تستثمر الدول العربية بسخاء في مبادرات التحول الرقمي، حيث ركزت استراتيجياتها خلال العقد الجاري على التحرر من الاقتصاد النفطي وتحقيق التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة، واعتمدت التحول الرقمي (وهو ربط الاقتصاد بالإنترنت) كأداة أساسية لتحقيق ذلك، لنجده حاضراً بقوة في العديد من الاستراتيجيات مثل "رؤية السعودية 2030"، رؤية "نحن الإمارات 2031"، و"عمان 2040"، و"الكويت 2035"، وعليه يسلط "النهار العربي" الضوء على الدول العربية الأكثر انفاقاً على التكنولوجيا المالية والمُرشحة بقوة للفوز بحصة كبيرة من كعكة الاستثمارات الأجنبية.
رغم أن حصة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من سوق التكنولوجيا المالية العالمية لا تتعدى 1%، إلا أن بلداناً مثل الإمارات والسعودية ومصر، تسير بخطى ثابتة وسريعة نحو التحول الرقمي، حيث تربعت الشركات الناشئة الإماراتية على رأس قائمة الشركات الأكثر حصدًا للتمويلات خلال 2023، بقيمة زادت عن 1.1 مليار دولار، ثم جاءت السعودية بما يزيد عن 900 مليون دولار، ليتنافس اللاعبون الإقليميون على جذب معظم التمويلات، ثم أتت مصر بقيمة أكثر من 500 مليون دولار من التمويلات.
وحصدت الإمارات المركز الأول إقليمياً والسادس عالمياً من حيث إجمالي الاستثمار في التكنولوجيا المالية "فينتك" لعام 2023، بعدما جذبت استثمارات بإجمالي 1.3 مليار دولار ضمن 54 صفقة خلال 2023، وفي المركز الأول تلقت الولايات المتحدة أكثر من 24 مليار دولار من رأس المال المتدفق في قطاع التكنولوجيا المالية عبر 1530 صفقة، تلتها المملكة المتحدة في المركز الثاني بمبلغ 5.1 مليار دولار، بتراجع 63% من 13.9 مليار دولار عام 2022، وثالثاً جاءت الهند باستثمارات 2.5 مليار دولار، ورابعاً سنغافورة بقيمة 2.2 مليار دولار. وحلّت الصين في المركز الخامس بإجمالي استثمارات 1.8 مليار دولار، بحسب تقرير اتجاهات الاستثمار في التكنولوجيا المالية العالمية لعام 2023 الصادر عن هيئة صناعة التكنولوجيا المالية العالمية - إنوفيت فاينانس (Innovate Finance).
وبلغت قيمة سوق التكنولوجيا المالية العالمية 294.74 مليار دولار بنهاية عام 2023، وتتوقع مؤسسة فورتشن بيزنس إنسايتس (Fortune Business Insights) أن تبلغ قيمة السوق 340.10 مليار دولار خلال عام 2024 وتصل إلى 1,152.06 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 16.5% خلال الفترة المتوقعة (2024-2032).
وذكرت هيئة صناعة التكنولوجيا المالية العالمية "إنوفيت فاينانس" أن إجمالي الاستثمار العالمي في التكنولوجيا المالية تراجع 48% في عام 2023 إلى 51.2 مليار دولار مقارنة بعام 2022، توزعت على 3,973 صفقة مقارنة بـ 6,397 صفقة عام 2022.
وجمعت الشركات الناشئة المعتمدة أغلبها على التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العام الماضي 4 مليارات دولار موزعة على 583 صفقة، بحسب تقرير نشرته شركة ومضة المتخصصة في رصد أسواق الشركات الناشئة ورأس مال المخاطر، نشر في كانون الثاني (يناير) 2024.
وأظهر تقرير آخر أعدته شركة كيه بي إم جي (KPMG) المتعددة الجنسيات للمحاسبة، أن تمويل شركات التكنولوجيا المالية في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا انخفض إلى أدنى مستوياته خلال 7 سنوات، ليبلغ 24.5 مليار دولار في عام 2023، مقابل 49.6 مليار دولار في عام 2022.
