النهار

أوروبا ومعضلة التعرِفات العقابية الأميركية ضد الصين
برلين - شادي عاكوم
المصدر: النهار العربي
قرّرت الولايات المتحدة الأميركية أخيراً فرض رسوم جمركية عقابية على المنتجات الآتية من الصين، ويفترضٌ أن تصل إلى ما نسبته 100 في المئة بدلاً من 25 في المئة على السيارات الكهربائية
أوروبا ومعضلة التعرِفات العقابية الأميركية ضد الصين
سيارات كهربائية أوروبية صنعت في الصين، مكدّسة في أحد الموانئ الصينية، لتصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبي
A+   A-
قرّرت الولايات المتحدة الأميركية أخيراً فرض رسوم جمركية عقابية على المنتجات الآتية من الصين، ومفترضٌ أن تصل إلى ما نسبته 100 في المئة بدلاً من 25 في المئة على السيارات الكهربائية، ناهيك عن زيادة بأضعاف على المعدات الطبية ورافعات الموانئ والبطاريات وأشباه الموصلات وغيرها. هذا الأمر اعتبر مؤشراً سلبياً على مستقبل القطاعات الصناعية الأوروبية الأساسية، وأثار القلق في بروكسل التي تبدو في طريقها أيضاً إلى مواجهة هذا الواقع، خشية أن تُغرق المنتجات الصينية دول الاتحاد الأوروبي، ما سيُلحق بالشركات وباقتصادات الدول الأعضاء أضراراً بالغة، وهي التي تعاني أساساً تراجعاً في نسبة النمو. فماذا عن العواقب التي قد يخلّفها القرار الأميركي على أوروبا وألمانيا؟
 
تحوّل المصدّرين إلى أوروبا
تفيد المعلومات من بروكسل أن دول التكتل قد تكون مضطرة لفرض تعرِفات عقابية قبل نهاية تموز (يوليو) المقبل، والترجيحات بأن تكون الزيادات الضريبية بحدود 25 في المئة، في ظل النزاع الجمركي والتجاري بين العملاقين الاقتصاديين الأميركي والصيني، وذلك للحدّ من تحوّل الصناعات الصينية نحو القارة الأوروبية التي تُسوّق بأسعار تنافسية. وكل ذلك، من منطلق أن التقديرات تفيد بأن الدعم الحكومي الصيني يتخطّى ما لا يقلّ عن ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما هو عليه في الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. 
 
وفي السياق نفسه، أشار ماتياس شميت، الخبير في عالم السيارات، في لقاء مع موقع "ذا إلكتريف" المتخصص في متابعة تطور صناعة السيارات الكهربائية والبطاريات والبنية التحتية للقطاع، إلى أن تحديد تعرفة الاستيراد عند نسبة 25 إلى 30 في المئة أمر معقول، مبيناً أن بنك "يو بي أس" وجد في كانون الأول (ديسمبر) 2023 ميزة التكلفة في السيارات الكهربائية الصينية عند عتبة 30 في المئة. وبهذا الحجم، سيلحق الاتحاد الأوروبي بالركب بدلاً من اتخاذ إجراءات عقابية، وسيتمّ استعادة المنافسة، كما والتعويض عن الممارسات غير العادلة. 
 
ونسب موقع "فيرتشفتسفوخه" إلى خبراء قوله إن تأثير هذه التعرٍفات، في حال اعتمادها، سيكون طفيفاً على هامش الربح، وستستمر الشركات الصينية في تحقيق أرباح كافية تسمح لها بالبقاء في السوق الأوروبي. وفي حال أراد الأوروبيون ردع الصناعات الصينية تماماً، وتحديداً شركات السيارات الكهربائية، يجب أن تصل التعرفات الجمركية إلى ما بين 40 و50 في المئة.
 
