يتطلع الأردن الذي أنشأ قبل نحو 3 أعوام وزارة خاصة بالاستثمار، إلى إحداث نقلة نوعية حقيقية في جذب الاستثمارات، بمواصلة العمل ضمن استراتيجية شاملة على توفير المناخ المثالي لتحقيق ذلك، بما يعزز تنافسية المملكة في المنطقة والإقليم، في وقت ينصب الاهتمام أيضاً على معالجة كل الثغرات والمعوقات التي ظلت تواجه هذا الملف.
وقبل الوزارة، كان الملف مناطاً بـ"هيئة الاستثمار" وحملت أكثر من حكومة سابقة الملف الثقيل دون أي اختراق يُذكر، وذلك وسط تحديات خارجية وداخلية كانت ولا يزال بعضها يفرض نفسه في بلد يواجه بشكل عام مأزقاً اقتصادياً يلقي بظلال ثقيلة على الأوضاع المعيشية للأردنيين.
وتظهر أحدث بيانات البنك المركزي الأردني أن صافي الاستثمار الدولي في الأردن حتى نهاية 2023 ارتفع بنسبة 4%، مقارنة بـ2022، حيث وصل حتى نهاية العام الماضي إلى 38.082 مليار دينار، مقارنة مع 36.643 مليار دينار حتى نهاية العام 2022.
أبرز التحديات
وبشأن تلك التحديات، يقول الكتاب والمحلل الاقتصادي عوني الداوود لـ"النهار العربي" إن "الأردن يواجه اليوم تحديات خارجية لها تداعيات مؤثرة على الاقتصاد وجذب الاستثمارات، وفي مقدمتها تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة وانعكاساتها على الاستثمار في عدد من القطاعات أبرزها السياحة والتجارة والنقل، في حين نجحت قطاعات أخرى بزيادة الاستثمار رغم التحديات وأبرزها الصناعة عموماً، وتحديداً الصناعات الغذائية والزراعية والتعدينية والدوائية والكيميائية وغيرها، فضلاً عن الاستثمار في مجال الطاقة والطاقة المتجددة والهيدروجين".
أما بالنسبة للتحديات الداخلية أمام الاستثمار، فأبرزها وفق الداوود الذي يشغل منصب رئيس مركز الدستور للدراسات الاقتصادية، "البيروقراطية التي يمكن القول إنها تأتي في مقدمة تلك التحديات، لكنّ هناك جهوداً كبيرة تبذل للحد منها من خلال ’خارطة طريق تحديث القطاع العام 2033’ بالتوجه نحو الرقمنة وإتمام مشروع الحكومة الإلكترونية وغير ذلك".
ويضيف أن "الأردن يدرك تماماً بأن الحل الأنجع للاقتصاد هو الاستثمار، ولذلك فهو يحتاج لجذب استثمارات تقدر بنحو 41 مليار دينار أردني (حوالي 58 مليار دولار أميركي) تحقيقاً لركيزتي رؤية التحديث الاقتصادي وهما: خلق نحو مليون وظيفة دائمة، ورفع معدلات النمو إلى 5.8%".
وتشجيعاً لجذب الاستثمارات، يقول الداوود: "تم إنشاء وزارة تعنى بالاستثمار في حكومة الدكتور بشر الخصاونة بدلاً من هيئة الاستثمار، وتوسيع صلاحيات الوزارة لتكون هي المظلة الوحيدة المعنية بجذب الاستثمارات للمملكة، وتقديم كافة التسهيلات اللازمة للاستثمارات والمستثمرين، كما تم إنشاء مجلس أعلى للاستثمار يرأسه رئيس الوزراء ويضم وزراء معنيين وممثلين عن القطاع الخاص".
قوانين لتشجيع الاستثمار
ويشير الداوود إلى أنه "تم خلال العامين الماضيين إصدار عدد من القوانين الهادفة لجذب الاستثمارات في مقدمتها قانون البيئة الاستثمارية، قانون الشركات، وقانون المنافسة"، معتبراً أن "هذه القوانين تمتاز بمواد عديدة تواكب التطور الكبير والمنافسة الشديدة على جذب الاستثمارات في دول الإقليم من خلال توفير حوافز كبيرة للاستثمارات الخارجية والداخلية".
ويتابع: "طرحت وزارة الاستثمار خلال الشهور الماضية ومن خلال منصة invest.jo نحو 30 فرصة استثمارية متنوعة قطاعياً وجغرافياً ضمن قطاعات اقتصادية ذات قيمة مضافة عالية، بحجم استثمار يصل إلى نحو ملياري دولار أميركي، وتشمل 17 قطاعاً هي قطاعات الزراعة والأمن الغذائي، الصناعات الكيماوية، الصناعات الإبداعية، التعليم، الطاقة، النمو الأخضر، التجارة، النقل والخدمات اللوجستية، المياه، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، العلوم الحياتية، الرعاية الصحية، السياحة، التعدين، الصناعات الغذائية، المحيكات والملابس، وصناعة الأفلام، إضافة إلى مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص".
سلسلة أزمات أضعفت الاستثمار
أما المتخصص في الاقتصاد السياسي زيان زوانه، فيرى من جهته أن "الأردن بحكم قواعد الجغرافيا السياسية ونتيجة ما يتمتع به من استقرار بالمفهوم الشامل، يمكن أن يكون بلداً جاذباً للاستثمار، وهذا ما كان عليه الواقع في سنوات سابقة، لكن هذه العوامل نفسها، إضافة لتحديات داخلية أساسية أضعفت قدرته على جذب الاستثمار، ولنا أن ننظر لما شهده الإقليم خلال الـ15 سنة الماضية من أزمات".
وبهذا الخصوص، يتطرق زوانه في حديثه لـ"النهار العربي"، إلى "بداية الربيع العربي والأزمة السورية وما نتج عنها من قدوم مئات آلاف الأخوه السوريين للأردن بكل ما مثله هذا من ضغوط على الموارد والخدمات، ثم أزمة جائحة كورونا وتبعاتها الهائلة، ثم حرب أوكرانيا بما نتج عنها من ارتفاع أسعار كثير من المواد والمدخلات للإنتاج، ثم ارتفاع أسعار الفائدة وتبعاتها المثبطة للنمو، وآخرها حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني التي يشنها الاحتلال وتبعات ذلك على اقتصادات دول الإقليم خاصة الأردن ولبنان ومصر".
وذلك كله وفق زوانه، "يترافق مع التحديات الداخلية المزمنة في قطاع المالية العامة وارتفاع هيكل الضرائب وضعف أداء الإدارة العامة، خصوصاً بملف الاستثمار، والذي تم حسم هذا الجانب منه بتأسيس وزارة الاستثمار"، مشيراً إلى أن "كل هذه العوامل أضعفت قوة الأردن على جذب الاستثمار، بحيث لم يتجاوز النمو الاقتصادي طيلة هذه السنوات مستوى 2.5٪، مما لا يشجع المستثمرين، علما أن لدى الأردن مزايا هائلة لجذب الاستثمار وتعظيم النمو الاقتصادي في قطاعات السياحة والطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحديثة والزراعة الحديثة وغيرها، لذلك لكي يستعيد الأردن جاذبيته المتميزه لجذب الاستثمار، على حكومته معالجة هذه الملفات بالسرعة الممكنة، خصوصاً أن المستثمر لا ينتظر كثيراً وأمامه بلدان منافسة أخرى تسعى وراءه".