في ليلة صيفية، جلس أصدقاء في أحد المقاهي يتسامرون. فجأة، تلقى أحدهم اتصالاً هاتفياً وقع في مسامعه وقوع الصاعقة. فصديقه المتزوج منذ 10 أعوام وله طفلان خسر أمواله كلها في البورصة، على الرغم من أنه يتمتع بخبرة تزيد على 15 عاماً في التداول بسوق المال.
ازداد الأمر سوءاً حين اضطر هذا الرجل إلى بيع كل ما يملك، وحين خسر زوجته التي تريد الانفصال عنه وسلبه أطفاله. والسؤال هنا: ماذا فعل هذا المستثمر الخبير ليخسر كل ما يملك؟
يقود هذا المشهد إلى مشهد آخر في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1929، في يوم "الخميس الأسود" في عام انهيار بورصة وول ستريت في الولايات المتحدة. حينها، عرض المستثمر المُفلس والتر ثورنتون سيارته الفاخرة للبيع مقابل 100 دولار نقدًا في شوارع مدينة نيويورك.
البورصات اليوم في حال من التذبذب، فهل يخاف المستثمرون؟
يقول الدكتور عمرو صالح، أستاذ الاقتصاد السياسي والمستشار السابق في البنك الدولي، لـ"النهار العربي" إن حالاً من عدم اليقين تسود اليوم أسواق المال، "سببها أزمات سلاسل الإمداد والتوترات الجيوسياسية في شرق أوروبا والشرق الأوسط".
في ما يأتي سبع قواعد عسى أن تجنب من يلتزمها من المستثمرين الخسارة في أسواق المال في أوقات عدم اليقين.
أحذروا المضاربة
بحسب صالح، الربح والخسارة في البورصة مرادفان للمخاطرة. وبالتالي، ليست المخاطرة السبب الرئيسي لخسارة الأموال، "إنما هي المضاربة في أوقات عدم اليقين التي تضع المستثمر على حافة الخسارة، وهذا قد يصيب للشركات أيضاً".
يضيف صالح: "كان الهدف الأساسي من تأسيس أسواق المال تعظيم رؤوس أموال الشركات بحصول المستثمر على حقوق ملكية في الشركات من خلال شراء أسهمها، لكن نادراً ما نجد اليوم مستثمراً مهتماً بالاستثمار طويل الأمد من خلال امتلاك حصة في شركة ما، فينتظرها لتنمو وتنجح، وتبدأ في توزيع أرباحها. أغلبية المستثمرين اليوم يستغلون الهزات في السوق المالية لتحقيق أعلى عائد بالمضاربة، كأن يشتري المستثمر سهماً عندما تنخفض الأسعار، ليبيعه فور صعود الأسعار. وهكذا، لا تستفيد الشركة من السيولة المتوافرة لديها في خططها الاستثمارية... فالأموال المحصلة معرضة للتبخر في أي وقت، نتيجة للمضاربة".
فتشوا عن القيمة
جيم عثمان مستثمر مخضرم، اختزل خبرةً راكمها أكثر من 30 عاماً في
مقالة له نشرتها مجلة "فوربس" الأميركية، كتب فيها أن التحوط في امتلاك شركات ذات قيمة حقيقية وليست قيمة نابعة من المضاربة على أسهمها هو طوق نجاة عندما يصير محيط سوق المال هائجاً وخطراً.
يضيف عثمان: "مررت بتقلبات السوق في مناسبات عدة، من قاعات التداول المزدحمة إلى غرف الاجتماعات ذات المخاطر العالية، على مدار 30 عامًا من عملي متداولاً ومدير محفظة ومستثمراً متمرساً ومستشاراً لصناع قرار. كان عملي الفعلي هو الكشف عن قيمة الشركة المخفية وإظهارها، ليس للمستثمرين والعملاء وحدهم، بل لنفسي أيضاً".
