"أقطع الكهرباء ولا أغلّيها؟"، سؤال مفاجئ طرحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أثناء افتتاحه مشروعات تنموية في جنوب الوادي، في يوم السبت 25 أيار (مايو) الجاري. أضاف: "عشان أخلي الكهرباء شغّالة 24 ساعة، لازم أخلّي ثمن الكهرباء مثل ثمنها الحالي مرّتين وثلاث"... فوجد المواطن المصري نفسه أمام خيارين أحلاهما مُرّ.
وقال طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية المصري، في تصريحات إعلامية، إن إنتاج مصر المحلي يكفي ثلثي احتياجات الدولة، ويتمّ استيراد الثلث الباقي، ويُنفق الاقتصاد المصري في كل عام نحو 55 مليار دولار على الوقود بكل أشكاله، مشيراً إلى أن "تخفيف الأحمال لن يستمر إلى ما لا نهاية، لكنها خطة بديلة بالتوازي مع جهود الإصلاح الاقتصادي".
وأوضح الملا، أن الحكومة رفضت رفع أسعار الكهرباء من أجل المواطن، وهي تدعم الوقود والمحروقات بما يتراوح بين 140 مليار جنيه (2.97 مليار دولار) و150 مليار جنيه (3.18 مليارات دولار)، كما تدعم ليتر السولار بـ10 جنيهات (21 سنتاً أميركياً) والبنزين بـ4 جنيهات (0.085 دولار)، لافتاً إلى أن "تكلفة أسطوانة البوتوغاز 300 جنيه (6.36 دولارات)، فيما نبيعها للمواطن بـ100 جنيه (2.12 دولار)".
بداية الانقطاعات
شهدت مصر في تموز (يوليو) 2023 انقطاعاً متكرّراً ويومياً للكهرباء، وعزت الحكومة ذلك آنذاك إلى موجة الحر التي أصابت البلاد، ووعدت حينها بتوفير الوقود اللازم لمحطات توليد الطاقة ورفع ضغط الغاز فيها. لكن الأمر ازداد سوءاً مع بداية العام الجاري؛ إذ فوجئ الشعب المصري بانقطاع التيار الكهربائي بانتظام ساعتين يومياً، وبإعلان الحكومة تطبيق أجندة لتخفيف الأحمال، وإصدار مجلس الوزراء بياناً بتوقيت قطع التيار الكهربائي في كل منطقة على حدة.
انقطاع الكهرباء في مصر مردود إلى أسباب عدة، أبرزها الارتفاع في درجات الحرارة صيفاً في ظل تداعيات التغيّر المناخي؛ وزيادة استهلاك الغاز في مصر بنسبة 18 في المئة مقارنة بالعام 2023؛ ونقص إمدادات الوقود (غاز ومازوت) الخاص بتشغيل محطات توليد الطاقة؛ وتوقف إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر بسبب الحرب في غزة بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والتي تبلغ نحو 900 مليون قدم مكعب يومياً بحسب أحدث البيانات الصادرة في كانون الثاني (يناير) 2024، علماً أن هذه الإمدادات عادت تدريجياً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، لتسجّل نحو 350 مليون قدم مكعب يومياً.
بالدولار.. أو بالجنيه؟
يُضاف إلى الأسباب المذكورة نقص السيولة بالدولار، خصوصاً بعد ارتفاع الدين الخارجي المصري بقيمة 3.5 مليارات دولار في الربع الأخير من عام 2023، ليصل إلى 168 مليار دولار؛ والتزام مصر سداد نحو 32.8 مليار دولار خلال العام الجاري و42.3 مليار دولار خلال العام المقبل، بحسب بيانات وزارة التخطيط المصرية.
إلّا أن محمد معيط، وزير المالية المصري، يقول في 28 أيار (مايو) الجاري، إن المشكلة في الجنيه المصري وليس في الدولار الأميركي. يضيف: "ليس لدى وزارة الكهرباء إيرادات كافية بالجنيه المصري لتسدّدها لوزارة البترول، فتقوم الأخيرة بدورها بتقديمها للبنوك لتدبير عملة أجنبية لشراء الوقود الكافي لتشغيل محطات الكهرباء". وبحسبه، المشكلة تفاقمت مع ضبط وزارة المالية المصروفات العامة، "فقد منعها ذلك من دعم الوزارات بالجنيه إلّا في إطار أرصدة كل وزارة وجهة حكومية على حدة".
