"تطور الفضاء يمس الآن حياة مليارات البشر" بهذه العبارة وجه المنتدى الاقتصادي العالمي في نيسان (أبريل) 2024 العالم نحو أهمية اقتصاد الفضاء، بل أصبحت بلدان عربية مثل الإمارات والسعودية تشارك الدول العظمى في مجال استكشاف الفضاء. وبعدما كان العمل في الفضاء محصوراً بين أكبر قوتين في العالم (الولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي سابقاً) قبل أكثر من 60 عاماً بقليل، أصبح الآن لدى أكثر من 92 بلداً حول العالم أقمار اصطناعية في الفضاء.
وشهدت منطقة الشرق الأوسط استثمارًا في الفضاء بقيمة 1.2 مليار دولار عام 2022، والجميع يبحث عن حصة من كعكة بلغت قيمتها 630 مليار دولار في عام 2023، وقابلة للزيادة الى نحو تريليوني دولار خلال الفترة من 2035 إلى 2040، فما هو اقتصاد الفضاء وكيف تستفيد البلدان العربية منه؟
خلال عام 2023، خرج رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي من وحدة معادلة الضغط في محطة الفضاء الدولية، وأصبح أول رائد فضاء عربي يسير في الفضاء الخارجي، واضعاً الإمارات في المرتبة العاشرة على قائمة الدول التي نفّذ أبناؤها مهمات السير في الفضاء، وصولاً إلى المهمة "إيه إكس 2" التابعة لـ "أكسيوم سبيس"، والتي حملت على متنها الرائدين السعوديين ريانة برناوي -أول امرأة سعودية تسافر إلى الفضاء- وعلي القرني.
ما هو اقتصاد الفضاء؟
اقتصاد الفضاء (Space Economy) هو استكشاف الفضاء، ودراسته والبحث فيه، ومن ثَمَّ فهمه وإدارته واستخدامه للمنفعة، لتحقيق الفائدة لحياة الإنسان عبر الاستفادة من التقنيات الفضائية، والاتصالات مثل أنظمة تحديد المواقع، والملاحة، وأنظمة المراقبة، اذ أصبحت صناعات مثل سلاسل التوريد والنقل أكثر اعتمادًا على الأقمار الاصطناعية، وغيرها من تقنيات الفضاء، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويشمل اقتصاد الفضاء عالمياً مجالات عدة أهمها: التنقيب عن المعادن في الفضاء والمحطات الفضائية وشركات الفضاء والاستدامة وإعادة التدوير في الفضاء.
مراحل نمو اقتصاد الفضاء
نما اقتصاد الفضاء عالمياً بنسبة 9% ليصل إلى 469 مليار دولار عام 2021، ثم واصل نموه بنسبة 8% ليصل إلى 546 مليار دولار في عام 2022، ثم ارتفع إلى 630 مليار دولار بنهاية عام 2023، ويتوقع أن يصل إلى 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2035، بمعدل نمو يبلغ في المتوسط 9% سنويًّا، وهو أعلى بكثير من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحسب تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، تم إعداده بالتعاون مع شركة ماكينزي آند كومباني (McKinsey & Company)، ونشر في 8 نيسان (أبريل) 2024.
وتوقعت مُنظمة سبيس فاونديشن (Space Foundation) وهي مؤسسة غير ربحية معنية بمجال الفضاء نمو اقتصاد الفضاء ليقترب من 800 مليار دولار في غضون خمس سنوات (من 2023 حتى 2028).
ويقول منتدى الاقتصاد العالمي في تقريره، إنه خلال الأعوام المقبلة، سوف تساعد تكنولوجيا الفضاء في رصد آثار تغير المناخ، والتحذير من الكوارث الطبيعية الوشيكة، وتحسين الاستجابة الإنسانية عند وقوعها. ويمكن لتكنولوجيا الفضاء أيضًا تبسيط تدفق التجارة العالمية من خلال سلاسل التوريد الأكثر كفاءة.
وقال المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية جوزيف أشباخر، في تصريحات صحافية إن أي يورو يستثمر في قطاع الفضاء، يتراوح العائد عليه بين 5 إلى 6 يوروهات، وقد تصل إلى 10 يوروهات، (ما يعني أن كل دولار قد يولّد ما يصل إلى عشرة) وذلك بحسب نتائج دراسات لشركات استشارات مستقلة قامت بتقييم جدوى الاستثمار بقطاع الفضاء.
ما هي أضرار اقتصاد الفضاء؟
تقول وكالة الفضاء الأميركية ناسا (NASA) إن هناك ما يقرب من 9000 طن من المعدات التي توجهت إلى الفضاء تسبب مشاكل، وهناك أكثر من 100 مليون قطعة من الحطام الفضائي - بحجم مليمتر واحد أو أكبر - تدور حول الأرض.
ويتنوع الحطام بين مركبات فضائية غير عاملة، ومعدات مهجورة، والحطام المرتبط بمهمات فضائية، وكلهذا الحطام يتحرك بسرعات تصل إلى 17500 ميل في الساعة (28160 كيلومترًا في الساعة)، حتى قطعة صغيرة من الحطام يمكن أن تلحق الضرر بقمر الصناعي أو مركبة فضائية.
