تداعيات سلبية ما زالت تفرضها آثار معدلات التضخم المُرتفعة على النمط الاستهلاكي المعتاد للمواطن المصري خلال فترة عيد الفطر، في ظل تفاقم المستويات السعرية للسلع والخدمات بصورة تفوق مستويات الدخل الحالي.
وعلى الرغم من خطوات الدولة المصرية الأخيرة لتقليل الأثر السلبي لمعدلات التضخم عبر تطبيق أكبر حزمة عاجلة للحماية الاجتماعية مع بداية شهر آذار (مارس) الماضي، فضلا عن تعديلات ضريبية للدخل كأحد المسارات لمواجهة ارتفاع أسعار السلع والخدمات، إلا أن القفزة السعرية في مختلف القطاعات مازالت تُشكل تحديا قويا أمام المواطنين خلال الفترة الحالية، وتفرض متغيرات قوية على النمط الاستهلاكي في الشارع المصري.
وبدأت مصر تطبيق أكبر حزمة عاجلة للحماية الاجتماعية بقيمة 180 مليار جنيه (5.8 مليارات دولار) مع بداية شهر آذار (مارس) الماضي، وفقاً لتوجيهات الرئيس المصري، وذلك في ضوء التحدّيات والأزمات التي يواجهها الاقتصاد منذ تداعيات أزمة كورونا ومروراً بتأثير التحدّيات العالمية والأزمة الروسية - الأوكرانية، وصولاً إلى التأثير السلبي وتداعيات التوترات الجيوسياسية المحيطة.
وجاءت الحزمة الاجتماعية ضمن مجموعة من السياسات الهادفة لمواجهة تأثيرات التضخم، وانعكاس ذلك المباشر على تفاقم مستويات أسعار السلع والخدمات على المواطنين.
التضخم وانعكاساته
وفي ضوء ذلك يؤكد عدد من الخبراء والاقتصاديين في تصريحات خاصة لـ"النهار العربي" أن الشارع المصري مازال يواجه مخاطر وتحديات قوية من تفاقم معدلات التضخم والقفزة السعرية على صعيد السلع والخدمات، انعكست بصورة مباشرة على تغيير كبير في النمط الاستهلاكي المعتاد خلال شهر رمضان وفترة عيد الفطر، لاسيما على صعيد تحديد الأولويات الشرائية في ضوء ضعف مستويات الدخل مقارنة بالقفزات السعرية المستمرة.
وأضاف الخبراء أن الفترة الحالية تشهد محاولات من الحكومة للسيطرة على ارتفاع الأسعار عبر إطلاق مبادرات تستهدف خفض الأسعار، إلا أن الشارع المصري مازال يواجه متغيرات سعرية مستمرة لها تداعيات سلبية مباشرة على عدد من القطاعات.
مبادرات لخفض الأسعار
واستكمالًا لذلك، تستهدف الدولة المصرية تنفيذ مبادرة لخفض الأسعار ومواجهة تداعيات التضخم، تتضمن إدراج عدد من السلع الأساسية للمواطنين وإعفاءها من أية جمارك أو رسوم لمدة 6 أشهر.
ووفقًا لرئيس الوزراء المصري، من المقرر اتخاذ مجموعة من الإجراءات من قبل الحكومة والبنك المركزي المصري بهدف العمل على خفض الأسعار، وكذلك إجراءات من جانب الصناع والتجار، بهدف نجاح المبادرة.
تداعيات وتأثيرات مباشرة
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر، في تصريحات خاصة لـ"النهار العربي" أن موسم عيد الفطر في مصر العام الجاري يأتي بالتزامن مع تطورات وتداعيات اقتصادية مختلفة، أبرزها ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع مستوى الأسعار للسلع والخدمات مقارنة بالأعوام الماضية، وهو ما يخلق تحديات اقتصادية أمام عدد من القطاعات.
وأضاف أن ارتفاع معدلات التضخم، انعكس خلال العام الحالي على زيادة تكلفة المعيشة وتقليل قدرة الأفراد على شراء السلع والخدمات بنفس القدر المعتاد في الأعوام السابقة في مثل هذه الفترات وشراء المستلزمات الضرورية للعيد.
معدلات التضخم الحالية
وأظهرت أحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية قفز إلى 35.7% في شباط (فبراير) الماضي، من 29.8% في كانون الثاني (يناير)، مدفوعا بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات.
وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار 11.4% في شباط، مقارنة مع 1.6% فقط في كانون الثاني، كما قفزت أسعار المواد الغذائية 15.9%، مقارنة مع 1.4% في كانون الثاني.
أكثر القطاعات تأثرًا
واستكمالًا لذلك استعرض الدكتور سيد خضر، أبرز المؤشرات القطاعية المتأثرة خلال الفترة الحالية من تداعيات التضخم، على النحو التالي:
- قطاع التجزئة والتجارة، نتيجة تراجع الطلب وتقليل الإنفاق في هذا القطاع.
- قطاع السياحة والترفيه، في ضوء ارتفاع التكاليف وتأثيرها على حركة السياحة الداخلية والخارجية ومعدلات الحجوزات.
- قطاع الأغذية والمشروبات، نتيجة انعكاس ارتفاع أسعار تكلفة المواد الخام والإنتاج والتوريد، على المستويات السعرية للمنتج النهائي، وهو ما يؤدي إلى تراجع معدلات الطلب على المنتجات الغذائية.
وأوضح أن معدلات التضخم لها تداعيات أخرى، خاصة بالتأثير على الاستثمار والأعمال في مصر، حيث يعيق ذلك قدرة الشركات على توسيع أعمالها أو توظيف المزيد من العمالة، وهو ما يؤثر على النمو الاقتصادي ويزيد من الضغوط الاجتماعية.
تقليل ميزانيات الإنفاق
ويتفق معه مدير "مركز رؤية للدراسات"، بلال شعيب في حديث إلى "النهار العربي"، على أن ارتفاع معدلات التضخم في مصر له تداعيات قوية ومباشرة على عدد من القطاعات الرئيسية والفرعية الموسمية.
وأضاف أن معدلات التضخم المعلنة وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تتراوح بين 35 إلى 40%، إلا أنها لا تعكس الواقع الفعلي في السوق المصري والتي تتضاعف بصورة أكبر على صعيد المستويات السعرية في مختلف القطاعات.
ويسبب هذا التحدي بتغيير كبير على صعيد ميزانيات الإنفاق وتحديد الأولويات في الشارع المصري خلال هذه الفترة من العام، والتي ستؤثر بالسلب على قطاعات مختلفة مثل الأغذية والمشروبات والسياحة والملابس والتجزئة.
وأوضح أن الألويات في الشارع المصري هي التي ستحدد بنود الإنفاق مع تقليل ميزانيات الترفيه، في ضوء عدم تناسب مستويات الدخل للمواطنين بالقفزة السعرية على صعيد مختلف السلع والخدمات خلال الفترة الأخيرة.