ويتابع معيط: "توجد تشابكات بين الوزارات تحاول الحكومة فضّها منذ سنوات، فالوزارات مدينة بعضها لبعض، وهي مديونيات تراكمية تؤدي إلى النقص في الجنيه". وهذا يؤدي برأيه إلى عجز الوزارات عن توفير الجنيهات اللازمة لتسديد مديونياتها، في حلقة تصيب كل الوزارات وتضعف إيراداتها بالعملة المحلية.
فجوة تمويلية
كذلك، من أسباب انقطاع الكهرباء وجود فجوة تمويلية بقيمة 110 مليارات جنيه (2.33 مليار دولار) سنوياً تتحمّلها وزارة البترول لإمداد وزارة الكهرباء بالوقود اللازم (تنقسم إلى 70 مليار جنيه (1.48 مليار دولار) لإمداد وزارة الكهرباء بالغاز، و40 مليار جنيه (848.50 مليون دولار) لإمدادها بالمازوت)؛ وارتباط مصر بعقود تصدير الغاز إلى أوروبا التي تعاني نقصاً في إمدادات الغاز بسبب الحرب في أوكرانيا من خلال مصانع التسييل في إدكو ودمياط، بطاقة إنتاجية 2.1 مليار قدم مكعب يومياً. ولا مفرّ من ذكر سببين أخيرين، هما: عدم ترشيد المواطنين استخدام الطاقة الكهربائية، واكتشاف عدد كبيرة من حالات سرقة التيار الكهربائي في مصر.
وقال منجي بدر، الوزير المفوض وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة، في تصريحات صحافية، إن الحكومة المصرية تُجري حالياً مفاوضات لتأجير سفن لتحويل الغاز الطبيعي المسال إلى وضعه الغازي لإمداد المحطات الكهربائية، مضيفاً: "في ظل نقص السيولة بالدولار، واتجاه مصر نحو تخفيض فاتورة الاستيراد، تحتاج القاهرة إلى زيادة قدرتها على تحويل الغاز الطبيعي المُسال إلى وضعه الغازي، لأن وزارة الكهرباء تحتاج 135 مليون متر مكعب من الغاز و10 آلاف طن من المازوت يومياً كي تتوقف الانقطاعات المتكرّرة للكهرباء في جميع أرجاء مصر"، موضحاً في الوقت نفسه أن مصر بدأت في استخدام المازوت إلى جانب الغاز الطبيعي، "وهذا يُوفِّر الكثير من القطع الأجنبي".
متى ينتهي تخفيف الأحمال؟
قال مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، إنه رسم خطة مع وزيري البترول والكهرباء لوقف تخفيف أحمال الكهرباء بنهاية التوقيت الصيفي، في تشرين الثاني (نوفمبر) أو كانون الأول (ديسمبر) المقبلين، في أبعد تقدير.
أضاف في مؤتمر صحافي عقده الاثنين 27 أيار (مايو) الجاري، عقب جولته في محافظتي البحيرة والإسكندرية، أن خطة تخفيف الأحمال تحتاج إلى توفير المواد البترولية، "وكنا قد رسمنا خطة لتنفيذها خلال أربعة أعوام سابقة لتحريك أسعار الكهرباء تدريجياً، لكن الأزمات العالمية عرقلتها، فبادرت الحكومة المصرية إلى رسم خطة جديدة لتحريك أسعار الكهرباء تدريجياً لمدة أربعة أعوام مقبلة، مع دعم الفئات الأقل قدرة".
ويرى بدر أن خطة تخفيف الأحمال في مصر تنتهي "بعد استلام مصر أموال صفقة رأس الحكمة من دولة الإمارات العربية المتحدة، وصفقة تطوير أرض رأس جميلة في شرم الشيخ، وحصول مصر على قرض بقيمة 8 مليارات دولار، تتسلم الشريحة الأولى منه بقيمة ملياري دولار خلال الأشهر الأربعة المقبلة".
