النهار

تونس تتّجه شرقاً... فهل يُخرجها ذلك من أزماتها الاقتصادية؟
إسلام محمد
المصدر: النهار العربي
تتصدر الصين وروسيا ودول الخليج القائمة التي تستهدفها تونس لعقد شراكات استراتيجية بهدف رسم مسارات تدعم خطواتها نحو تجاوز أزمات تمويلية متتالية.
تونس تتّجه شرقاً... فهل يُخرجها ذلك من أزماتها الاقتصادية؟
تونس
A+   A-

تعقد الحكومة التونسية آمالاً عريضة على الاتجاه شرقاً وتعزيز سبل التعاون مع عدد من القوى الاقتصادية في المنطقة، في محاولة لتأمين حاجاتها التمويلية الخارجية، والتحرر من قيود المؤسسات الدولية واشتراطاتها، بداية بمتطلبات صندوق النقد الدولي.

 

وتتصدر الصين وروسيا والدول الخليجية قائمة الدول التي تستهدفها المنظومة الاقتصادية التونسية لعقد مزيد من الشراكات الاستراتيجية، بهدف رسم مسارات جديدة نحو تجاوز أزمات تمويلية متتالية واجهتها في الأعوام الأخيرة.

 

ورغم نجاح تونس في سداد "كل ديونها" المستحقة في العام الماضي، والتي كانت في حدود 11.714 مليار دينار (3.79 مليارات دولار)، وفقاً لبيانات البنك المركزي التونسي، فإن الديون ما زالت تُمثل تحدياً قوياً للحكومة التونسية خلال العام الجاري، في ضوء ضعف الخيارات التمويلية الخارجية المتاحة، وقائمة من التحديات تؤرق المنظومة الاقتصادية، ما يمثل دافعاً قوياً نحو البحث عن الاتجاه شرقًا، وعقد مزيد من الشراكات.

 

توقيع الاتفاقيات التونسية -الصينية أثناء زيارة سعيّد بكين 
 

شراكات جديدة 

 من هذا المنطلق، شهدت المرحلة الأخيرة إعلان تونس والصين إقامة علاقات شراكة استراتيجية بين البلدين، لإرساء شراكة استراتيجية من أجل مستقبل أفضل للشعبين التونسي والصيني.

 

فقد الرئيس التونسي قيس سعيد ونظيره الصيني شي جينبينغ بتوقيع سبع اتفاقيات تعاون في نهاية أيار (مايو) الماضي، في مجالات التعاون الاقتصادي والفني، والاستثمار، والتنمية، والإعلام.

 

تقييم شامل

تعقيبًا على ذلك، يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي  لـ "النهار العربي" إن التصور الحالي الذي يحمله الرئيس قيس سعيد عن تعامل  المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي هو انه "يمثل تعدياً على السيادة الوطنية بسبب شروطه، وبالتالي يريد الرئيس تعزيز علاقات البلاد مع دول الشرق، والدخول معها في اتفاقيات مثل اتفاقية البريكس، والتعاون مع دول الخليج وروسيا والصين، ليكون ذلك بديلاً للتعامل المالي مع الغرب، من دون المساس بالسيادة الوطنية".

 

ويضيف أن هذا التصور غير سليم 100 في المئة، خصوصاً أن التعامل مع المؤسسات الدولية مثل الصندوق لا ينتقص من السيادة الوطنية، "إلا في حال قبول الفريق المفوض التعامل مع الصندوق بكل شروطه"، لافتاً إلى أن التوجه نحو تعزيز العلاقات مع الشرق وعقد مزيد من الشراكات معه "لا يمكن أن يعوض العلاقات مع الغرب، فتونس قريبة جغرافياً من أوروبا، وهذا يدعم عملياتها التصديرية مع تحسن الأوضاع بتكلفة أقل على الشركات التونسية، مقارنة بمسارات التعامل مع دول الشرق، التي ستكبدنا تكلفة إضافية، فضلاً عن دخولنا في منافسة قوية مع الشركات الصينية".

 

ويؤكد الشكندالي أن الاقتصاد التونسي يتطلب الاستمرار في التعاون مع المؤسسات الدولية في ضوء النمو الضعيف والانكماش الاقتصادي الحاصلين خلال العام الماضي، والناتجين من الإتجاه نحو سداد الديون الخارجية على حساب دعم القطاع الخاص والاقتراض الداخلي من قبل البنك المركزي التونسي، والذي كان له تبعات اقتصادية سلبية.

 

 

رفض مستمر

وشهدت الفترات الماضية تجديد الرئيس التونسي رفضه ما وصفها بأنها "شروط وإملاءات" صندوق النقد الدولي التي اعتبرها غير مقبولة، مشدداً على أنها "تهدد السلم الاجتماعي" في حال تطبيقها.

 

وتعكس التوجهات الحالية للتوجه شرقاً رغبة الدولة التونسية في رفض تنفيذ الإصلاحات الرئيسية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، ويضعها شروطاً لتقديم أي دعم مالي.

 

متطلبات المرحلة

ويتابع الشكندالي عارضاً أبرز متطلبات المرحلة، فيقول إنها تتطلب "دفع النمو عن طريق القطاع الخاص، وتحسين مناخ الأعمال، وتغيير السياسة النقدية الحالية"، مشيراً إلى أهمية إطلاق برنامج إصلاح اقتصادي يهدف إلى تعزيز تدفقات العملة الأجنبية من جديد، ويدعم القوى الإنتاجية مرة أخرى.

 

ويوضح أن أبرز عناصر برنامج الإصلاح دعم ملف التونسيين في الخارج وتحويلات المهاجرين بتمكينهم من فتح حسابات بالعملة الصعبة في البنوك التونسية، والاستفادة من العوائد، "إضافة إلى دعم قطاع الفوسفات تحت إدارة الجيش الوطني على مستوى الإنتاج والنقل إلى المجامع الكيميائية تمهيداً لتصديره، ودعم المؤسسات المصدرة بإعفاءات ضريبية، فضلاً عن إعفاء الأموال المتداولة نقداً بالعملة الصعبة في الأسواق الموازية من الضرائب، لتمكين أصحابها من ادخارها في البنوك".

 

أزمة متراكمة

  •   ويؤكد المحلل التونسي نزار الجليدي لـ "النهار العربي" أن الأزمة الاقتصادية والمالية التونسية ليست وليدة اليوم، "بل هي نتيجة تراكمات منذ أعوام طويلة، في ضوء توجيه الإنفاق إلى أمور سياسية خلال الفترات السابقة، بدلاً من توجيهها نحو مسارات تنموية تدعم قدرة الدولة".
  •  

يضيف الجليدي أن الفترة الحالية تشهد تولي وجهة جديدة خاصة بالشراكات مع الاتجاه شرقاً، بالتحديد نحو روسيا والصين، "خصوصاً أن مردود التعامل مع الاتحاد الأوروبي صار ضعيفاً في ضوء التراجع الاقتصادي الأوروبي الحاصل الآن". فبعدما كانت أوروبا الشريك الأول لتونس، صارت الآن عاجزة عن مواجهة التضخم.

 

ويلفت إلى أن تونس تريد الآن عقد شراكات تحرجها من أزمتها الاقتصادية، "والتي ليست تونسية فقط، إنما هي أزمة تعم المنطقة الملتهبة ظروف جيوسياسية جديدة".

اقرأ في النهار Premium