تنطلق فعاليات مؤتمر الاستثمار المصري - الأوروبي في يومي 29 و30 حزيران (يونيو) الجاري، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وسط تطلع الحكومة المصرية إلى عقد شراكات استثمارية تساهم فعلياً في زيادة التدفقات المالية الأجنبية المباشرة، بما يعزز الخطوات الهادفة إلى تحقيق تنمية مستدامة، ورفع معدلات النمو في الأعوام المقبلة.
من خلال فعاليات المؤتمر برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بحضور حشد من الكيانات الاقتصادية الأوروبية كبرى شركات الاستثمار، تأمل مصر في الترويج للفرص الاستثمارية المتاحة في الاقتصاد المصري، وفي جذب التدفقات الاستثمارية، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر والاتحاد الأوروبي في قطاعات عدة ذات أولوية للجانبين، على المستويين الإقليمي والثنائي، في مقدّمها البنية التحتية المستدامة، والطاقة المتجددة، والكهرباء، والأمن الغذائي، والصحة، والتعليم، والنقل المستدام، وشبكات المياه والصرف الصحي، إضافة إلى مشروعات صغيرة ومتوسطة، وأخرى متناهية الصغر.
فرص استثمارية واعدة
يعد هذا المؤتمر امتداداً لعلاقات قوية جمعت بين مصر والاتحاد الأوروبي، أثمرت في آذار (مارس) الماضي حزمة تمويل أوروبية لمصر بقيمة 7.4 مليارات يورو (8.06 مليارات دولار) على مدى أربعة أعوام، تشمل قروضاً واستثمارات، إلى جانب التعاون في ملفي الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الإرهاب.
ويكتسي انعقاد المؤتمر الاستثماري المصري – الأوروبي اليوم أهمية خاصة، "إذ يأتي في ضوء الاستقرار الذي تشهده المنظومة الاقتصادية في مصر، على مختلف الصعيد، وتحديداً استقرار سعر الصرف، ما يعزز فرص نجاح مصر في استقطاب المزيد من التدفقات الاستثمارية الأوروبية"، كما يقول محمد حسن، العضو المنتدب لشركة "ألفا" لإدارة الاستثمارات المالية، لـ"النهار العربي"، مضيفاً أن المنظومة الاقتصادية المصرية تتمتع بعوامل جذب عدة، تساهم في تعظيم عوائد مصر من المؤتمر، "وفي مقدمها تراجع قيمة الأصول المصرية عقب تحرير سعر العملة المحلية، وبرنامج للطروحات الحكومية قوي بفرص واعدة يتضمن شركات ذات أصول جاذبة، إلى جانب فرص استثمارية ثمينة في القطاعين العقاري والسياحي".
فهذه الفرص المتاحة تعزز قدرة مصر على عقد شراكات مع الشركات الأوروبية الحارة في المؤتمر، وتدعم انطلاقة مصر في قطاعات حيوية، مثل الأسمدة والحديد، "خصوصاً أن هذه القطاعات تتيح للدول الأوروبية فرصاً حقيقية للاستثمار خارج القارة الأوروبية"، كما يلاحظ حسن، لافتاً إلى استفادتها من تراجع الأصول المصرية ومن زيادة حجم التبادل التجاري بينها وبين مصر.
أرقام تجارية دالّة
وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت تطوراً في حجم استثمارات دول الاتحاد الأوروبي في مصر، لتسجل نحو 8.2 مليارات دولار خلال العام المالي 2022-2023، في مقابل 3.2 مليارات دولار خلال العام المالي 2021 -2022 بزيادة 5 مليارات دولار، وبنسبة زيادة 156.3 في المئة.
ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، بلغ إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي نحو 31,2 مليار دولار في عام 2023، واحتلت إيطاليا الصدارة من حيث وارداتها من مصرية في عام 2023، إذ بلغت قيمتها 3.1 مليارات دولار، تليها إسبانيا (1.8 مليار دولار) ثم اليونان (1.6 مليار دولار).
إن هذه الأرقام دليل فعلي على التطور الذي أحرزته العلاقات الاقتصادية المصرية – الأوروبية أخيراً. ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر، لـ"النهار العربي": "ما زاد هذه الصلات قوةً هو إبرام العديد من اتفاقيات الشراكة بين الجانبين، وهنا تكمن أهمية مؤتمر الاستثمار المصري - الأوروبي، فهو بوابة واسعة تمرّ عبرها التدفقات الاستثمارية الأوروبية إلى السوق المصرية، من خلال شراكات مع شركات أوروبية رائدة في مجالات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والصناعات التحويلية، تؤدي دوراً مهماً في الترويج لفرص استثمارية واعدة في مشروعات قومية كبرى في مصر".
ويضيف: "إن الارتفاع في حجم التجارة البينية أخيراً يجعل من الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لمصر، فهو يستحوذ على نحو ثلث إجمالي التجارة الخارجية المصرية، كما يعد أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر"، لافتاً إلى أن هذا المؤتمر يتوافق مع تطلعات مصر إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي بالتركيز على منتجات ذات قيمة مضافة عالية.
حوافز تستقطب الاستثمار
يذكّر خضر بأن المؤتمر يتزامن مع تأكيد الحكومة المصرية التزامها تنفيذ إصلاحات اقتصادية وقانونية "تعزز البيئة الاستثمارية في مصر، ما يجذب المزيد من المستثمرين الأوروبيين، فضلاً عن تطوير استراتيجية وطنية شاملة للعلامة التجارية والتسويق لتعزيز صورة مصر العالمية وقدرتها التنافسية".
ويُجمل خضر أبرز المتطلبات لدعم خروج مصر بنتائج قوية من هذا المؤتمر، وهي : "تقديم حوافز جاذبة للمستثمرين الأوروبيين كالضمانات والمزايا ضريبية، والتركيز على توقيع شراكات مجدية في مجالات التنمية المستدامة كالطاقة النظيفة والزراعة الحديثة والتحول الرقمي، والبحث في استقطاب التمويل الأوروبي لتنفيذ مشروعات البنية التحتية الخضراء والمشروعات ذات الأثر البيئي والاجتماعي الإيجابي".
ويضيف إلى ما سبق تعزيز التعاون في مجال نقل التكنولوجيا الخضراء، وبناء القدرات التي تساهم فى زيادة تدفقات العملة الأجنبية، "مع التركيز على جذب استثمارات مباشرة إلى قطاعات تُدر على الخزينة المصرية عوائد بالعملة الأجنبية، مثل الطاقة والتصنيع والسياحة، من دون أن ننسى عقد اتفاقيات تُعزز صادرات مصر للأسواق الأوروبية، والتنسيق مع الاتحاد الأوروبي لتسهيل التحويلات المالية من مصريين عاملين في دول الاتحاد الأوروبي".