ارتفع الإنفاق العالمي الإجمالي على الطاقة النظيفة بنسبة 17% على أساس سنوي خلال عام 2023 ليصل إلى 1.8 تريليون دولار، وفقاً لتقرير نشرته منظمة بلومبرغ "إن إي إف" (BloombergNEF) للأبحاث ومقرها لندن، في 30 كانون الثاني (يناير) الماضي، وتتضمن هذه الاستثمارات منشآت الطاقة المتجددة ومشروعات إنتاج الهيدروجين، وشراء السيارات الكهربائية، ونشر تقنيات أخرى. بالإضافة إلى الاستثمارات في بناء سلاسل توريد الطاقة النظيفة، بجانب تمويل قدره 900 مليار دولار، ليصل إجمالي التمويل في 2023 إلى نحو 2.8 تريليون دولار، لكن هذا الرقم لا يزال أقل من تقديرات المنظمة التي قدرت حجم التمويل المطلوب بأكثر من 4.8 تريليونات دولار مطلوبة سنوياً بين عامي 2024 و2030 لوضع العالم على مسار صافي الانبعاثات الصفرية.
أظهر تقرير حديث صادر عن وكالة الطاقة الدولية في 6 أيار (مايو) الجاري، اطلعت "النهار العربي" على نسخة منه، بعنوان "النهوض بالتصنيع التكنولوجي النظيف"، أن الاستثمار العالمي في تصنيع خمس تقنيات رئيسية للطاقة النظيفة هي الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وطاقة الرياح، والبطاريات، والمحللات الكهربائية، والمضخات الحرارية، ارتفع إلى 200 مليار دولار بنهاية عام 2023، لينمو بأكثر من 70% عن عام 2022 بما يمثل نحو 4% من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وترى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن 90% من كهرباء العالم ينبغي أن تولد من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.
ويقول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول "إن التقنيات النظيفة تذهب بعيداً عن الوقود الأحفوري.. مقابل كل دولار يُستثمر في الوقود الأحفوري، يذهب 1.7 دولار الآن إلى الطاقة النظيفة".
وأضاف بيرول، أنه قبل خمسة أعوام كانت هذه النسبة واحداً إلى واحد، وهذا مثال على التحول في الاستثمار إلى الطاقة الشمسية، والذي يتفوق على استثمارات النفط لأول مرة.
ولزيادة قدرة الطاقة المتجددة يجب تركيب ما يقارب 1,100 غيغاواط من الطاقة المتجددة سنوياً بحلول عام 2030، وهو أكثر من ضعف الرقم القياسي المسجل في عام 2023. ويشير ذلك إلى ضرورة زيادة الاستثمارات السنوية في توليد الطاقة المتجددة من 570 مليار دولار في 2023 إلى 1,550 مليار دولار وسطياً كل عام بين 2024 و2030. وفق تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا) الصادر في آذار (مارس) 2024.
الفرق بين الطاقة النظيفة والمتجددة
الطاقة النظيفة (Clean Energy) هي الطاقة التي تولد من مصادر طبيعية ولا تلوّث البيئة، حيث تكون انبعاثاتها الكربونية منخفضة وشبه منعدمة، بينما الطاقة المتجددة (Renewable Energy) هي أحد أنواع الطاقة النظيفة، وما يميزها هو أنها تتجدد تلقائياً بكميات أكبر من الأحجام المستهلكة منها.
ومن أمثلة الطاقة النظيفة: الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، طاقة المياه، الطاقة الناتجة من الهيدروجين، والطاقة الناتجة من احتجاز الكربون، وغيرها من المصادر المتنوعة الأخرى.
حجم إنفاق البلدان العربية على الطاقة النظيفة
بلغت قيمة سوق الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 35,379 مليون دولار بنهاية عام 2022، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي مركب قوي يبلغ حوالي 6.6% خلال الفترة المتوقعة (2023-2030) بحسب بيانات شركة أبحاث السوق (UnivDatos Market Insights - UMI) ومقرها الرئيسي في الهند.
تقول الوكالة الدولية للطاقة المتجددة – أيرينا، إن البلدان النامية لم تتلقَ ما يكفي من فرص الاستثمار على الرغم من إمكاناتها الكبيرة في الطاقة المتجددة. فرغم أن الاستثمارات العالمية في تحول الطاقة تجاوز تريليوني دولار في عام 2023، إلا أن الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية لم تستحوذ سوى على أكثر من نصف هذه القيمة بقليل.
