"تسلا تنتقل من العصر الذهبي إلى عصر مليء بالتحديات حقاً"، تصريح أدلى به الرئيس التنفيذي للمجموعة مارك فيلدز، إلى صحيفة "وول ستريت جورنال" مطلع العام الحالي، وربما كان فيلدز يتنبأ بالنتائج المخيبة للآمال للشركة خلال الربع الأول من العام الحالي والتي خالفت كل التوقعات، عبر تراجع المبيعات وانخفاض قيمة السهم وتراجع القيمة السوقية للشركة عموماً بأكثر من النصف منذ 2021 وحتى الآن، وإضافة إلى كل ذلك خسارة المنافسة أمام تألق الشركات الصينية التي بدأت تستحوذ على حصة كبيرة من سوق السيارات الكهربائية عالمياً.
هذه الأسباب مجتمعة دفعت المحللين إلى طلب إزالة اسم "تسلا" من بين شركات التكنولوجيا العملاقة السبع (Magnificent Seven) بعدما تلاشت أوقات الازدهار.
"تسلا" في أرقام
جاءت نتائج مبيعات "تسلا" خلال الربع الأول من العام الجاري "كارثية" بحسب وصف خبراء متخصصين، وبلغ عدد السيارات الكهربائية التي سلّمتها المجموعة 368.8 ألف وحدة في المجموع، مقارنة بمبيعات متوقعة من الخبراء قدرها 457 ألفاً، كما انخفض إنتاج الشركة بنسبة 8.5%، ليبلغ 433.37 ألف سيارة.
وأرجعت المجموعة انخفاض معدلات الإنتاج خلال الربع الأول من العام الحالي إلى مراحل الإنتاج الأولية للإصدار الجديد من الطراز 3 (Model 3) في مصنع فريمونت في كاليفورنيا، وأيضاً مشكلات في التسليم مرتبطة بالنزاع في البحر الأحمر، في ظل هجمات الحوثيين على السفن، وعملية التخريب التي شلّت مصنعها في ألمانيا أخيراً من قبل مجموعة من اليسار المتطرف وأدت إلى إغلاق المصنع لأيام، رغم أنه المصنع الوحيد للشركة في أوروبا.
وتراجعت قيمة سهم "تسلا" منذ بداية العام وحتى الآن بنسبة 33.62% من 248.42 دولاراً للسهم في 2 كانون الثاني (يناير) الماضي، إلى 164.90 دولاراً للسهم في ختام تداولات الجمعة 5 نيسان (أبريل) الجاري، بحسب مؤشر "ناسداك".
وتبخر أكثر من نصف القيمة السوقية للشركة بعدما فقدت 489.3 مليار دولار منذ أن بلغت ذروتها في عام 2021 عندما كانت قيمتها السوقية 1.06 تريليون دولار، بينما هبطت حتى 6 نيسان (أبريل) الجاري إلى 516.7 مليار دولار.
وخلال عام 2024 أسفر الهبوط الحاد الذي شهدته مجموعة "تسلا"، سواء على صعيد المبيعات أم في قيمة السهم إلى محو أكثر من 245 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة، ودفعها خارج قائمة أكبر 10 شركات في مؤشر "ستاندرد آند بورز" 500 (S&P 500).
وفي السياق نفسه، تراجعت ثروة مؤسس "تسلا" إيلون ماسك، بعدما خسر 47 مليار دولار منذ بداية العام الجاري، لتبلغ الآن نحو 181 مليار دولار، محتلاً المركز الرابع في قائمة بلومبرغ للأثرياء، بعد برنارد أرنو مؤسس ورئيس شركة "أل في أم أش" (LVMH) الذي احتل المركز الأول بثروة قدرها 223 مليار دولار، وثانياً جيف بيزوس مؤسس "أمازون" بقيمة 207 مليارات دولار، وثالثاً مارك زوكربيرغ مؤسس "فايسبوك" بقيمة 187 مليار دولار.
3 أسباب رئيسية وراء انهيار "تسلا"
1- شهية المستهلك بدأت تبرد تجاه سيارات "تسلا" الكهربائية الباهظة الثمن، وأصبح حلم امتلاك سيارة "تسلا" الذاتية القيادة بعيد المدى
2- المنافسة وحرب الأسعار، خصوصاً بعد نجاح الشركات الصينية وعلى رأسها شركة "بي واي دي" (BYD) في الظهور كأنها شركات ناشئة بارعة في مجال التكنولوجيا، ما جعلها تحقق المعادلة الصعبة وهي إنتاج سيارات كهربائية منخفضة التكلفة وبتكنولوجيا عالية وسعة بطاريات كبيرة. يذكر أن "بي واي دي" باعت في 2023 أكثر من 3 ملايين سيارة كهربائية وهجينة، فيما باعت "تسلا" 1.81 مليون سيارة كهربائية فقط خلال العام ذاته.