- لماذا تراجعت الاستثمارات العربية في التكنولوجيا المالية؟
وأرجعت الشركة هذا التراجع في استثمارات التكنولوجيا المالية خلال العام الماضي إلى بيئة الخروج الباردة في ظل توجه المستثمرين نحو الأوعية الاستثمارية الأكثر أماناً وأعلى فائدة في محاولة منهم لاستغلال أسعار الفائدة المرتفعة وتجنب مخاطر السوق، ومن الأسباب أيضاً انتشار الشكوك والصراعات الجيوسياسية، وارتفاع التضخم الأساسي، والنمو البطيء لعدد من الاقتصاديات الكبرى وكذلك الناشئة، وأزمات في سلاسل التوريد العالمية، وهذه الأسباب مجتمعة دفعت العديد من المستثمرين في المنطقة إلى الاحتفاظ برؤوس أموالهم لحين وضوح الرؤية.
وشهد تمويل الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضًا حادًا في نيسان (أبريل) الماضي، حيث تمكنت 19 شركة ناشئة فقط من جمع 55 مليون دولار، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 78% على أساس شهري من 254 مليون دولار تم جمعها في آذار (مارس) الماضي، على الرغم من أنه يمثل زيادة بنسبة 87% على أساس سنوي، وفقًا لتقرير ومضة الشهري.
- أقوى الشركات ومجالات التكنولوجيا المالية في 2023
وعن المجالات الأوسع انتشاراً في قطاع التكنولوجيا الرقمية حلّت في المركز الأول شركات المدفوعات الرقمية وفي المرتبة الثانية جاءت منصات الشراء الآن والدفع لاحقًا، بحسب تصنيف فوربس لأقوى 50 شركة تكنولوجيا مالية في الشرق الأوسط لعام 2024، واعتلت القائمة منصة ويو بنك (Wio Bank) الإماراتية التي أطلقت تطبيقها المصرفي الأول للشركات ويو بيزنيس (Wio Business) في أيلول (سبتمبر) 2022، تليها في المركز الثاني شركة فوري المصرية التي تتيح خدمات المدفوعات الإلكترونية وحلول التمويل الرقمي، لأكثر من 51.7 مليون مستخدم، ثم شركة تابي (Tabby) السعودية للشراء الآن والدفع لاحقاً في المركز الثالث، وفي المركز الرابع جاءت شركة مدفوعاتكم للدفع الإلكتروني (MadfoatCom)، وخامساً مجموعة بيتابس (PayTabs Group) للحلول الرقمية.
• حجم إنفاق دول الخليج على التكنولوجيا المالية في 2023/2024
توقعت مؤسسة البيانات الدولية (IDC) أن يبلغ الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا نحو 238 مليار دولار في 2024، بزيادة نسبتها 4.5% مقارنة بعام 2023، كما توقعت وصول الإنفاق على التحول الرقمي إلى 59 مليار دولار خلال عام 2024 وسيتسارع بمعدل نمو سنوي مركب لمدة 5 أعوام من 15% إلى 88 مليار دولار في عام 2027.
1- السعودية
بلغ حجم إنفاق السعودية على خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات نحو 120 مليار ريال (32 مليار دولار) خلال الخمس سنوات الماضية منذ عام 2019 حتى 2023، بحسب هيئة الحكومة الرقمية، وتوقعت المؤسسة الدولية للبيانات (IDC) أن يصل إنفاق سوق تقنية المعلومات والاتصالات في المملكة لنحو 37.4 مليار دولار بنهاية عام 2024، ما يُظهر نموًا بنسبة 3.3% على أساس سنوي.