وفي السياق نفسه، أعلنت مجموعة التنسيق العربية، وهي تحالف استراتيجي لمؤسسات التنمية الإقليمية والدولية، في كانون الأول (ديسمبر) 2023 خلال مؤتمر الأطراف COP28 عن تخصيص 10 مليارات دولار حتى عام 2030 لدعم التحول للطاقة النظيفة في البلدان النامية.
واجتذبت 120 دولة نامية خلال العام الماضي 15% فقط من الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة، بينما بلغ نصيب منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أقل من 1.5% من الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة، على الرغم من أنها تضم أكبر عدد من الأشخاص المحرومين من مصادر الطاقة، بحسب أيرينا.
ورفعت الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قدراتها في مجال الطاقة المتجددة 57% في الفترة من منتصف 2022 إلى منتصف 2023 لتصل إلى 19 غيغاوات، وسط توقعات بمزيد من الارتفاع خلال عام 2024 الجاري.
السعودية
أطلق الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، عام 2021 "مبادرة السعودية الخضراء"، التي تستهدف ضخ استثمارات بنحو 266 مليار دولار لتوليد طاقة نظيفة، بموازاة خفض انبعاثات الكربون بمقدار 278 مليار طن سنوياً بحلول عام 2030.
يستهدف صندوق الاستثمارات العامة السعودي، تطوير 70% من قدرة الطاقة المتجددة في المملكة بحلول عام 2030، عبر دعم العديد من المشروعات منها: مشروع سدير للطاقة الشمسية، وهو إحدى أكبر محطات الطاقة الشمسية على مستوى العالم بطاقة 1.5 غيغاوات، بالإضافة إلى مشروع مشترك بين نيوم، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، وشركة إير برودكتس وأكوا باور، والتي يمتلك الصندوق حصة فيها؛ لتطوير مصنع الهيدروجين الأخضر، والذي يعد المشروع الأضخم من نوعه على مستوى العالم.
وبلغت القدرة الإنتاجية من الطاقة المتجددة في السعودية عام 2023 نحو 2.2 غيغاواط، وهناك مشروعات بقدرة إجمالية تتخطى 8 غيغاواط تحت الإنشاء، وتخطط حكومة المملكة لطرح عطاءات لنحو 20 غيغاواط خلال العام الجاري 2024.
ونهاية عام 2023، صرّح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، بأن المملكة تستهدف إضافة 20 غيغاواط سنوياً من الطاقة المتجددة، لتصل إلى قدرة إجمالية بنحو 130 غيغاواط بحلول 2030.
الإمارات
خصصت الإمارات 600 مليار درهم (163.36 مليار دولار) للاستثمار في الطاقة النظيفة حتى عام 2050، من بينها شراكة استراتيجية بين الإمارات والولايات المتحدة لاستثمار 100 مليار دولار لإنتاج 100 غيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول 2035، واستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة في 70 دولة بقيمة إجمالية تقارب 16.8 مليار دولار، وموَّل صندوق أبو ظبي للتنمية أكثر من 75 مشروعاً استراتيجياً في العديد من دول العالم بقيمة تجاوزت 4 مليارات درهم (1.09 مليار دولار)، وفي عام 2022 أنفقت الإمارات 159 مليار درهم (43.29 مليار دولار) قيمة 11 مشروعاً للطاقة الصديقة للبيئة، كما تنتشر محفظة مشاريع شركة "مصدر" في أكثر من 40 دولة حول العالم وتتجاوز قيمتها الإجمالية 30 مليار دولار، وتطمح الشركة لرفع القدرة الإنتاجية لمحفظة مشاريعها من الطاقة المتجددة إلى 100 غيغاواط وإنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بحلول عام 2030، بحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية – وام.
وأعلنت الإمارات خلال عام 2023 عن خطتها لمضاعفة قدراتها الإنتاجية للطاقة المتجددة بنحو ثلاث مرات، واستثمار ما يصل إلى 54 مليار دولار على مدى السنوات السبع المقبلة لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة.
مصر
في 28 شباط (فبراير) الماضي وقعت مصر 7 مذكرات تفاهم مع مطورين عالميين لتنفيذ مشروعات في مجالي الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة باستثمارات إجمالية تتجاوز 40 مليار دولار على مدى 10 سنوات.
