النهار

من الممرات البحرية إلى النفط والبتكوين... ما هي التأثيرات الاقتصادية للتّوترات المتصاعدة بالشّرق الأوسط؟
كريم حمادي
المصدر: النهار العربي
أكد البنك الدولي في أحدث تقاريره أن الآثار الاقتصادية للحرب في غزة على مستوى المنطقة ضبابية من حيث الحجم، وتعتمد إلى حد ما على ما إذا كان الصراع سيتسع وكيفية هذا الاتساع
من الممرات البحرية إلى النفط والبتكوين... ما هي التأثيرات الاقتصادية للتّوترات المتصاعدة بالشّرق الأوسط؟
قارب بحرية يمني في دورية بالقرب من مضيق باب المندب
A+   A-

في تقريره الأحدث عن "الصراع والديون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الصادر يوم الاثنين، يؤكد البنك الدولي أن "الآثار الاقتصادية للحرب في غزة على مستوى المنطقة ضبابية من حيث الحجم، وتعتمد إلى حد ما على ما إذا كان الصراع سيتسع وكيفية هذا الاتساع"، مشيراً إلى أن المنطقة تلقت مجموعة من الصدمات العالمية خلال السنوات الثلاث الماضية، هي جائحة كوفيد-19 والصراع الروسي الأوكراني وارتفاع معدلات التضخم وتشديد السياسات النقدية ورفع أسعار الفائدة عالمياً، والصراع الأخير في الشرق الأوسط، سواء في غزة أو هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر أو الصراع الإيراني الإسرائيلي، وعليه فإن نسب تأثر البلدان العربية بهذه الصدمات متفاوتة.

 

• تفاوت التأثير وتراجع للنمو

واستبعد التقرير تأثر دول مجلس التعاون الخليجي والجزائر وليبيا والمغرب بالصراع في الشرق الأوسط، فيما أكد تأثر بلدان مثل اليمن والأردن ومصر وسوريا وإيران والعراق ولبنان بالتوترات الجيوسياسية في المنطقة.

 
 

وتوقع البنك الدولي أن تعود اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى معدلات النمو المنخفض المماثلة للفترة التي سبقت جائحة كوفيد-19، وأن يرتفع إجمالي الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2.7% في عام 2024، وهي زيادة طفيفة من 1.9% بنهاية العام الماضي.

وأفاد التقرير بأن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي والجزائر وليبيا والمغرب، ليست في مأمن تام عما يدور حولها من صراعات، وأنها قد تتعرض لصدمات في أسعار السلع الأولية، وذلك نتيجة تأثر سلاسل الإمداد وحركة الملاحة.

 

وحذّر من أن البلدان المجاورة للصراع الدائر في غزة، وهي مصر والأردن هما الأكثر عرضة للتأثيرات المباشرة للصراع، ففي مصر تعرضت مناطق سياحية مثل طابا ومرسى علم وشرم الشيخ للتوقف شبه التام منذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كما قدرت وكالة بلومبيرغ إنتليجنس خسائر قناة السويس جراء هجمات الحوثيين على الناقلات وتهديد حركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بنحو 508 ملايين دولار في كانون الثاني (يناير) الماضي فقط، بنسبة تراجع 44% على أساس سنوي، وهو ما دفع كبرى شركات الشحن العالمية مثل ميرسك لتحويل مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، كما علّقت شركة شحن السلع الأميركية ستار بالك كاريرز كل عمليات النقل عبر البحر الأحمر بعدما تعرضت سفينتان تابعتان لها لهجمات حوثية مطلع شباط (فبراير) الماضي.

 
 
 
 
 

والأمر نفسه في الأردن الذي تكبد قطاع السياحة به خسائر تتراوح بين 250 إلى 281 مليون دولار شهرياً، مع إلغاء حجوزات فندقية بنحو 60%، حسبما أكد وزير السياحة والآثار الأردني مكرم القيسي، في تصريح له خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

 

ولا تقتصر الخسائر على القطاع السياحي فحسب، بل امتدت أيضاً إلى السلع المستوردة التي قفزت أسعارها نتيجة ارتفاع قيمة الشحن وصعوبة دخولها للبلاد، كما ترتب على ذلك ضعف في إيرادات النقد الأجنبي وزيادة في الضغوط على المالية العامة للدول المتضررة.

