كارثة إنسانية ودمار اقتصادي... تداعيات خطيرة تواجهها دولة السودان عقب مرور عام على إندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في نيسان(أبريل) 2023 ، لتوجد وضعاً مأسوياً غير مألوف وتخلق شللاً تاماً في جميع مناحي الحياة والمنظومة الاقتصادية بأكلمها.
ووفقًا لأحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات، شردت الحرب المستمرة بدولة السودان الملايين من منازلهم وأدخلت 25 مليوناً في دائرة الجوع، وسط مخاوف قوية من تحول الصراع إلى حرب أهلية.
وتتسع رقعة رقعة الحرب خلال الفترة الأخيرة لأكثر من 70 بالمئة من مساحة البلاد، وتتسبب في دمار اقتصادي بمليارات الدولارات.
أبرز التداعيات
ومع استمرار دائرة الحرب، تجلت ملامح خطيرة تعكس انهيار المنظومة الاقتصادية في السودان وأبرزها:
- انهيار شبه تام للقطاع المصرفي مع تعرض 100 فرع من المصارف العامله في السودان للنهب والسرقة والتدمير.
- شلل تام بمعظم الموانئ الجافة ونقاط التجارة الحدودية.
- تفاقم معدلات البطالة لأكثر من 55%.
- إرتفاع معدلات الفقر لمستويات قياسية وإنعدام الأمن الغذائي.
- تدمير البنية التحتية وآلية تشغيل القطاعات الخدمية.
- توقف شبه تام لحركة الصادرات.
إنعدام الأمن الغذائي
ووفقًا لتقرير حديث صادر من الأمم المتحدة، يواجه نحو 17.7 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 4.9 مليون شخص على حافة المجاعة، بالإضافة إلى افتقار نحو 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان إلى مساعدات إنسانية.
وأشار التقرير إلى فرار أكثر من 8.6 مليون شخص – حوالي 16 بالمئة من إجمالي سكان البلاد – من منازلهم منذ بدء النزاع.
تداعيات كارثية
وفي ضوء ذلك، يقول الخبير الاقتصادي في السوادن هيثم فتحي إلى "النهار العربي" أن المنظومة الاقتصادية في السودان تعرضت لأزمات وتداعيات خطيرة على مدار العام الأخير ومنذ إندلاع الحرب تمثلت أبرز ملامحها في انخفاض قيمة الجنية السوداني مقابل العملات الاجنبية، وتوقف 70 بالمئة من فروع المصارف، ونهب ممتلكات وأصول وموجودات البنوك، وتراجع صادرات النفط إلى 150 ألف برميل يوميا من 350 ألفا قبل ذلك.
أضاف أن التداعيات شملت أيضًا انهيار المستوى المعيشي للمواطن وارتفاع معدل الفقر، بجانب نهب ممتلكات المواطنين وأموالهم وهجرة رجال أعمال وتجار عاملين في القطاعات الصناعية والحرفية من مشغلي الأيدي العاملة إلى دول مجاورة أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 55%.
وأوضح أن تدهور الأوضاع على الصعيد الأمني تسبب بضعف آلية تشغيل البنى التحتية والقطاعات الخدمية وبالتالي تعطيل الدورة الاقتصادية وتهالك سوق الإنتاج، مترافقاً مع ضعف القدرة الشرائية لشريحة واسعة من السودانيين مما زاد معدلات الفقر.
تفاقم معدلات التضخم
هذا وتشهد البلاد مؤشرات اقتصادية كارثية متمثلة في تجاوز معدلات التضخم 520 بالمئة، فضلا عن دخول 40 بالمئة في دائرة البطالة.
بالإضافة إلى مضاعفة السلع الغذائية الرئيسية بأكثر من ثلاث مرات بسبب توقف سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني، والذي يجري تداوله حاليا عند 1400 جنيه، مقارنة مع 600 جنيه قبل اندلاع الحرب.
دعم مادي طارئ
وأشار الخبير الاقتصادي هيثم فتحي إلى أن دولة السودان ومواطنيها يحتاجون إلى دعم مادي طارئ يلبي جزءا قليلا من احتياجاتهم الأساسية المتزايدة والاهتمام بالإنتاج المحلي وتطوير القطاع الزراعي لتوفير الغذاء، خاصة عقب وصول عدد النازحين إلى 10 ملايين و700 ألف شخص.
وأوضح أن الحرب السودانية مثلت عبئًا هائلًا على الاقتصاد السودانى، حيث تسببت بتدهور البنية التحتية الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الأمن الغذائي، مضيفاً أن استعادة النمو الاقتصادي واستقرار السودان يتطلبان جهودًا كبيرة لإعادة إعمار البنية التحتية، وتعزيز الاستثمارات، ودعم القطاعات الزراعية والصناعية.
مساعدات بقيمة ملياري يورو
وشهدت الفترة الأخيرة إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تعهد مؤتمر باريس حول السودان بتقديم مساعدات إنسانية تزيد على ملياري يورو لدعم المدنيين في الدولة الأفريقية التي تشهد نزاعًا داميًا منذ عام.
ومن المقرر أن تساهم دول الاتحاد الأوروبي بـ900 مليون يورو من التعهدات الإجمالية التي تبلغ حصة فرنسا فيها 110 ملايين.
آثار سلبية مستقبلية
واستكمالًا لذلك، يؤكد الدكتور وائل فهمي، المحلل الاقتصادي، لـ"النهار العربي" على صعوبة وضع تقديرات حقيقية ثابتة لحجم خسائر الاقتصاد السوداني مع استمرار الحرب
أضاف أن هناك علاقة طردية بين أمد أو طول فترة الحرب وحجم التدمير الذي تلحقه هذه الحرب بكل جوانب الحياة شاملة للبيئة الطبيعية، فكلما طالت فترة الحرب كلما زاد حجم الخسائر الناتجة عن التدمير للاصول البيئية والاقتصادية وبنية الأمن العام ذات الصلة وقيمتهم الاقتصادية.
وأشار إلى أنه في ضوء تلك التحديات واستمرار الحروب الداخلية بالسودان، ترتفع مجازفة رؤوس الاموال في الاستثمار بحدة شديدة في دولة تعاني ليس فقط من ارتفاع تكاليف مثل هذه الحروب الداخلية بل في ضوء انهيار اقتصادي قوي اقتصادي، وضياع رؤوس اموالها بالنهب والسلب والتدمير للعديد من المشاريع في مجال الصناعة والخدمات والزراعة، والصادر والوارد.
وأوضح أن ما شهدته الدولة من تدمير سيكون له أثر سلبي مستقبليًا في تشجيع رؤوس الاموال، الخاصة تحديداً، للاستثمار في ظل خراب البنيات الاساسية كالكهرباء والمياه والطرق وإنفراط الأمن وانتشار السلاح حاليا.
ولهذا، بعد انتهاء الحرب ستكون هناك مجهودات جبارة لإعادة الحياة في كل جوانبها، إلى مجراها الطبيعي بما يوفر الحوافز لتشجيع المستثمرين للعودة بقوة، لكن حاليًا السودان في حالة هروب مستمر في ظل الدمار المستمر بما يعقد البيئة الاستثمارية.