وتقول الوكالة الدولية للطاقة المتجددة - أيرينا في تقرير لها إن مصر تستثمر حالياً نحو 2.5 مليار دولار في مشروعات الطاقة المتجددة وذلك حتى عام 2030، لكنها ترى أن مصر تحتاج لزيادة استثماراتها في الطاقة المتجددة إلى 9 مليارات دولار سنوياً لتصل إلى هدفها المنشود وهو أن يصبح 53% من استهلاك الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة.
سلطنة عُمان
بلغت استثمارات سلطنة عُمان في الهيدروجين أكثر من 30 مليار دولار، بهدف أن تصبح أحد أكبر المُنتجين له على مستوى العالم بحلول عام 2030. وتستهدف عُمان زيادة حصة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء إلى 20% بحلول عام 2030، قبل رفعها إلى ما بين 35 و39% بحلول عام 2040، وفي نيسان (أبريل) الماضي وقّعت شركة هيدروجين عُمان - هايدروم، على اتفاقيتي تطوير مشروع وحق الانتفاع بالأرض لمشروعين في محافظة ظفار بإجمالي استثمارات بلغ 11 مليار دولار، ليصل إجمالي السعة الإنتاجية للهيدروجين في سلطنة عُمان بحلول عام 2030 إلى 1.38 مليون طن سنوياً.
المغرب
تبلغ قدرات مشروعات الطاقة المتجددة في المغرب (قيد الاستغلال) نحو 4.6 غيغاواط، بإجمالي استثمارات 60 مليار درهم (6 مليارات دولار)، تم تنفيذها وتشغيلها على مدار الـ14 سنة الماضية، حيث شهدت استثمارات الطاقة المتجددة في المغرب طفرة كبيرة، إذ تضاعفت بأكثر من 4 مرات، ومن المقرر أن تزيد من متوسط 4 مليارات درهم (0.40 مليار دولار) سنوياً ما بين 2009 و2022، إلى استثمار 14 مليار درهم (1.41 مليار دولار) ما بين 2023 و2027، وفق تصريحات وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي مطلع العام الجاري 2024.
ويخطط المغرب للتوسع في مشروعات الطاقة النظيفة، حيث أضاف خلال الأعوام الـ3 الأخيرة قدرات تناهز 203 ميغاواط، فيما جرى الترخيص لمشروعات جديدة بقدرات تصل إلى 1000 ميغاواط، حيث تستهدف الرباط إنجاز عدد من مشروعات الطاقة المتجددة في المغرب، بقدرات تصل إلى 1.3 غيغاواط سنوياً خلال المدة 2023-2027، ارتفاعاً من 0.16 غيغاواط سنوياً خلال المدة 2009 – 2022، أي مضاعفة الإنتاج 10 مرات.
يقدر البنك الدولي أن المغرب سينفق 52 مليار دولار لتحقيق هدفه في مجال الطاقة المتجددة لعام 2030، وأن معظم هذه الأموال يجب أن تأتي من القطاع الخاص. والحكومة المغربية توافق على ذلك. بحسب تقرير نشرته "بي بي سي" في أيار (مايو) 2023.
الأردن
تحول الأردن من صفر استثمارات في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في عام 2013 إلى جذب أكثر من 4 مليارات دولار من الاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة بحلول عام 2023. وجاءت معظم هذه الاستثمارات من خارج الأردن، بحسب رئيس مجلس إدارة شركة الأردن لطاقة الرياح سامر جودة.
وتشكل الطاقة المتجددة حالياً نحو 27% من مزيج الطاقة في الأردن، وهو ما يقترب من نسبه 30% المستهدفة بحلول عام 2030، بحسب تصريحات أدلى بها وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة، في تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
ويستهدف الأردن نحو 500 (أو) 600 ألف طن (من الهيدروجين الأخضر) قبل عام 2030، بجانب خططه للفترة من عام 2040 إلى 2050.
البلدان الواعدة
وبالحديث عن البلدان العربية الواعدة من حيث الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة، سنجد بلداناً مثل قطر، والبحرين، وموريتانيا بدأت بالفعل في ضخ استثمارات في مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة، وربما تكون هذه الاستثمارات منخفضة مقارنة بما تنفقه السعودية والإمارات ومصر، وذلك نظراً لصغر مساحة بعض هذه البلدان مثل قطر والكويت، وأيضاً ضعف السيولة المالية لدى البعض الآخر مثل موريتانيا.