النهار

شركات المقاولات التّونسية: تعثّر في الدّاخل... تفوّق في الخارج
روعة قاسم
المصدر: النهار العربي
تحقق شركات المقاولات التونسية نجاحات لافتة في الكاميرون ومالي وتوغو وبينين وبوركينا فاسو والجزائر وليبيا،ما جلب لها التقدير والإحترام وفتح الباب على مصراعيه لشركات تونسية أخرى مهتمة بالسوق الإفريقية.
شركات المقاولات التّونسية: تعثّر في الدّاخل... تفوّق في الخارج
ملعب المنزه التونسي.
A+   A-
تتعرض شركات المقاولات والأشغال العامة التونسية إلى انتقادات واسعة، بخاصة بعد تأخر أشغال إعادة تأهيل ملعب المنزه ومسبح البلفدير في العاصمة، وتدخل رئيس الجمهورية شخصياً للسماح بتكليف شركة صينية تأهيل ملعب المنزه، ومنح الإذن للجيش التونسي بتولي أشغال مسبح البلفدير، فضلاً عن تأخر عدد من مشاريع الأشغال العامة كالطرق والجسور، ومنها أشغال المدخل الجنوبي للعاصمة ومد الطريق الرابط بين الطريق السيارة للشمال الغربي ومدينة أريانة عبر ولاية منوبة، والطريق السيارة للمناطق الداخلية، تونس جلمة، وغيرها.

جودة الإنجاز

في المقابل، تلفت الانتباه النجاحات التي تحققها شركات المقاولات التونسية في الخارج، وثمة إقرار عالمي بجودة ما تنجزه في مجال البنى التحتية لكثير من الدول، وخصوصاً في القارة الأفريقية حيث المنافسة محتدمة مع شركات كبرى من دول متقدمة. فدولة مثل ساحل العاج، على سبيل المثال، أعلن بعض مسؤوليها أنهم باتوا لا يثقون سوى بالشركات التونسية لإنجاز الأشغال العامة واستبعدوا شركات صينية وأوروبية، وخصوصاً في مشاريع الطرق والجسور. 

وتحقق شركات المقاولات التونسية نجاحات لافتة في الكاميرون ومالي وتوغو وبنين وبوركينا فاسو والجزائر وليبيا، ما فتح الباب على مصراعيه لشركات تونسية أخرى مهتمة بالسوق الأفريقية. وعلى رغم ما عانته بعض هذه الشركات في ليبيا من خسائر بعد سنة 2011، حيث اضطرت إلى الانسحاب بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية وتكبدت خسائر تتعلق بعقود بلغت قيمتها ألفي مليون دولار ولم يتم إنجاز سوى 45 بالمئة فقط من مجموع هذه المشاريع، إلا أن ذلك لم يزدها إلا إصراراً وقوة ورغبة في النجاح في أماكن أخرى من العالم.
 

أسباب عديدة
وفي هذا الإطار يرى المتخصص في الهندسة المدنية وتخطيط المدن إسماعيل السويسي، في حديث إلى "النهار العربي"، أن شركات المقاولات التونسية برهنت في الخارج أن الكفاءات التونسية، من مهندسين وتقنيين وغيرهم، قادرة على النجاح والتألق والبروز ومنافسة الشركات العالمية، وخصوصاً الصينية التي تغلغلت في أسواق القارة الأفريقية. لكن هذه الشركات تجد في المقابل، بحسب السويسي، صعوبات كبيرة للانطلاق في إنجاز المشاريع في تونس وإتمامها، خصوصاً بعد الثورة، إذ اختلط الحابل بالنابل وباتت أمور كثيرة عصية على فهم أغلب التونسيين.

ويوضح السويسي أن "ثمة أسباباً كثيرة تعوّق نجاح شركات المقاولات والأشغال العامة التونسية في مشاريعها الداخلية، منها أن أمثلة التهيئة العمرانية في تونس تقوم بها البلديات مع الوزارة المشرفة على الأشغال العامة والتي تسمى في تونس وزارة التجهيز، كما أن صلاحية البت بمشاريع التنمية في المناطق تعود إلى المحافظين وتقوم الوزارة بالمساعدة. وبالتالي فالقرار ليس بيد طرف واحد بل موزع بين أطراف عدة، وهو ما يجعله بطيئاً ويعطل انطلاق الأشغال العمومية لما للسلطات المركزية والجهوية والمحلية من مصالح أو أقسام عديدة داخلها تتدخل في صنع القرار ببيروقراطية مقيتة موروثة عن الاستعمار". 

مشكلات عقارية
اما أستاذ القانون والمحامي صبري الثابتي فيشرح لـ"النهار العربي" أن الأشغال العمومية تتعطل في تونس بفعل المشكلات العقارية، ومن ذلك تصفية الملكية وانتزاع العقارات من أصحابها حتى يتم تشييد المشاريع العمومية عليها. و"تتطلب هذه التصفية إجراءات عديدة ومعقدة ووقتاً طويلاً لإنجازها وهو ما يخلق مشكلات عديدة وتعطيلات بالجملة. وتتداخل في هذه العملية وزارات عديدة، منها وزارة العدل ووزارة أملاك الدولة ووزارة التجهيز وغيرها، وهو ما يتطلب مراجعة القوانين للقضاء على هذه البيروقراطية المعطلة".
 

ويضيف الثابتي: "كما أن عدم سداد الدولة مستحقات شركات المقاولات في آجالها يعطّل الأشغال بعد أن يتوقف العمال عن العمل. وعند سداد أجور هؤلاء العمال يكون قد مضى وقت طويل فترتفع تكلفة المواد الأولية ويجد المقاول نفسه أمام أعباء مالية جديدة يعجز بعدها عن إتمام ما التزمه. كما أن العديد من الأزمات العالمية، على غرار جائحة كورونا، ساهمت في تعطيل إنجاز المشاريع، وعند انتهاء الأزمة تكون أسعار مواد البناء كالحديد والإسمنت وغيرها قد ارتفعت، وتصير تكلفة الإنجاز تفوق ما تم الاتفاق عليه في البداية فيتواصل التوقف إلى حين إيجاد الحلول لهذه المعضلات".
 

اقرأ في النهار Premium