكة المتحدة بعد فترة طويلة من الركود. وقال البنك إنه يتوقع الآن نمواً بنسبة 1.25% لهذا العام، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 0.5%. ومع ذلك، يتوقع المسؤولون أن يتلاشى هذا الزخم مع ثقل تأثير أسعار الفائدة المرتفعة على الشركات والمستهلكين. ومن المتوقّع أن يتراجع النمو إلى 1% في عام 2025.
تعاني المملكة المتحدة من تضخم مستمر ومتجذر، جزئيًا نتيجة لتداعيات البريكست والنقص في اليد العاملة، ما أجبر بنك إنكلترا على اتخاذ إجراءات تقييدية قوية غير مسبوقة مقارنة بنظرائه في الدول المتقدمة. وقد أقدم البنك على زيادة الفائدة الأساسية بأكثر من 5 نقاط مئوية منذ نهاية 2021، وذلك قبل أشهر عدة من قيام البنك الفيدرالي الأميركي والمؤسسات المالية الرئيسية الأخرى برفع معدلات الفائدة.
كما يتطلّع المستثمرون إلى أن تؤدي الحكومة الجديدة لحزب العمال إلى مرحلة من الثبات السياسي في المملكة المتحدة، وهو ما ساهم في تصدّر الجنيه الإسترليني قائمة العملات الكبرى من حيث الأداء مقابل الدولار الأميركي لهذا العام.
بالرغم من الجهود المبذولة، تواجه الحكومة البريطانية تحديّات جمّة في تصحيح مسار الاقتصاد الذي يعاني من مشكلات عدة، تتمثّل في النظام الصحي المُثقل بالأعباء والبنى التحتية القديمة. وتزداد هذه التحدّيات تعقيدًا بسبب الدين العام الضخم الذي يزيد عن 100% من إجمالي الناتج المحلي. وفي خطوة لمواجهة هذه الأزمة، كشفت وزيرة الخزانة، راشيل ريفز، يوم الاثنين، عن نية الحكومة تقليص النفقات العامة والاجتماعية، ملمّحة إلى احتمالية زيادة الضرائب في الأشهر المقبلة.
كما بدأ البنك الوطني السويسري دورة تخفيف السياسات في العالم المتقدّم في آذار (مارس). وتبعه البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة في حزيران (يونيو). كما خفّضت البنوك المركزية في السويد وكندا أسعار الفائدة في الأشهر الأخيرة. ويظل بنك اليابان استثناءً رئيسيًا، بعدما تخلّى عن السياسة النقدية شديدة التيسير في أواخر نيسان (أبريل)، ورفع يوم الأربعاء سعر الفائدة القياسي إلى 0.25%.