 

ولفت التقرير إلى تأثر أيضاً بلدان مثل سوريا وإيران والعراق ولبنان جراء التوترات الجيوسياسية الراهنة، ويتجسد هذا التأثير في ارتفاع معدلات التضخم ونقص في بعض السلع الأساسية وأيضاً الخدمات المرتبطة بالطاقة. ففي لبنان تحديداً توقعت وكالة ستاندرد آند بورز تراجع الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 10% جراء الصراع الراهن في الشرق الأوسط.

وفي السياق نفسه، استبعدت "ستاندرد آند بورز" احتمال توسع الصراع في الشرق الأوسط، وتوقعت أنه "على المدى القصير، المخزونات الكبيرة من الأصول الحكومية الخارجية القابلة لإعادة التوزيع، ستدعم لتصنيفات الائتمانية لكل من الإمارات والكويت وقطر والسعودية".

 

وفي ما يتعلق بسلطنة عُمان، أدى التراجع السريع للمديونية إلى تعزيز الميزانية العمومية للسلطنة، ومن غير المرجح أن تتعرض البلاد لضغوط بسبب إغلاق طرق التصدير نظراً لموقعها الجغرافي، بينما ترى "إس آند بي" أن البحرين أكثر عرضة للحصول على تمويلات من الخارج؛ نظراً لارتفاع احتياجات التمويل الخارجي لقطاعها المصرفي.

 

وتقول "إس آند بي" في بيانها إن المزيد من التصعيد الجيوسياسي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والوضع الأمني في العراق ولبنان والأردن ومصر، خاصة إذا وقعت هجمات انتقامية في تلك الدول.

ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تصريحات المستشار المالي السابق لرئيس الأركان الإسرائيلي العميد رام عميناح، التي أفادت بأن إسرائيل تكبدت نحو 5 مليارات شيكل (1.35 مليار دولار) لاعتراض عشرات الصواريخ والطائرات المُسيّرة الإيرانية يوم السبت 13 نيسان (أبريل) الماضي.

 

• كيف أثرت التوترات في أسعار النفط؟

تسبب تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، منذ بداية نيسان الجاري، في ارتفاع أسعار النفط تحسباً لحدوث اضطرابات في سلاسل الإمداد حال تعرض الممرات الملاحية لهجمات أو غلقها لحين تهدئة الأوضاع.

وارتفع سعر خام برنت يوم 12 نيسان الجاري ليغلق عند مستوى 90.45 دولار للبرميل، لكنه عاد للهبوط من جديد في ظل تقلص تأثير هجمات إيران، وكذلك هجمات الحوثيين على البحر الأحمر، خصوصاً بعد التدخل الأميركي بالمقاتلات الحربية لحماية مصالح حلفاء واشنطن في المنطقة وسط دعم عربي من الأردن، ليسجل سعر خام برنت في 15 نيسان الجاري 90.10 دولاراً للبرميل، ثم فقد سعر البرميل 0.13% من قيمته ليسجل 89.98 دولاراً.

وتوقع بنك "غولدمان ساكس" وصول سعر برميل النفط من خام برنت إلى 95 دولاراً خلال النصف الأول من العام الجاري.

ومثلما استفاد خام برنت من التوترات في المنطقة، ارتفع أيضاً سعر الخام الأميركي في 10 نيسان إلى 86.21 دولاراً، لكن بعدما أظهرت المؤشرات صعوبة توسع التوترات بالمنطقة واحتواء تداعياتها، تراجع سعر الخام الأميركي إلى 85.66 دولاراً في 12 من الشهر الجاري، وصولاً إلى 85.30 دولاراً في ختام تداولات الثلثاء الماضي.

 

• الممرات الملاحية

ترى وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" أن التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، من شأنه تهديد الممرات المائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخصوصاً في 3 مناطق استراتيجية هي: مضيق هرمز الذي يمر من خلاله 21.7 مليون برميل نفط يومياً، وقناة السويس التي تربط الشرق بالغرب ويمر عبرها 23 ألف سفينة سنوياً، ومضيق باب المندب الذي يستقبل يومياً 6.2 ملايين برميل نفط.

