تقاليد السحر القديم ترسخ أقدامها في كوريا الجنوبية بفضل تمرس "شامانات" سيول بتقنيات الحداثة في المعلوماتية والاتصالات.
ولعلها مفارقة أن يحدث ذلك الترسخ للسحر في كوريا الجنوبية من بين أكثر الدول انخراطاً في الحداثة والتقنية المتقدمة. وتظهر استطلاعات الرأي أن أكثر من نصف سكانها البالغ عددهم 51 مليون نسمة لا ينتمون إلى أي دين، إلا أن جاذبية "الشامانية" صمدت أمام اختبار الزمن.
ما هي الشامانية وممارساتها؟
لفهم "الشامانية"، من المهم أن نفهم أولاً نظرتها إلى الكون. تقسم معتقدت الشامانية الوجود إلى أجزاء مختلفة لكنها متساوية، تشمل الأرض أو العالم المادي، والعالم البشري، والنجوم أو العالم الكوني.
وتنظر إلى تلك العوالم باعتبار لكل منها روحه الخاصة. ومع هذه الأرواح، مع الزعم بأن الساحر "الشامان" يتواصل مع تلك الأرواح، وفق ممارسات خاصة. وتنتقل هذه النظرة إلى الكون من جيل إلى جيل. وتتمثّل السمة الوحيدة الثابتة لتلك المعتقدات في أن ممارس الشاماني يستخدم الحركة والغناء والترديد والطبول والصلاة والموسيقى وأحياناً النباتات المحلية المحلية مثل "آياهواسكا"، كي يدخل بصورة مؤقتة في حالة بديلة من الوعي. تعرف تلك الحالة بإسم "النشوة الشامانية"، وتشبه كونك في حالة مخدرة.
وبالاستعادة، لقد مورست "الشامانية" على نطاق واسع في كوريا منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث. إنها نظام من المعتقدات نشأ في ثقافات شمال شرق آسيا والقطب الشمالي. وعلى الرغم من أن مصطلح "الشامانية" اكتسب منذ ذلك الحين معنى أوسع عبر عدد من الثقافات المختلفة، إلا أنها احتفظت في كوريا القديمة بشكلها الأصلي. وحينما يعلن ممارس الشامانية عن نفسه، فإنه يعد بالاتصال مع عالم الروح، والتأثير عليها، من أجل مساعدة الأحياء. ويمنح "الشامان" سلطتهم من قبل أولئك الذين آمنوا بقيمتهم. وعلى هذا النحو، لا تكون الشامانية ديناً، وليس لديها هرم كهنوت، ولا نصوص، ولا عقيدة يجب الالتزام بها.
وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لإحياء الشامانية
يعمل ممارسو الشامانية الشباب في كوريا الجنوبية على إحياء التقاليد القديمة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومع وجود تماثيل بوذا والآلهة المحلية والشموع وأعواد البخور، يبدو ضريح لي كيونج هيون مشابهاً لضريح الشامانان الكوريين في القرون الماضية. وتُظهر مؤشرات "غوغل" أن عمليات البحث في موقع "يوتيوب" عن "الشامان" و"قراءة الطالع" باللغة الكورية قد تضاعفت تقريباً خلال السنوات الخمس الماضية.
وفي هذا السياق، يشير كيم دونج كيو من "المركز الأكاديمي للأديان الكورية" في جامعة سوجانج، إلى أن الشامان اعتادوا الترويج لأنفسهم في الصحف، مضيفاً أن اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي "ظاهرة طبيعية".
وقد برز العديد من الشامان المؤثرين على المنصات الرقمية، منهم الشامان البالغة من العمر 29 عاماً والمعروفة أيضاً باسم "آيجي سوينييو" Aegi Seonnyeo أو "الملاك الصغير". ويضم حسابها مئات الآلاف من المتابعين، وبحس آيجي: "من المعتقد به أن الشامانية عالم غير مرئي وغامض وروحي". وتضيف أنها لاحظت المزيد من الشامان الكوريين الجنوبيين ينشرون مقاطع فيديو حول الممارسة الروحية منذ أن بدأت قناتها الخاصة على موقع "يوتيوب" في عام 2019.
وفي مسار متصل، شكل التقليد الروحي للشامانية محوراً أساسياً في حبكة الفيلم الكوري الجنوبي الذي حقق نجاحاً كبيراً هذا العام بعنوان "إكسهوما". وفي ذلك الشريط، يجري تكليف الشامان برفع اللعنة عن الأسرة.
وعادة ما يتلقى الشامانات الذين يُعتقد أنهم يتمتعون بقدرات العرافين، أموالاً لقاء تقديم النصائح حول العلاقات، وتوجيهات حول الوظائف والتنبؤات بشأن المستقبل. وتصل تلك الدفعات إلى حوالي 100 ألف وون (73.09 دولاراً) مقابل استشارة تتراوح مدتها بين 30 و60 دقيقة، وفقاً لأحد الشامانات، وكذلك قوائم الأسعار على الإنترنت التي اطلعت عليها وكالة "رويترز".
القلق الاقتصادي
إن الوضع الحالي للمجتمع الكوري الجنوبي عامل لا يمكن تجاهله، بحسب لي كييونغ هويون الشامان المشهورة على "يوتيوب" في ما يخص الأوضاع الاجتماعية. وتضيف لي أن العديد من عملائها من جيل الألفية والجيل Z يأتون إليها بمخاوف بشأن السكن الميسور التكلفة وتكلفة تربية الأطفال.
كذلك يشير هان سيونج هون، الأستاذ المساعد في "أكاديمية الدراسات الكورية"، وهو معهد للأبحاث والتعليم، إلى أن الجيل الأصغر من الشامانات يعيشون في المدينة ويمكنهم التواصل جيداً مع العملاء الأصغر سناً الذين يواجهون تحديات اقتصادية ولا يمكنهم العثور على إجابة لها.
وفي الآونة الأخيرة، وجد بعض الممارسين الشامانيين أنفسهم في مشكلة قانونية، بعدما حُكم على شامان يبلغ من العمر 66 عاماً في سيوول بالسجن لمدة أربع سنوات في شباط (فبراير) عقب إدانته بالاحتيال على عميل بأكثر من 200 ألف دولار. وفقاً لتقارير وسائل الإعلام المحلية، قضت المحكمة بأن ذلك الشامان كان يتظاهر بالتحدث إلى والدة العميل المتوفاة.
صلات بأصحاب النفوذ
من جهة أخرى، يتمتع بعض الشامانات بصلات وثيقة مع مجموعة من أفراد النخبة في كوريا الجنوبية. ويؤدي أولئك الممارسون للشامانية هؤلاء أدواراً استشارية.
وتعتبر مين هي-جين مثلاً عن تلك العلاقة. إنها مديرة تنفيذية كبيرة في قطاع الترفيه، وتورطت في نزاع تجاري مع إحدى شركات البوب الكورية الكبرى. وقد دافعت عن نفسها في مؤتمر صحافي عقد في نيسان (أبريل) ضد مزاعم بأنها استشارت شاماناً لأغراض تجارية. وأفادت آنذاك بأنها أجرت محادثة مع شامان على أمل أن يجعلها الحديث معه تشعر بالتحسن. وسألت بصراحة: "ألا تفعلون ذلك جميعاً يا رفاق أيضاً؟".