الأنظار متجهة إلى تحالف "بريكس"، علّه ينجح في الحد من هيمنة الدولار، على الرغم من إصرار بعض الإعلام الغربي على إظهاره فاشلاً.
هذا التحالف "نبتة فتية" في منظمة الاقتصاد العالمي، تنمو جيداً، لكنها تنمو ببطء. هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة تحالف "بريكس" (BRICS) متوقعاً في حديث لـ "النهار العربي" أن يحتاج لنحو 10 أعوام، "وربما أكثر من ذلك، ليكتمل نمواً وليتمكن من اقتناص حصة من كعكة الاقتصاد العالمي، من دون أن يقضي على الدولار والمؤسسات المالية الكبرى مثل صندوق النقد والبنك الدولي، كما يعتقد البعض".
إن عدنا قليلاً في التاريخ، إلى عام 1944، وجدنا أن سيطرة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي بدأت في مؤتمر بريتون وودز، الذي جمع 730 موفداً من 44 دولة عظمى في فندق "جبل واشنطن" بمنطقة بريتون وودز في ولاية نيو هامبشاير، على هدف واحد: تأسيس نظام نقدي دولي جديد بدلاً من الذي دمرته الحرب العالمية الثانية. حينها، لم تدعَ أي دولة أفريقية إلى ذلك الاجتماع. ومنذ ذلك اليوم، خضع العالم لسيطرة الدولار أكثر من 70 عاماً.
اليوم، الأنظار متجهة إلى تحالف "بريكس"، علّه ينجح في الحد من هيمنة الدولار، على الرغم من إصرار بعض الإعلام الغربي على إظهاره فاشلاً في إعادة تنظيم النظام المالي العالمي. فكيف نفرق الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟
يقول بدرة: "عند تقييم أي تكوين اقتصادي جديد، هناك عاملان نأخذهما في الحسبان: القدرة المالية والمدى الزمني. وبما أن التكتل ضاعف عدد أعضائه من 5 إلى 10 أعضاء في مطلع عام 2024، يتضح لنا أنه تجح في 6 أشهر في إبرام العديد من الاتفاقيات بين الإمارات والهند، الصين وروسيا، الصين ومصر للتبادل التجاري وتنفيذ استثمارات بالعملات المحلية، ما يشير إلى تحقيق إنجازات مشهودة على أرض الواقع في فترة زمنية قصيرة".
على قائمة الانتظار
تبلغ نسبة مساهمة الدول العشر الأعضاء في "بريكس" في الاقتصاد العالمي 28.8 في المئة، ويسيطر التكتل على 20 في المئة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية. وتوقعت مؤسسة "
فيجوال كابيتاليست" (Visual Capitalist) أن يمثل "بريكس" نحو 30 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ومعلوم أن هذا التحالف الاقتصادي تأسس في عام 2006، وضم حينها 4 دول: البرازيل وروسيا والهند والصين. ثم انضمت جنوب أفريقيا إلى التحالف في عام 2010، ليصبح اسمه "بريكس" (مؤلف من أول حرف من اسم كل دولة بالإنكليزية)، هدفه إعادة التوازن للنظام المالي العالمي. وفي مطلع العام الجاري، انضمت السعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران إلى التخالف، فيما رفض رئيس الأرجنتين خافيير مايلي انضمام بلاده.
يضيف بدرة: "ثمة 30 من أصل 195 دولة معترفاً بها في العالم على قائمة الانتظار للانضمام إلى ’بريكس‘،ما يبرز أهمية التكتل ومدى تأثيره في الاقتصاد العالمي على المدى البعيد، على الرغم من أن هذا التأثير لن يكون ضخماً"، فبعد وصول عدد أعضائه إلى 40 دولة، سيمثل التكتل خِمس الاقتصاد العالمي فقط، "لكن كلمته ستكون مسموعة حين تُرسم سياسات النظام المالي العالمي في المستقبل".
قوة تصويت متواضعة
وتذكيراً، دول "بريكس" الخمس الأساسية مسؤولة عن 26 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بالقيمة الاسمية، لكنها لا تملك إلا 15 في المئة من قوة التصويت في ما بينها في صندوق النقد الدولي.
لتحقيق أهداف التحالف، وافقت الدول الأعضاء على جمع احتياطيات بالعملة الأجنبية قدرها 100 مليار دولار، يمكن أن تقرضها بعضها لبعض في حالات الطوارئ. كما أسست في عام 2015 "
بنك التنمية الجديد" (New Development Bank)، على غرار البنك الدولي، برأس مال يصل إلى 50 مليار دولار، ووافقت منذ بدء أعمالها في عام 2016 على قروض بنحو 33 مليار دولار لنحو 96 مشروعاً في الدول الأعضاء الخمس الأصلية، موجّهة أساساً إلى مشروعات المياه والنقل والمواصلات ومشاريع البنية التحتية الأخرى.
على النقيض من ذلك، التزمت مجموعة البنك الدولي بتقديم 98.8 مليار دولار لنحو 190 دولة شريكة، موزعة على شكل اعتمادات وقروض ومنح وضمانات، في عام 2021 وحده. وهذا يظهر حجم التفاوت الكبير في القدرة التمويلية لصالح البنك الدولي.
رابحون وخاسرون
يقول دانييل برادلو، كبير الباحثين في مركز النهوض بالمنح الدراسية في جامعة بريتوريا، لموقع "
فرانس 24"، إن "بنك التنمية الجديد" ظل متواضعاً في طموحاته على الرغم من الخطاب المتغطرس عند إطلاقه، "فهو صغير، لكنه كان مفيداً في مساعدة الدول الأعضاء خلال جائحة كوفيد".
إن كان الوضع كذلك، من يربح من الانضمام إلى "بريكس" ومن يخسر؟ يقول بدرة إنه ما من خاسر واحد في الانضمام إلى "بريكس"، لكن المكاسب ستكون متفاوتة، "فقد بلغت قيمة صادرات مصر إلى الصين 909 ملايين دولار بنهاية عام 2023، بينما بلغت واردات مصر من الصين 12.9 مليار دولار، وإن كان التبادل التجاري بالعملة المحلية، الصين استفادت من زيادة صادراتها وكذلك مصر استفادت من نمو صادراتها أيضاً، لكن حجم الاستفادة لكل دولة متفاوت بحسب حجم صادراتها".
ويختم بدرة بالقول: "يمكن أن تتعاظم مكاسب التحالف في حالة زيادة القدرة التمويلية للتحالف كله، وزيادة استثمارات كل دولة عضو فيه، حتى يرتفع حجم إنتاجها وتزداد أحجام التبادل التجاري فترتفع قيمة العملات المحلية، ومحتمل حينها أن تكون هناك عملة ’بريكس‘ موحدة بقيمة تناسب جميع الدول الأعضاء".