 
 

وتسببت الهجمات الحوثية في تحويل أكثر من 500 سفينة حاويات عن البحر الأحمر تمثل ربع سعة شحنات العالم، وانخفض دخل قناة السويس المصرية 40% خلال الفترة من 1 إلى 14 كانون الثاني 2024، كما تراجع عدد السفن المارة من القناة من 777 سفينة إلى 544 سفينة خلال الفترة ذاتها، وتراجعت أيضاً التجارة العالمية بنسبة 1.3% خلال شهري تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، فيما تضاعفت تكلفة شحن الحاويات من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط بمعدل 4 أضعاف منذ تشرين الثاني الماضي وحتى الآن، بحسب بيانات شركة شحن البضائع "فريتوس".

وتشير خبيرة النفط والغاز في منطقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتايان، في تصريحات صحافية، إلى أن الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة كانت تغض الطرف عن صادرات النفط الإيراني للأسواق العالمية، لتهدئة الأوضاع والحد من مخاطر طهران على المصالح الأميركية في المنطقة، لكن الآن باتت المواجهة مباشرة؛ وهو ما ينذر بدخول أطراف إقليمية أخرى في الصراع وتوسع رقعته، خصوصاً بعدما أكدت إسرائيل في بيان لها صدر يوم الإثنين الماضي، أن الهجوم الإيراني لن يصرف اهتمامها عن الحرب التي تخوضها في غزة.

وبالانتقال إلى حركة الملاحة الجوية، أظهر موقع مراقبة حركة الطائرات "فلايت رادار"، الأجواء شبه خالية في سماء إسرائيل وسوريا ولبنان والأردن والعراق أثناء الهجوم الإيراني، حيث أغلقت جميعها مجالها الجوي، بعدما أجبر الصراع نحو 12 شركة طيران، بما في ذلك لوفتهانزا الألمانية، والخطوط الجوية المتحدة، والخطوط الجوية الهندية، وخطوط كانتاس الأسترالية، على إلغاء أو تغيير رحلاتها، وهو أكبر اضطراب تشهده الملاحة الجوية منذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

وواصلت وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي تحذيراتها في المجالين الجويين لإيران وإسرائيل، بالإضافة إلى نحو 100 ميل بحري في المنطقة المحيطة بإسرائيل، رغم عدم وجود خطر مباشر على تحليق الطيران المدني في تلك المناطق في الوقت الحالي.

 

• ماذا أصاب بيتكوين والذهب والدولار؟

فقدت عملة بيتكوين المشفرة أكثر من 430 مليار دولار من قيمتها السوقية بعدما خسرت 7% من قيمتها منذ الهجوم الإيراني على إسرائيل يوم السبت الماضي، وهبط سعر العملة من مستوى 70.9 ألف دولار للعملة الواحدة في 12 من الشهر الجاري إلى مستوى 62.8 ألف دولار في ختام تداولات الثلثاء 16 نيسان، بحسب بيانات منصة "كوين ماركت كاب".

تجدر الإشارة إلى أنه خلال يومي السبت والأحد الماضيين (فترة الهجوم الإيراني على إسرائيل) أصيب سوق الكريبتو بالذعر وانخفضت قيمته السوقية بنسبة 20% من 2.64 تريليون دولار لنحو 2.21 تريليون دولار، وسط عمليات بيع مكثفة للعملات المشفرة.

 

وتنطبق مقولة "إن مصائب قوم عند قوم فوائد" على حال أسعار الذهب في أعقاب التوترات الراهنة بالمنطقة، حيث ارتفع سعر الأوقية (الأونصة) من 2,348 دولاراً في 10 نيسان، إلى 2,405 دولارات في ختام تعاملات الثلاثاء 16 نيسان، بدعم من الإقبال الكبير على الملاذات الآمنة في ظل التوترات الجيوسياسية بالمنطقة.

وعن سعر الدولار فقد سجل أعلى مستوياته في خمسة أشهر يوم الثلثاء الماضي، ليرتفع بنسبة 4% خلال الأسابيع الستة الماضية؛ وجاء هذا الارتفاع مدعوماً بتوجه الفيدرالي الأميركي نحو الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية دون تخفيض خلال الفترة الراهنة، فيما تتعرض البنوك المركزية الأخرى لضغوط من أجل تخفيف السياسة النقدية؛ فكلما كانت الفائدة مرتفعة عانى الاقتصاد بطء النمو، نتيجة لارتفاع تكلفة الاقتراض وجاذبية عوائد السندات ذات الفائدة المرتفعة، وينتج من ذلك تراجع في استثمارات الدولة ومعدلات التوظيف.

 

اقرأ في النهار Premium