على الرغم من الأزمة المالية التي تواجهها تونس، والتعثر المستمر في عقد اتفاق تمويلي مع صندوق النقد الدولي، تتجه الرئاسة التونسية إلى رفع الحد الأدنى لأجور ومعاشات متقاعدي القطاع الخاص، بنسبة تصل إلى 14.5 في المئة، في خطوة تهدف إلى تقديم الدعم اللازم لشريحة متنوعة من المواطنين في مواجهة التحديات الاقتصادية المؤرقة، وقفزة المستويات السعرية للسلع والخدمات.
تشمل الزيادة المقررة قرابة مليون متقاعد في القطاع الخاص، تبدأ بتطبيق زيادة نسبتها سبعة في المئة اعتباراً من أيار (مايو) 2024 بأثر رجعي، تعقبها زيادة ثانية في بداية عام 2025، بنسبة 7.5 في المئة، لرفع الحد الأدنى للأجور البالغ حالياً 459 دينارا (147 دولارا)، وهو واحد من بين أدنى الأجور في العالم.
كلا لن تؤثر
ومنذ الإعلان عنها، أثارت هذه الزيادة علامات استفهام حول آليات تطبيقها، وقدرة الدولة على مواجهة تداعياتها المتوقعة على الموازنة العامة وفرص النمو، فيما تسجل تونس تباطؤاً في نموها الاقتصادي إلى 0.2 في المئة في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بنحو 1.1 في المئة في الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب تأكيدات المعهد الوطني للإحصاء في تونس. إلا أن الكاتب والباحث التونسي نزار الجليدي لا يرى ضرورة لأي علامة استفهام، ويقول لـ"النهار العربي" إن نسبة الزيادة المقررة "خطوة مهمة في ضوء طبيعة المرحلة الحالية وتحدياتها وارتفاع المستويات السعرية وهي ما بعثت كثير من الارتياح الكبير لدى الفئات المستهدفة".
ويضيف الجليدي: "تتزامن هذه الزيادة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطبية"، مستبعداً أي أثر سلبي على المالية العمومية التي بدأت في الانتعاش النسبي مع نجاح تونس في سداد الأقساط المستحقة عليها من ديون، إذ أعلنت سهام بوغديري وزيرة المالية التونسية، أخيراً سداد بلادها قروضاً مستحقة بقيمة 11.6 مليار دينار (3.7 مليارات دولار) من القروض الخارجية خلال النصف الأول من العام الجاري، فضلاً عن سداد سندات خارجية بقيمة 850 مليون يورو (915.28 مليون دولار)، وفقاً لأرقام البنك المركزي التونسي في شباط (فبراير) الماضي.
ويؤيده في ذلك رضا الشكندالي، أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، الذي ينظر إلى تأثير القرارات المستهدفة على وضع الاقتصاد التونسي، نظرة متفائلة نسبياً، فتوجه الدولة نحو إقرار أي زيادة أمر جيد في حد ذاته، "إلا أن النسب المقررة ضئيلة، لا تحسن قدرة المواطن الشرائية في ضوء استمرار ارتفاع معدلات التضخم في تونس".
يضيف الشكندالي لـ"النهار العربي" أن الزيادة لن تؤثر "تحديداً" في الصناديق الاجتماعية المقرر تمويلها تلك الزيادة، "وعلى الرغم من وضع هذه الصناديق المالي غير المثالي، فإن هامش الزيادات المقررة على الأجور والمعاشات ضعيف، تداعياته بسيطة على أدائها".
لن نحتاج الصندوق!
مع تعطل إبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، يبدو الجليدي واثقاً في استبعاده أي تأثير للزيادة على تعطيل أي اتفاق مستقبلي مع صندوق النقد الدولي، "لسبب بسيط.. فتونس لا ترى في الصندوق الخيار الأمثل لتمويل ميزانيتها، في ضوء استغنائها عنه في ميزانيات أعوام 2022 و2023 و2024، بسبب شرطه الأساسي وهو التحكم في كتلة الأجور، بما فيها أجور المتقاعدين".
وبحسب الجليدي، المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي متوقفة. وفي حال استئنافها، ستكون وفقاً للرؤية التونسية، وليس وفقاً لشروط الصندوق التي تهدد السلم الاجتماعي، "وهذا ما يفسر تطوير البلاد علاقاتها التجارية الثنائية بدبلوماسية اقتصادية جديدة ربما تنهي التعامل نهائياً مع صندوق النقد الدولي الذي يفرض شروطاً مجحفة".
إلى ذلك، يؤكد الجليدي أن توقيت الإعلان عن هذه الزيادة "لا يتصل أبداً بالانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، إنما تتصل بأداء الدولة دورها الاجتماعي"، فيما يلفت الشكندالي إلى أن الدولة التونسية مطالبة بزيادة دور القطاع الخاص وتهيئة مناخ الاستثمار وإقرار المزيد من التسهيلات، "لزيادة التدفقات الاستثمارية إليها وعودة النشاط في العديد من القطاعات بالدولة لحصار معدلات التضخم، وتحسين مستويات الأجور والمعاشات في مختلف القطاعات".