وصل حجم سوق الاتصالات والتقنية في السعودية إلى 166 مليار ريال سعودي (44.2 مليار دولار) خلال عام 2023 مقابل 81 مليار ريال سعودي (21.6 مليار دولار)، ما يعادل نمواً سنوياً مركباً بلغ 8% خلال الستة أعوام الماضية، مع توقعات أن تبلغ 103 مليارات ريال (27.4 مليار دولار) بحلول 2025، بحسب هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية.
2- عمان
وصل حجم الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في سلطنة عمان إلى 3.23 مليار دولار في عام 2023، ومتوقع أن يرتفع إلى 3.49 مليار دولار بحلول عام 2026، وذلك وفقًا لأحدث توقعات مؤسسة البيانات الدولية (IDC).
3- الإمارات
ينمو حجم الإنفاق على البرمجيات والتكنولوجيا في دولة الإمارات بنسبة 12.9% خلال عام 2024 ليصل إلى 11.377 مليار درهم (3.1 مليار دولار)، مقارنة بنحو 10.077 مليار درهم (2.7 مليار دولار) في 2023، كما يوجد في الإمارات حالياً 1,151 شركة برمجيات، وفق تقديرات المؤسسة الدولية للبيانات (IDC).
وبحسب تقرير صادر عن ومضة يقدر سوق التكنولوجيا المالية في الإمارات بنحو 39.3 مليار دولار (من حيث قيمة المعاملات) 2023، ومن المتوقع أن يسجل معدل نمو سنوي مركب يزيد على 15% خلال فترة التوقعات 2023 – 2028، فيما أشار التقرير إلى تصنيف الدولة في المرتبة الأولى عالمياً بين مراكز التكنولوجيا المالية.
• خطة الإمارات للتحول الرقمي
تصدرت الإمارات مؤشر الأداء الرقمي في الخليج العربي 2023، الصادر عن شركة أورينت بلانيت للأبحاث، بمتوسط 65.43 نقطة، تلتها السعودية بمتوسط 58.34 نقطة.
حزيران (يونيو) 2022، أطلقت حكومة الإمارات مبادرة (الجيل التالي من الاستثمارات الأجنبية العالمية)؛ بهدف جذب استثمارات من 300 شركة رقمية في شتى القطاعات، على أن تدعم الاقتصاد المحلي بما لا يقل عن 500 مليون دولار.
نيسان (أبريل) 2022، أطلقت الإمارات الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي؛ بهدف مضاعفة نسبة إسهام الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي من 9.7% خلال 2022، إلى 19.4% خلال العشر سنوات المقبلة.
عام 2021، تبنت الإمارات استراتيجية الإمارات للتعاملات الرقمية 2021، كما أسست المجلس العالمي للتعاملات الرقمية.
أيلول (سبتمبر) 2017، أطلقت حكومة الإمارات استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، ضمن أعمال الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات.
4- قطر
تضمن برنامج قطر للتحول الرقمي الشامل دعم الاستثمار في مجالات التكنولوجيا والابتكار والذكاء الاصطناعي، ولأجل ذلك خصصت الدولة حزمة حوافز بقيمة 9 مليارات ريال قطري (2.47 مليار دولار) لدعم مبادرات التحول الرقمي خلال 2024.
5- الكويت
توقعت مؤسسة البيانات الدولية آي دي سي (IDC) أن تنمو معدلات الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات في دولة الكويت من 2,04 مليار دولار عام 2023 إلى 2,21 مليار دولار عام 2026.
6- البحرين
توقعت مؤسسة البيانات الدولية آي دي سي (IDC) تنامي إجمالي معدل الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البحرين، ليرتفع إلى 2.03 مليار دولار خلال 2023، وصولاً إلى 2.23 مليار بحلول 2026.