وعلى الرغم من نفي الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال زيارته الأوروبية الأخيرة، أن تهدّد صناعة بلاده أوروبا، وتجاهله المخاوف بشأن عمليات التصدير الضخمة، راداً النجاحات الصينية إلى القدرة التنافسية المتفوقة لشركات بلاده، قال مهمت أكانجي، الخبير في دراسات الأسواق، لـ "النهار العربي"، إن استراتيجية "صُنع في الصين" تهدف إلى جعل البلاد رائدة دولياً في العديد من التكنولوجيات الأساسية، بما في ذلك صناعة الرقائق والسيارات الكهربائية والبطاريات. وفي ما خصّ فرض تعرِفات على الصناعات الصينية، لفت أكانجي إلى أن نصف السيارات الكهربائية الآتية من الصين من علامات تجارية غربية، تُشحن إلى أوروبا، بينها "ميني" و "تسلا 3". وأظهرت دراسة أجراها معهد كايل للاقتصاد العالمي، أن أكثر من 99 في المئة من الشركات المدرجة حصلت على دعم حكومي صيني مباشر في عام 2022.
 
من جهة ثانية، يرى محلّلون أن قرار الولايات المتحدة، التي تشكو مثل الأوروبيين دعم الحكومة الصينية شركاتها وما أنتج ذلك من خسائر فادحة نزلت بصناعاتها، جاء مع إغراق بكين الأسواق بمنتجات وسلع رخيصة وبأسعار تنافسية، لا قدرة للشركات الأخرى على منافستها، فيما يعمد المستثمرون الغربيون وبكثافة إلى تطوير البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية كي تدوم مسافات أطول قبل إعادة شحنها. 
 
ألمانيا والتبادل المتبادل
في غمرة هذه التوقعات، موقف الحكومة الألمانية والمستشار أولاف شولتز لا يدعم رفع التعرفة. ويتحدث هذا الأخير عن "التبادل المتبادل" بين الاتحاد الأوروبي والصين، لا سيما أنه يرى أن المصنّعين الأوروبيين ناجحون في السوق الصينية، يبيعون عدداً كبيراً من المركبات التي يتمّ إنتاجها في أوروبا للأسواق الصينية. إضافة إلى ذلك، ترتبط 50 في المئة من السيارات الكهربائية المستوردة من الصين بعلامات تجارية غربية تنتج هناك. وفي خلال زيارة شولتز الأخيرة للصين، تحدث لصالح أسواق السيارات المفتوحة في ظروف منافسة عادلة.
 
بدوره، حذّر وزير النقل الألماني فولكر فيسينغ الاتحاد الأوروبي من اتباع نموذج الولايات المتحدة، مخافة من بدء حرب تجارية من خلال التعرٍفات الجمركية، والتي اعتبرها "نهجاً خاطئاً"، في حديث لصحيفة "أوغسبورغر ألغماينه". وأمام ذلك، نصح خبراء اقتصاديون، في لقاء مع شبكة "أن تي في" الإخبارية، الاتحاد الأوروبي بالتفاوض مع بكين، كجزء من عملية مكافحة الدعم ضدّ الواردات الصينية من السيارات الكهربائية. ونظراً لضعف الاقتصاد الكلي الحالي في الصين، وقوته النسبية في قطاعات التكنولوجيا الخضراء، وفي ظل التوتر بين بكين وواشنطن، ثمة فرصة واقعية لنجاح مثل هذه المفاوضات. 
 
وعن حيثيات الموقف الألماني، بين موقع "فرتشفتسفوخه"، أن المانيا مصدّر "عملاق" إلى الصين، والمصنّعون الألمان بنوا قدرات إنتاجية كبيرة خاصة بهم هناك، وإذا أُحصيت السيارات المنتجة هناك والخاصة بالعلامات التجارية الألمانية، "نجد أن 3,8 ملايين سيارة قد بيعت، وهذا يتوافق مع حصة سوقية تبلغ 17,4 في المئة". ويبدأ ذلك كله من منطلق أن معظم المركبات من الشركات المصنّعة، الألمانية وغيرها الأوروبية، التي تباع في الصين تخرج من خطوط الإنتاج في ووهان وشنغهاي. 
 
 

اقرأ في النهار Premium