وبحسب ناسا شهد كوكب الأرض في المتوسط سقوط قطعة واحدة من الحطام بشكل يومي على مدار الخمسة عقود الماضية، والجيد في الأمر أنه حتى الآن تسقط تلك القطع في المحيطات أو المناطق غير المأهولة بشكل أساسي، ولم يتم تأكيد أي إصابات خطيرة بين البشر أو أضرار جسيمة في الممتلكات.
خطط الإمارات لاقتحام اقتصاد الفضاء
وتخطت قيمة استثمارات الإمارات في قطاع الفضاء حاجز الـ22 مليار درهم (5.98 مليار دولار) بحسب إحصائية صادرة في 4 أيلول (سبتمبر) 2023، ممثلة في أنظمة الاتصالات الفضائية واستكشاف الأرض والفضاء وخدمات نقل البيانات والبث التلفزيوني عبر الفضاء والاتصالات الفضائية المتنقلة وغيرها.
وارتفع حجم الإنفاق التجاري على اقتصاد الفضاء في الإمارات إلى 10.9 مليار درهم (2.96 مليار دولار) خلال 7 سنوات بنهاية عام 2020، فيما نمت الاتفاقيات التعاقدية للخدمات والتطبيقات الفضائية بنسبة 40 % خلال العام ذاته.
وتعمل 57 شركة وكياناً فضائياً حاليا في الإمارات، فيما بلغ حجم دعم القطاعين العام والخاص لبرنامج الفضاء الإماراتي أكثر من 5.4 مليار دولار في حين تخطت قيمة سوق الشحن والخدمات اللوجستية في الإمارات حاجز الـ 3 مليارات درهم (816.79 مليون دولار) حيث تعتبر صناعة الفضاء واحدة من القطاعات الواعدة في دولة الإمارات وركيزة للنمو الاقتصادي المستدام.
رحلة الإمارات إلى الفضاء
عام 2022 أطلقت الإمارات أول منطقة فضاء اقتصادية في الدولة في مدينة "مصدر"؛ لإقامة منظومة أعمال متكاملة تدعم الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتسهم في بناء القدرات الوطنية في مجال الفضاء وفي النمو الاقتصادي على مدى الخمسين عاما المقبلة.
وأعلنت الإمارات في 17 تموز (يوليو) 2023 تأسيس صندوق استراتيجي متخصص لدعم قطاع الفضاء بقيمة 3 مليارات درهم (816.79 مليون دولار)، يهدف إلى تعزيز الاستثمارات من المهتمين من رواد الأعمال والشركات الخاصة، والعمل على تمويل تطوير الأنشطة والمشاريع الفضائية المستقبلية وتسهيلها.
وفي 22 أيلول (سبتمبر) 2023 أعلنت شركة الياه للاتصالات الفضائية - الياه سات، مزودة حلول الاتصالات الفضائية عبر الأقمار الاصطناعية في الإمارات، حصول ذراعها الحكومية "الياه سات للخدمات الحكومية YGS"، على عقد بقيمة 18.7 مليار درهم (5.09 مليار دولار) من حكومة الدولة لتوفير خدمات الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، تتولى بموجبه الياه توفير سعة فضائية على الأقمار الاصطناعية والخدمات المُدارة على مدى 17 عاماً.
خطط السعودية للاستثمار في الفضاء
سجّلت صناعة الفضاء في السعودية إيرادات بقيمة 400 مليون دولار في عام 2022، وفقًا لتقرير صادر عن هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية السعودية نُشر أواخر العام الماضي، ويتوقع أن تصل إلى متوسط قيمة سنوية تبلغ 2.2 مليار دولار في الفترة من 2023 إلى 2030، بحسب توقعات شركة (Fast Company) المتخصصة في مجال التكنولوجيا.
وفي 29 نيسان (أبريل) 2024، أعلنت وكالة الفضاء السعودية توقيع اتفاقية مع المنتدى الاقتصادي العالمي؛ لتأسيس مركز مستقبل الفضاء في المملكة، لدعم نمو مجالات الفضاء الاقتصادية والبحثية والابتكارية بالمملكة.
وفي كانون الأول (ديسمبر) عام 2018 أسست المملكة الهيئة السعودية للفضاء، وهي الجهة المسؤولة عن تنظيم قطاع الفضاء وتطويره في المملكة.
وكانت السعودية من خلال الهيئة السعودية للفضاء، أبرمت في وقت سابق العديد من الاتفاقيات والعقود منها اتفاقية "أرتميس" مع وكالة الفضاء الأميركية ناسا، للانضمام الى التحالف الدولي في مجال الاستكشاف المدني واستخدام القمر والمريخ والمذنبات والكويكبات للأغراض السلمية، والتي تتضمن الانضمام الى التحالف العالمي لعودة الإنسان مجدداً إلى القمر، والتي تدخل هذه الاتفاقية ضمن خطط السعودية للابتكار، التي جرى الإعلان عنها.
وتحاول السعودية اللحاق بركاب الدول العربية المستثمرة في اقتصاد الفضاء، بتوجيه صندوق الاستثمارات العامة السعودي نحو ضخ استثمارات في الشركات المتخصصة بمجالات الفضاء والتكنولوجيا، وذلك بهدف تنويع اقتصاد المملكة، وخلق فرص عمل جديدة، وجذب استثمارات جديدة ومبتكرة.