بالتوازي مع خطى اقتصادية وإجتماعية طموحة وإصلاحات قوية في المغرب، عدلت وكالة "ستاندرد آند بورز" النظرة المستقبلية للمملكة إلى إيجابية، وذلك على خلفية تحسن مسار الإصلاح لاسيما على صعيد الميزانية.
وتتوقع وكالة الإحصاء المغربية، أن ينتعش النمو الاقتصادي في المغرب إلى 3.2 في المئة خلال 2024 مقابل 2.9 في المئة العام الماضي. وهو ما يتوافق مع توقعات صندوق النقد بشأن ارتفاع النمو الاقتصادي في المغرب تدريجيا إلى حوالى 3.5 في المئة على المدى المتوسط بفضل الطلب المحلي القوي وارتفاع الصادرات والاستثمارات.
أسباب التعديل
الخبير الاقتصادي المغربي هشام بن فضول يعدد لـ "النهار العربي" أبرز الأسباب وراء رفع وكالة "ستاندرد آند بورز" نظرتها المستقبلية الى المغرب إلى إيجابية على النحو التالي:
-الأداء الجيد للاقتصاد المغربي في مواجهة تداعيات أزمة كوفيد-19، حيث أظهر قدرة كبيرة على الصمود في وجه الأزمة، بل والاستفادة من رفع صادراته، لاسيما من الكمامات الطبية وكذا بعض الأدوية المصنعة محلياً.
- تطور الاقتصاد المغربي في ما يتعلق بقدرته على تشجيع الاستثمارات الداخلية منها والخارجية مع الرفع من مكانة القطاع الخاص في تنشيط الدورة الاقتصادية.
- قدرة المملكة على توفير تمويلات مهمة على المستوى الدولي،لاسيما من خلال توفير السيولة اللازمة في الخطوط الائتمانية لصندوق النقد الدولي.
-التوقعات الإيجابية في ما يتعلق بالاستثمارات التي سوف يستفيد منها المغرب في إطار استعداده لتنظيم كأس أمم أفريقيا لكرة القدم سنة 2025 وكذلك التنظيم المشترك مع كل من اسبانيا والبرتغال لكأس العالم لكرة القدم سنة 2030.
مرونة وخطوات متزنة
وأظهر الاقتصاد المغربي مرونة في مواجهة مجموعة المتغيرات والأزمات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي بداية من جائحة كوفيد 19، ومرورًا بالتوترات الجيوسياسية، بل واستهدف الحفاظ على معدلات نمو مستقرة مستقبلًا، عبر الاعتماد على عدد من العوامل في مقدمتها تنشيط صادراتها وإيرادات القطاع السياحي.
و تتوقع وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، زيادة عدد الوافدين إلى المغرب بشكل كبير في عام 2024، وذلك بناءً على قدرة السوق على التعافي في عام 2023 وبلوغه مستويات ما قبل جائحة كوفيد 19، وعلى المدى المتوسط (2024-2028) سيتم دعم النمو السنوي المتوقع بنسبة 4.4٪ من خلال خريطة الطريق الاستراتيجية للسياحة 2023-2026 للحكومة.
وأرجعت الوكالة هذه الأرقام استناداً إلى إعلان كانون الثاني (يناير) 2024 المتعلق بأعداد الوافدين إلى المغرب لعام 2023، الذي بلغ 14.5 مليون وافد، فيما تمثل هذه زيادة نسبة 112.1% على مستوى ما قبل جائحة كورونا (2019) وتتجاوز توقعات الوكالة نفسها لعام 2023، بأن يستقبل المغرب 11 مليون وافد لهذا العام.
عوامل داعمة
الى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي المغربي علي الغنبوري، في تصريحات خاصة الى "النهار العربي" أن تأكيد تقييم "ستاندرد آند بورز النظرة المستقبلية الى الاقتصاد المغربي بصورة إيجابية يرجع إلى إصلاحات الموازنة وتحسن المؤشرات على صعيد عجزها والميزان التجاري الذي تراجع لأول مرة الى أقل من 30 مليار دولار بنسبة تراجع تفوق الـ3، 7 في المئة.
وأضاف أن أحد الأسباب أيضًا يتمثل في تحسن المؤشرات الاقتصادية القطاعية في المغرب، وجميعها عوامل تُعزز من قوة الاقتصاد وتمنح المغرب أوراقا تفاوضية وقوى عديدة على صعيد تصنيفات وكالات التمويل ومؤسسات التمويل الدولية، وبما يضمن سيادة المغرب المالية ويضمن الاستقرار الاقتصادي.
طفرة في مجالات الحماية الاجتماعية
كما أشار إلى أن هذه النظرة الإيجابية دعمتها أيضًا توجهات الدولة في المجال الاجتماعي التي بدأت منذ عام 2022، والإنخراط في استراتيجية تنموية جديدة في ضوء نموذج تنموي وخطة تهدف في الأساس إلى تعزيز الأوضاع الاجتماعية في المغرب وتحسينها، لذلك تم تبني خطة عرفت بتعميم الحماية الاجتماعية في عدد من المجالات مثل الرعاية الصحية، تعميم التعويضات والدعم الاجتماعي لفئات، وكذلك محور خاص بتعميم التقاعد فضلًا عن محور خاص بالتعويض عن فقدان العمل.
وأوضح أن المغرب نجح خلال العامين الماضيين بتنظيم ورشتي العمل المتعلقين بالحماية الاجتماعية وخاصة التغطية الاجبارية عن الأمراض، وكذلك الدعم الاجتماعي المباشر وهو ما شمل أكثر من 22 مليون مستفيد من خارج هذه المنظومة بشكل أولي من هذه البرامج وبخاصة التغطية الصحية.
وأكد ضرورة دعم الخطط المستقبلية ومعالجة الإشكاليات التي قد تتزامن مع تنفيذ خطط الحماية الاجتماعية، وأبرزها ما يتعلق بتحدي الاستدامة المالية، بخاصة أن المغرب سيتحمل ما يقارب 51 مليار درهم بشكل سنوي، ويطرح تحديات مالية عديدة حول كيفية تعبئة هذه الأموال المحافظة على استدامة هذه التعبئة، وهو ما يتطلب محاور سريعة تشمل سهولة لتسجيل، العمل على سرعة تقديم الدعم وفرز من يستحقه وتطوير البنية الصحية وجعلها أكثر قدرة علي استقطاب مزيد من الفئات.