وأضاف، أن توفير العملة الصعبة يساهم في إنهاء أزمة انقطاع الكهرباء في مصر، "وبحلول عام 2028، والبدء في تشغيل المفاعل الأول من مفاعلات الضبعة الأربعة النووية، لن تشهد مصر أزمة كهرباء مجدداً، كما سيدعم ذلك الاكتشافات البترولية التي تحققها مصر في البحر المتوسط، وتوسع مصر في إنشاء وحدات لإسالة الغاز الطبيعي".
ويُذكر أن في مصر اليوم مصنعين لإسالة الغاز الطبيعي: الأول في إدكو، تملكه الشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، ويضمّ وحدتين للإسالة بطاقة استيعابية تصل إلى نحو 1.35 مليار قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي؛ والثاني في دمياط، تملكه شركة إيني الإيطالية وإيجاس وهيئة البترول المصرية، ويضم وحدة إسالة واحدة بطاقة تصل إلى نحو 750 مليون قدم مكعب يومياً.
لماذا تستورد مصر الغاز؟
يقول الملا إن في مصر كثافة سكانية يصل تعدادها إلى 110 ملايين نسمة. وبالتالي، معظم إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي موجّه نحو الاستهلاك المحلي. يضيف: "تنتج مصر ثلثي الكميات المطلوبة وتستورد الثُلث الباقي، ليتراوح إنتاج مصر من الغاز بين 6 و6.1 مليارات قدم مكعب يومياً توجّه كاملة إلى السوق المحلية التي تستهلك بين 5.8 و6 مليارات قدم مكعب يومياً".
في عام 2005، وقّعت الشركة القابضة للغاز، بصفتها ممثلاً للحكومة المصرية، اتفاقاً مع شرق البحر المتوسط للغاز (إي إم جي) لتصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى إسرائيل لمدة 20 عاماً، بسعر يتراوح بين 70 سنتاً و1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، بينما تقدّر تكلفة إنتاج الكمية ذاتها بقيمة 2.65 دولار، وترتفع أحياناً إلى 3.5 دولارات.
عقب أحداث 25 كانون الثاني (يناير) 2011، احتجت مصر على الثمن البخس الذي تدفعه إسرائيل مقابل الغاز المصري وأوقفت الضخ، فلجأت تل أبيب إلى المحكمة الدولية وحصلت منها على حكم قضى بتغريم مصر ملياري دولار. وفي عام 2018، أسفرت المفاوضات بين البلدين عن تنازل إسرائيل عن 1.5 مليار دولار من قيمة التعويض، مقابل أن تصدّر هي الغاز لمصر. وفي العام نفسه، وُقّع اتفاق قيمته 15 مليار دولار ومدته 10 أعوام بين ثلاث شركات مصرية وإسرائيلية وأميركية لشراء الغاز الطبيعي من حقلي تمار وليفياثان الإسرائيليين، وتوريده إلى مصر لإعادة تصديره مرّة أخرى بعد إسالته في محطتي دمياط وإدكو.
وهكذا، استوردت مصر الغاز من إسرائيل أول مرّة في عام 2020، في صفقة قيمتها 15 مليار دولار، عُقدت بين شركتي نوبل إنرجي التي استحوذت عليها شيفرون في 2020 وديليك دريلينغ من جانب، وشركة دولفينوس القابضة المصرية من جانب آخر.
وفي حزيران (يونيو) 2022، وقّعت مصر مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لزيادة صادرات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، بهدف إمداد أوروبا بالغاز الإسرائيلي عبر محطتي إدكو ودمياط على البحر المتوسط.
وفي شباط (فبراير) 2024، وافقت وزارة الطاقة الإسرائيلية على زيادة إمدادات الغاز الطبيعي لمصر بنحو 4 مليارات متر مكعب إضافية سنوياً، لمدة 11 عاماً. ومتوقع أن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في تموز (يوليو) 2025 بعد استكمال العمل على توسيع الطاقة الإنتاجية ومد خط أنابيب ثالث من خزان تمار.
إلى ذلك، تتوقع مصر زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي من إسرائيل بعد انتهاء شركة شيفرون الأميركية من زيادة الإنتاج بحقل تمار للغاز الواقع قبالة سواحل إسرائيل بنحو 60 في المئة خلال النصف الأول من العام المقبل، إلى 1.6 مليار قدم مكعب يومياً.