- ماذا قدمت الإمارات والسعودية للفوز بالاستثمارات الأجنبية؟
حوافز ضريبية وجمركية
استحوذت الإمارات خلال الأعوام القليلة الماضية على نصيب الأسد من الاستثمارات الأجنبية وخصوصاً استضافة الشركات متعددة الجنسيات على أرضها؛ وذلك نظراً لوجود مناطق عدة تتمتع ببنية تحتية تكنولوجية فائقة الجودة ومعفاة من الضرائب والرسوم الجمركية وتسمح بنسبة ملكية 100% على أرضها مثل منطقة جبل علي، الأمر الذي دفع السعودية إلى إطلاق أول منطقة اقتصادية متكاملة ستكون معفاة من الضرائب للشركات لمدة تتراوح بين 30 إلى 50 عاماً، وإعفاء أيضاً من قواعد توظيف السعوديين؛ بهدف أن تصبح الرياض مركزاً لوجستياً يجذب الاستثمار الأجنبي في المنطقة.
وتفرض الإمارات ضريبة على الشركات بنسبة 9% سنوياً بدلاً من التواجد المجاني، وهي لا تزال أقل من التي تفرضها جارتها السعودية بنسبة 20%، وبالتالي تواصل الإمارات تمتعها بمزايا تنافسية عن السعودية خصوصاً في توافر العديد من المناطق الاقتصادية الجذابة في جميع أنحاء المنطقة، لكن المملكة تعمل بجدية لتحقيق التحول الرقمي والتحول لمركز لوجستي للتجارة العالمية من خلال استغلال عوائد النفط التي ارتفعت بقوة عقب الحرب الروسية الأوكرانية في برنامج التنويع الاقتصادي والتحول الرقمي.
وبناء على المساعي السعودية نحو التحول الرقمي، أعلنت بعض شركات التكنولوجيا العالمية مثل أمازون وغوغل ومايكروسوفت، مؤخراً عن تعزيز وجودها في السعودية، كما حصلت على تراخيص لإنشاء مقرات رئيسية إقليمية لها في الرياض، كما اتجهت بعض الشركات الكبرى الأخرى، مثل بيبسيكو وبيكتيل وأوراكل وآيرباص، إلى الحصول على تراخيص لمقراتها الرئيسية في السعودية أيضاً.
- حجم الاستثمار الأجنبي الوافد إلى الإمارات 2023
استقطبت الإمارات 1,280 مشروعاً استثمارياً أجنبياً مباشراً جديداً خلال عام 2023، بقيمة إجمالية 55.34 مليار درهم (15.08 مليار دولار)، بنمو نسبته 33% عن عام 2022، من ناحية القيمة وبنسبة 36% من ناحية العدد، وفقاً لبيانات إف دي آي ماركتس (FDI Markets).
ووفقاً لتصنيف الأونكتاد من خلال تقرير الاستثمار العالمي 2023، ارتفعت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى الإمارات خلال عام 2022 بنسبة نمو 10% على أساس سنوي، ليبلغ 83 مليار درهم (7 مليارات دولار) مقارنةً مع 76 مليار درهم (20.7 مليار دولار) عام 2021.
- حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية 2023
وأظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، أن المملكة جمعت صافي استثمارات أجنبية خلال عام 2023 بقيمة 46.2 مليار ريال سعودي (12.3 مليار دولار) مقابل تدفقات بنحو 122 مليار ريال سعودي (33 مليار دولار) خلال عام 2022، بواقع صافي تدفقات 9.02 مليار ريال سعودي (2.41 مليار دولار) في الربع الأول، و12.63 مليار (3.37 مليار دولار) في الربع الثاني، و11.36 مليار (3.03 مليار دولار) في الربع الثالث، و13.19 مليار (3.52 مليار دولار) في الربع الأخير.
وقال وزير الاستثمار المهندس خالد بن عبد العزيز الفالح، في تصريحات صحفية له خلال تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، إن اقتصاد المملكة هو الأكبر حجماً في الشرق الأوسط والعالم العربي، وهو أحد أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، وبلغ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة 775 مليار ريال سعودي (207 مليارات دولار) بنهاية عام 2022، وهو ما يجعل السعودية في المرتبة 16 بين اقتصادات دول مجموعة العشرين.