3- توجه اهتمام إيلون ماسك مؤسس شركة "تسلا" عام 2003 نحو أهداف أخرى مثل شراء "تويتر" وتأسيس شركة ذكاء اصطناعي، والدخول في صراعات مع الجميع، لا سيما شركة الذكاء الاصطناعي "أوبن إيه آي" (OpenAI).
هل ستفلس "تسلا"؟
يرى المحللون أن سهم شركة "تسلا" مقوم بأعلى من قيمته الفعلية، ويقول الشريك الإداري في شركة إدارة الاستثمار "كلين إينرجي ترانسشن" (Clean Energy Transition) بير ليكاندر، في تصريحات إلى قناة "سي إن بي سي" الأميركية: "إنها بداية النهاية الفعلية لفقاعة "تسلا"، والتي ربما تكون أكبر فقاعة شهدها سوق الأسهم في التاريخ الحديث، متوقعاً أن ينخفض سعر سهم "تسلا" بنسبة 91% من مستوى 164.9 دولاراً إلى 14 دولاراً".
ويقول ليكاندر إن مبيعات "تسلا" تتراجع منذ الربع الثاني من العام الماضي، وبالتالي فإن سهمها "لا ينمو"، ويجب تقييمه على أساس 10 أضعاف الأرباح الآجلة، مقابل نحو 58 ضعف الأرباح الآجلة حالياً. وتعد الأرباح الآجلة أداة يستخدمها المتداولون لقياس قيمة السهم. ولكن حتى الآن لا يزال سهم "تسلا" يتداول بنحو 55 ضعف أرباحه الآجلة، مقارنة بمتوسط نحو 31 بحسب مؤشر بلومبيرغ ماغنيفيسنت سيفن (Bloomberg Magnificent 7 Price Return Index).
وهو ما أيده المحلل من شركة "ويلز فارغو" للاستثمار، كولين لانجان، متوقعاً عدم حدوث أي نمو في حجم مبيعات "تسلا" خلال عام 2024 الجاري، وأن يسوء الأمر خلال عام 2025 إذ ستنخفض الأحجام، قائلاً: "تسلا أصبحت شركة نمو بغير نمو".
ويرى ليكاندر أن المشكلة الرئيسية التي تواجه "تسلا" هي "مشكلة انخفاض الطلب" وذلك بسبب أن الشركة لا تطور من نفسها ولا تزال تعتمد في مبيعاتها على الطرازين 3 وY، وبحسب بيانات الشركة فهي لا تنوي إصدار أي سيارات جديدة حتى نهاية 2025، لذلك استبعد ليكاندر حدوث أي انتعاش في مبيعات "تسلا" خلال العامين المقبلين؛ لأن نماذج "تسلا" 3 وY أصبحت قديمة كما أن الاقتصاد الأميركي "لا يزدهر" على حد قوله.
ويقول مدير المحفظة في شركة "أكتوس كابيتال أدفيزورس" (Aptus Capital Advisors)، ديفيد واغنر، إن السوق العالمي حالياً تخلى عن فكرة كهربة أسطول السيارات التي ازدهر ولمع من خلالها نجم "تسلا"، واتجه نحو الذكاء الاصطناعي، وقد تراجعت المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة إلى حد ما، وبالتالي قد لا يكون هناك ما يبرر المبالغة في تقييم سهم "تسلا" وفقاً لتاريخه، بخاصة مع تباطؤ نمو الإيرادات والهامش في المستقبل".
بارقة أمل من كاثي وود
ورغم التوقعات المتشائمة بشأن أداء مجموعة "تسلا"، هناك بارقة أمل، فقد دافعت المستثمرة الأميركية كاثي وود مؤسسة ورئيسة شركة "آرك إنفيست" (ARK Invest)، عن فرص نمو شركة "تسلا"، وحددت السعر المستهدف للسهم عند ألفي دولار على الرغم من الضغوط الأخيرة التي تعرض لها؛ إذ ترى أن إعلان "تسلا" طرحها التاكسي الآلي في آب (أغسطس) المقبل سيحقق إيرادات تتراوح بين 8 تريليونات و10 تريليونات دولار بحلول عام 2030، و"هي واحدة من أهم الفرص الاستثمارية في حياتنا".
وترى وود أن "تسلا" تستعد لحدوث تحول في عالم النقل، وفي غضون أعوام قليلة، ستشكل السيارات والشاحنات الكهربائية 80% من إجمالي مبيعات المركبات.
ويتعاطف المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "50 بارك للاستثمارات" آدم سرحان، مع شركة "تسلا"، قائلاً: "في الوقت الحالي، البائعون هم المسيطرون والسوق بحاجة إلى محفز صعودي ليكون متحمساً له".