في خطى موازية لحزمة الشراكات الاستراتيجية الاقتصادية الأخيرة بين الصين ودول منطقة الشرق الأوسط، تواصل بكين جهودها نحو استعادة مسار تعزيز توسعاتها في القارة الأفريقية من جديد، عقب تراجعها خلال جائحة كورونا عبر مضاعفة حجم استثماراتها في عدد من القطاعات الحيوية.
ونتيجة لذلك انعكس التوسع القوي على زيادة حجم الاستثمارات الصينية الجديدة في أفريقيا بنحو 114 في المئة العام الماضي وفقاً لمعهد "غريفيث آسيا" في جامعة غريفيث الأوسترالية، مع تركيزها على الاستثمار في المعادن الضرورية، وذلك في إطار أهدافها الاستراتيجية لإنعاش اقتصادها وتحقيق مسارات تُدعم نموها بصورة مستدامة.
وبالنظر إلى أبرز المؤشرات، حققت التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا رقماً قياسياً بلغ 282.1 مليار دولار في عام 2023، لتواصل بكين دورها كأكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 15 عاماً على التوالي، بحسب وزارة التجارة الصينية.
وتستهدف الصين تنفيذ خطة لبناء منطقة تجريبية للتعاون الاقتصادي والتجاري المتعمق بين الصين وأفريقيا، ستنشئ بموجبها المنطقة التجريبية كمنصة للانفتاح على أفريقيا والتعاون معها، بحيث يصبح لها مستوى معين من التأثير الدولي بحلول عام 2027.
عوائد قوية
وفي ضوء ذلك، رصد عدد من الخبراء والاقتصاديين في تصريحات خاصة لـ"النهار العربي" عدداً من العوائد الاقتصادية الإيجابية المتوقعة للطرفين من خلال مضاعفة حجم الاستثمارات الصينية من جديد، لا سيما خلال آخر عامين ممثلة في:
- تقليل معدلات الفقر في دول القارة.
- دعم قدرات الدول الأفريقية على التنمية والإصلاح الداخلي.
-رفع معدلات نمو اقتصاديات دول القارة.
- تقليل ظاهرة الهجرة غير المشروعة.
- دعم استقلالية الصين بعيداً عن الدول الغربية.
- دعم اقتصاد الصين في العديد من القطاعات الاستراتيجية، لا سيما صناعة الرقائق.
- دافع قوي لنمو الاقتصاد الصيني وتعزيز صادراتها.
نفوذ وتوجهات ضخمة
واتساقاً مع ذلك، تعكف الصين على مواصلة تنمية علاقاتها بدول القارة خلال الفترات الأخيرة، تضمنت توقيع عدد من الاتفاقيات مع مصر لتعزيز التعاون في خطة التطوير المشترك لمبادرة "الحزام والطريق" ومجال الابتكار التكنولوجي وتكنولوجيا الاتصالات، فضلاً عن مواصلة المشاريع الاستثمارية الضخمة مثل المنطقة الصينية في البحر المتوسط.
وأعلنت إقامة علاقات شراكة استراتيجية مع تونس شملت توقيع 7 اتفاقيات تعاون في مجالات التعاون الاقتصادي والفني والاستثمار والتنمية والإعلام.
بالإضافة إلى تكثيف التعاون مع دول القارة عبر دعم مبادرة "الحزام والطريق" التي تعرف باسم "طريق الحرير الجديد" الذي يمر عبر سواحل شرق أفريقيا على المحيط الهندي. وتعتبرتعتبر المبادرة التي تتبناها الصين مشروع بنية تحتية ضخماً يهدف إلى توسيع روابطها التجارية من خلال بناء الموانئ والسكك الحديدية والمطارات والمجمعات الصناعية بهدف زيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي في العالم.
وتستهدف المبادرة تعزيز الحركة التجارية بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا والقارات الأبعد، ويشمل الاستثمار الصيني المرتقب ضخه في الدول التي تشملها المبادرة قرابة 9 مليارات دولار مع شركائها التجاريين في صورة معونات للدول النامية والمؤسسات الدولية التي تشكل جزءاً من المشروع.
أهداف استراتيجية
وتأكيداً لذلك، يؤكد الدكتور أحمد سيد أحمد خبير العلاقات الدولية في "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" في تصريحات خاصة إلى "النهار العربي" أن الانخراط الصيني على المستوى الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، يعد مساراً قوياً لتعزيز الوجود الصيني كأكبر شريك تجاري في القارة وأكبر مستثمر خارجي في القارة يفوق الدول الأوروبية وأميركا.
ويضيف أن الصين لديها استثمارات مباشرة ضخمة في العديد من دول أفريقيا مثل مصر، الجزائر، المغرب، السنغال ودول أفريقية أخرى، في البنية الأساسية، الموانئ والمطارات، وأيضاً تعتمد على الاستثمار في المعادن الحيوية والضرورية، بخاصة المستخدمة في الصناعة باعتبار أفريقيا أكبر مصدر لتلك المعادن ومصدراً أساسياً للمواد الخام التي تعتمد عليها الصين في صناعتها، سواء داخل الصين أو الصناعات والاستثمارات التي تقيمها في دول أفريقيا لتعزيز النهضة في الصين.
ويشير إلى أنه في ضوء ذلك، تولي الصين أهمية كبيرة لزيادة تلك الاستثمارات في الفوسفات والحديد والذهب والماس بهدف الاستخدام في صناعات مهمة مثل الرقائق الإلكترونية والكمبيوتر والصناعات العسكرية، وهو ما يعكس حجم الشراكات الحالية مع أفريقيا.
وعلى صعيد انعكاسها على القارة، يوضح أن المشاريع الصينية تقلّل معدلات الفقر وتوفر فرص العمالة في ضوء اعتمادها على العامل البشري، كما تؤدي إلى تقليل حدة ظاهرة الهجرة غير المشروعة.
القطاعات المتوقع طفرتها
ويتفق معه خبير العلاقات الدولية محمد ربيع الديهي الذي يرى في تصريحات خاصة إلى "النهار العربي"، أن زيادة الاستثمارات الصينية في أفريقيا تعد عاملاً مهماً في عودة مسار العلاقات الصينية الأفريقية، بخاصة أن الصين تحاول الاستقلال في سياستها بعيداً عن الدول الغربية.
ويضيف أن تلك الاستثمارات تأتي في إطار الاعتماد المتبادل أو اعتماد الصين على عملية استخراج المواد الأولية التي تنتج في أفريقيا، بخاصة أن النسبة الأكبر موجهة في مجال التعدين، في محاولة منها لتحقيق مكاسب أو دعم نموها الاقتصادي.
ويتوقع أن تشهد الاستثمارات الصينية التركيز على عدد من الدول، في مقدمتها دول غرب القارة وجنوبها، في ضوء ما تملكه هذه الدول من مقدرات وعمليات تعدين كبيرة، بالإضافة إلى دول شرق أفريقيا في نطاق الموانئ واللوجستيات، فضلاً عن الدول العربية في شمال القارة والشراكات الاستراتيجية الحالية والتركيز على المناطق الصناعية المشتركة.