وقدوة عثمان هنا هو "عرّاب أوماها" وارن بافيت، الملياردير الأميركي التسعيني والرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي. قدّرت ثروته في هذا العام بنحو 128.1 مليار دولار. وبافيت يحث المستثمرين على شراء أسهم القيمة (وهي أسهم تباع في السوق بأقل من قيمتها الحقيقية)، وتجنب أسهم النمو (وهي أسهم لا تمثل قيمتها السوقية قيمتها الحقيقة في السوق) مثل أسهم الشركات التقنية التي تحقق أرباحاً كبير. فبافت لم يفهم هذه الشركات يوماً، على الرغم من أنه يثني على العديد منها، لكنه يفضل دائماً الاستثمار في قطاعات يفهمها ويؤمن بها. يقول، وهو مُصنّف بين أفضل المستثمرين: "كل ما يخبرني به مؤشر سوق المال هو السعر. لكن سعر السهم لا يخبرني بحالة العمل التجاري، لذلك أفضّل تقييم السهم أو الشركة أولاً من خلال تقصي الحقائق من رجال الأعمال نفسهم"، من دون أن يهتم بمعرفة سعر السهم في السوق أثناء تقييم الشركة، كي لا يؤثر هذا السعر في تقييمه الخاص. بعد ذلك، نظر إلى سعر السهم ليرى إن كان يحاكي تقييمه.
انتظروا فرصاً ملائمة
من نصائح بافت أيضاً أنّ على المستثمر الصبر، وانتظار الفرصة الملائمة التي يفهمها فعلاً، حينها يتحرك سريعاً لاقتناصها. يقول: "ربّ فرص رائعة تستدعي تحركاً سريعاً... لكن، إن لم يعرفها المستثمر جيداً، وإن لم يلمّ بتفاصيلها، فليس مضطراً للاستثمار فيها".
لا تحددوا وقتاً لحركة السوق
تقول
منصة "إل إي أو" (LEO) البريطانية للابتكار والحلول التمويلية إن أشد الأخطاء التي يقع فيها المستثمرون فداحةً هي تحديدهم وقتاً لحركة السوق، صعوداً أو هبوطاً. فسوق المال ليست مضمونة، مهما كانت دراساتهم دقيقة. فالتوقعات تبقى في النهاية تخمينات لا أكثر. والأفضل هو الاستثمار في أسهم شركات يفهم المستثمرون في نشاطها، وانتظار العوائد على المدى البعيد.
أحذروا الرافعة المالية العالية
في سوق المال أداة تساعد المستثمر أو المتداول على الدخول في صفقات برأس مال أكبر من رأس المال الذي في رصيده... إنها الرافعة المالية العالية التي تحذر منصة "إل إي أو" من الركون إليها، وتنصح باستخدام رافعة مالية منخفضة عند تداول الأسهم، "لأن ذلك يساعد المستثمر على حماية استثماراته".
كذلك، تحث المنصة المستثمر على التحقق دائمًا من متطلبات هوامش الأسهم أو الأوراق المالية التي يشتريها أو يبيعها، وعلى التأكد دائماً من ملاءته المالية، ليستطيع التحرّك في حال تقلبت السوق بشكل غير متوقع.
إن كنتم مذعورين.. لا تبِيعوا!
تنصح المنصة نفسها المستثمر بتجنب التداول عندما لا يستطيع تحمل الخسارة، فمن دخل السوق باع واشترى، ربح وخسر. وهي تنصحه كذلك بألا يبيع أسهمه أو أي أوراق مالية أخرى إن أصيب بالذعر. وتذكّره بعدم المبالغة في ردة فعله، وبضرورة التزامه هدفه الاستثماري: "الاحتفاظ بالأسهم فترة أطول قليلاً حتى تبلغ الأسعار قيمتها الحقيقية". ولكن..! إن وجد أن أسهمه تتراجع باستمرار، فليُخرجها من حسابه ليحدّ من خسائره، ويحفظ ما بقي من رأس المال.
لا تتعجلوا.. ففي العجلة الندامة
ينصح روبرت كيوساكي، رجل الأعمال الأميركي ومؤلف كتاب "الأب الغني الأب الفقير"، في
تدوينة له في صفحته الرسمية بمنصة "إكس"، المستثمر بألا يدفعه الجشع حين يحدث الانهيار الاقتصادي إلى شراء الأسهم فوراً لأن أسعارها تنخفض، "بل انتظر قليلاً، ولا تبادر إلى التقاط السكاكين المتساقطة، إلى أن تبلغ الأسعار القاع، فلا يرغب أحد في شراء أصول تريد امتلاكها".