فرضت التغيرات المناخية وآثارها المدمرة نفسها على الخريطة الاستثمارية. وبات الاستثمار المناخي ركيزة أساسية يتعين على الحكومات والشركات والمجتمع الدولي العمل معاً لزيادتها.
ووفقاً لتقرير صادر عن "أس أن بي غلوبال"، يمكن أن يتعرض نحو 8 في المئة في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط والخليج للخطر سنوياً بحلول عام 2050، في حال عدم اتخاذ تدابير للتكيف مع تغير المناخ كنتيجة رئيسية للحر الشديد والإجهاد المائي.
ونتيجة لذلك، حدد خبراء واقتصاديين في تصريحات خاصة إلى "النهار العربي" عدداً من القطاعات التي تتطلب زيادة الاستثمار فيها لدعم قدرات دول المنطقة على مواجهة المتغيرات المناخية وتحقيق مكاسب بيئية واقتصادية مشتركة.
وتتمثل تلك القطاعات، بحسب الخبراء، بقطاع الطاقة المتجددة، في ضوء عوائده، ليس فقط عبر توفير بدائل نظيفة للطاقة، بل بتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى دعم البنية التحتية الخضراء وتطويرها، مثل مشاريع الزراعة المستدامة وإدارة المياه، والتي يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تحسين القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية وزيادة الأمن الغذائي.
عوائد بيئية واقتصادية
وفي ضوء ذلك، يؤكد الباحث في الشؤون الاقتصادية مازن أرشيد، في تصريحات خاصة الى"النهار العربي"، أن الاستثمار في مواجهة التغيرات المناخية يعد إحدى الركائز الأساسية للتنمية المستدامة، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعرضت أخيراً للعديد من الكوارث الطبيعية مثل السيول والفيضانات.
ورأى أن هذه الظواهر الجوية القاسية تسلط الضوء على أهمية توجيه الاستثمارات نحو مشاريع تعزز من قدرة الدول على التكيف والصمود في وجه التغيرات المناخية.
وأشار إلى أن الاستثمارات في هذه المجالات لا تأتي فقط بفوائد بيئية، بل تعود أيضاً بالنفع الاقتصادي، اذ أظهرت الدراسات أن كل دولار يُستثمر في التكيف مع التغيرات المناخية يمكن أن يولد عوائد تتراوح بين 2 إلى 10 دولارات من خلال تقليل الأضرار التي قد تنتج من الكوارث الطبيعية، وهذا يؤكد أن الاستثمار في مجالات مكافحة التغيرات المناخية لا يعتبر تكلفة، بل هو استثمار مجز يعزز النمو الاقتصادي ويحمي الأصول الوطنية.
توجهات أخيرة
وشهدت الأعوام الأخيرة محاولات قوية من جانب عدد من دول المنطقة لمواجهة تبعات المتغيرات المناخية ودعم اقتصاداتها في الحد منها وتحقيق عوائد اقتصادية وبيئية معاً.
وتتصدر دولة الإمارات المشهد على هذا الصعيد، وهي أول دولة في المنطقة تعلن عن مبادرة استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
كما شهدت نهاية العام الماضي، إعلان رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، والذي صمم لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة، وهو يهدف إلى تحفيز جمع 250 مليار دولارواستثمارها بحلول عام 2030.
نموذج الإمارات
ومع الحديث عن توجهات دول المنطقة، يسلط أرشيد الضوء على دولة الإمارات التي تمتلك استراتيجيات متعددة مثل "رؤية الإمارات 2021" التي تضمنت مجموعة من الأهداف البيئية، بما في ذلك زيادة نسبة الطاقة النظيفة في إجمالي الطاقة المستهلكة، ومن الأمثلة على ذلك، مشروع "محطة محمد بن راشد للطاقة الشمسية"، والذي يعد واحداً من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم، ما يعكس التزام الدولة بتطوير حلول الطاقة المستدامة.
متطلبات المرحلة المقبلة
وعلى صعيد أبرز متطلبات المرحلة المقبلة لدول منطقة الشرق الأوسط، يرى الخبير الاقتصادي أحمد المسيري في تصريحات خاصة إلى "النهار العربي"، أن تعزيز أوجه الاستدامة ومراعاة المتغيرات المناخية والتقلبات المتوقعة أصبحا ضرورة أساسية يجب مراعاتها في مختلف استراتيجيات الدول الاقتصادية.
وقال إن الفترة المقبلة تتطلب عدداً من الإجراءات الهادفة إلى التكيف وسرعة مواجهة تلك المتغيرات، بل تحقيق عوائد إيجابية على الصعيد البيئي والاقتصادي معاً، متمثلة في:
- زيادة أوجه الإنفاق على عمليات البحث والتطوير في التقنيات البيئية.
- محاكاة التجارب العالمية المتطورة في ذلك المجال للاستفادة من الخبرات المختلفة.
- تنويع الفرص وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص في ذلك المجال.
- توجيه استخدام الذكاء الاصطناعي وزيادته في تحقيق أكبر استفادة ممكنة في المجالات والمشاريع المختلفة في تلك المجالات.