النهار

أعلى احتياطي أجنبي في مصر: قفزة تاريخية تحتاج إلى رؤية شاملة للنهوض الاقتصادي
إسلام محمد
المصدر: النهار العربي
يشهد الاقتصاد المصري قفزة تاريخية بتسجيل صافي الاحتياطات بالنقد الأجنبي أعلى مستوياته على الإطلاق، إلى 46.1 مليار دولار بنهاية أيار (مايو) الماضي، ارتفاعاً من 41.1 مليار دولار في نيسان (أبريل)
أعلى احتياطي أجنبي في مصر: قفزة تاريخية تحتاج إلى رؤية شاملة للنهوض الاقتصادي
مواطن مصري يمرّ بصراف للعملات الأجنبية في أحد شوارع القاهرة (أرشيفية)
A+   A-

يشهد الاقتصاد المصري قفزة تاريخية بتسجيل صافي الاحتياطات بالنقد الأجنبي أعلى مستوياته على الإطلاق، إلى 46.1 مليار دولار بنهاية أيار (مايو) الماضي، ارتفاعاً من 41.1 مليار دولار في نيسان (أبريل)، مدعوماً بتدفقاتٍ أمّنتها صفقة "رأس الحكمة"، وتحرير سعر الصرف، وتمويلات رصدتها مؤسسات تمويلية أخرى، أهمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي.

وتعوّل الدولة المصرية على هذا الاحتياطي النقدي لاستكمال سيطرتها على معدلات التضخم، وإعادة العديد من القطاعات إلى نشاطها السابق، وخصوصاً الإنتاجية منها، فضلاً عن دعم النشاط التصديري لتحقيق معدلات نمو مستدامة، وزيادة موارد الدولة بالنقد الأجنبي.

 
وترجح وكالة "فيتش" العالمية للتصنيف الائتماني أن يرتفع إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي في مصر في السنة المالية الحالية التي تنتهي في حزيران (يونيو) الجاري إلى 49.7 مليار دولار، بفضل وفرة موارد النقد الأجنبي، وعودة الثقة بالجنيه بعد تحرير سعر الصرف بشكل مستدام.

ويتوافق ذلك مع سعي إلى تحقيق معدلات نمو تفوق 4 في المئة خلال العام المالي المقبل، وتحقيق نمو قوي على صعيد النشاط التصديري خلال المرحلة المقبلة، والتحكّم بالتضخم، علماً أن بياناتٍ حديثةً أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تبيّن تراجعاً في التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في مدن مصر إلى 28.1 في المئة في أيار (مايو) الماضي، من 32.5 في المئة في نيسان (أبريل) الماضي.

 

 

 

طوق نجاة

"كان هذا الارتفاع في الاحتياطي النقدي الأجنبي متوقعاً"، كما يقول بلال شعيب، مدير مركز رؤية للدراسات، لـ "النهار العربي"، في ضوء حزمة القرارات الأخيرة والصفقات المبرمة، وأبرزها صفقة "رأس الحكمة التي تعدّ طوق نجاة للاقتصاد المصري في فترة شهدت انهياراً اقتصادياً كاملاً، وضعفاً في موارد الدولة بالقطع الأجنبي".

وبحسب شعيب، تأثر موارد الدولة بالدولار جاء في ضوء حدّة ضعف مصادر النقد الأجنبي كالسياحة، وتصاعد المخاطر الجيوسياسية وتأثيرها السلبي عالمياً ومحلياً، فضلاً عن تراجع إيرادات قناة السويس وضعف تحويلات المصريين في الخارج بوجود سوق للقطع غير رسمي، ما أدّى إلى تأكّل قيمة الجنيه المصري، وصعود الدولار في قفزات متتالية، فتدهورت بالتالي حركة الصادرات.

ويوضح: "في ضوء التطورات الإيجابية الأخيرة، ساهمت زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي في دعم قدرة الدولة على مواجهة معدلات التضخم في الفترة الأخيرة، وفي تعزيز فرص نجاح خططها بشأن الوصول بالتضخم إلى ما بين 7 و9 في المئة، شرط توافر عناصر عدة، في مقدّمها استقرار سعر الصرف وتوافر السلع في الأسواق، لضمان تراجع الأسعار الاستهلاكية".

 
 
المطلوب رؤية شاملة
وتسعى الدولة المصرية إلى تفعيل بدائل استثمارية عدة لدعم استمرارية تحسن مؤشراتها الاقتصادية، ومواجهة مخاطر التضخم والسيطرة عليه. ووفقاً لرئيس مجلس الوزراء المصري، تولي الدولة الصناعة اهتماماً قوياً، مع التركيز على مجموعة من الصناعات في المرحلة المقبلة "من خلال دعم رجال الأعمال الجادين ومساعدتهم في إنهاء الإجراءات والتيسير عليهم في التصدير، بهدف زيادة معدلات نمو الصادرات بنسبة 15 في المئة، وتحقيق الهدف الممثل في 145 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030".
 
واستكمالاً لذلك، يعرض شعيب أبرز متطلبات المرحلة المقبلة لضمان استمرارية هذا التطور الإيجابي على صعيد مؤشرات الاقتصاد المصري، وهي "ضرورة رسم خطة للنهوض بالقطاعين الصناعي والزراعي خلال المرحلة المقبلة لتحقيق أهدافها التصديرية، ووضع رؤية شاملة للنهوض بقطاع السياحة وتعظيم حجم عوائده لضمان استمرارية تدفق النقد الأجنبي، مع تقديم التيسيرات لعمليات التصدير لتخطّي مخاطر التضخم والنقص الغذائي ومخاطر أسعار الفائدة والتوترات الجيوسياسية".
 
ويتوقع أن تتجّه السياسة النقدية للدولة خلال المرحلة المقبلة نحو خفض أسعار الفائدة في ضوء معدلاتها الحالية، مقارنة بمستويات التضخم الأقل نسبياً، وبالتالي بدء مسار هابط للفائدة.
 
توقعات إيجابية
انسحب التفاؤل الذي يتكلم عنه شعيب على كلام الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي، إذ يقول لـ "النهار العربي" إن التوقعات إيجابية خلال المرحلة المقبلة، متوقعاً وصول الاحتياطي النقدي الأجنبي في مصر إلى 52 مليار دولار.
 
ويبني الإدريسي توقعاته المتفائلة على عوامل عدة، "منها الاستقرار في سعر الصرف، وزيادة التنازلات عن الدولار، والاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة على الجنيه المصري، إضافة إلى التأثير الإيجابي لصفقة رأس الحكمة، وتعويض جزء كبير من النقد الأجنبي، كما يقول، مشيراً إلى أن هذه العوامل دعمت توجّهات البنك المركزي المصري في تحركه لمواجهة التضخم من خلال الفائدة المرتفعة، "وهذا دعم تباطؤ معدلات التضخم خلال الأربعة أشهر الماضية".
 
ويضيف أخيراً: "في ضوء التوجّهات الحالية نحو التحول من الدعم العيني إلى النقدي، يبقى الجزء الأهم، وهو وصول الدعم إلى مستحقيه وفق قواعد بيانات حقيقية، إضافة إلى ضرورة وجود آليات تنفيذ واضحة بشأن ترشيد الدعم المستهدف وطرحه للحوار الوطني والمجتمعي من خلال متخصصين في هذا المجال".
 

اقرأ في النهار Premium