فرضت أزمة نقص إمدادات الطاقة في مصر تداعيات سلبية خطيرة على العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية في البلاد، وبصفة خاصة على النشاط الزراعي، إثر توقف عدد من مصانع الأسمدة الكبرى عن الإنتاج نتيجة توقف الإمدادات بالغاز.
يدقّ هذا التوقف في عدد من القطاعات الإنتاجية ناقوس خطر داهم، إذ يؤثر سلباً على نجاح خطط الإصلاح الاقتصادي الجاري تنفيذها، ويمثّل تهديداً مباشراً لمستقبل صناعة الأسمدة، إحدى أهم الصناعات الاستراتيجية الداعمة لتنمية النشاط الزراعي المصري، علماً أن لها دورها المهمّ في منظومة الاقتصاد المصري، وتحتل المرتبة الثانية بين الصادرات المصرية بقيمة 3.4 مليارات دولار، وفقاً لبيانات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري.
مسألة الغاز المسال
أكّد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي حاجة مصر إلى نحو 1.18 مليار دولار لاستيراد الغاز الطبيعي والمازوت، لإنهاء انقطاع الكهرباء المستمر، والذي تفاقم بسبب موجات الحرّ المتتالية، ولتلبية الحاجات الصناعية المهمّة.
لمعالجة أزمة نقص إمدادات الغاز الطبيعي التي تواجهها البلاد، والحفاظ على إنتاجية مصانعها، تُكثف الحكومة المصرية خطواتها بشأن التوسع في استيراد الغاز المسال من الأسواق العالمية، ودراسة استيراد الغاز الصخري من الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة.
وتعقيباً على تداعيات هذه الأزمة، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر لـ"النهار العربي"، إن توقف مصانع الأسمدة بسبب نقص إمدادات الغاز صاحبه آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد المصري، تمثلت في تراجع إنتاج الأسمدة، وفي انخفاض كبير في إمدادات الأسمدة الزراعية المهمّة على صعيد إنتاجية المحاصيل الزراعية، متوقعاً أن تسبب هذه الأزمة على المدى القصير انخفاضاً في الإنتاج الزراعي، "وبالتالي ارتفاعاً في أسعار الأغذية في السوق المحلي، مع ما يواكبه ذلك من خسائر في الصادرات الزراعية، وبما أن مصر من أكبر مصدّري المنتجات الزراعية في المنطقة، فإن هذه الأزمة ستجرّ عليها خسائر اقتصادية وفقدان الوظائف وتوقف مصانع الأسمدة".
محاور ضرورية
ويضيف خضر: "مع استمرار نقص إمدادات الغاز وارتفاع الطلب العالمي عليه بعد حرب أوكرانيا، تحتاج الحكومة المصرية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتقليل توجّهها نحو استيراد الغاز المسال والغاز الصخري الأميركي"، علماً أن وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر اتخذت قراراً بوقف صادرات الغاز الطبيعي المسال اعتباراً من أيار (مايو) الماضي، وأرست في حزيران (يونيو) مناقصات لشراء 20 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، في أكبر عملية شراء لذلك الوقود المنقول بحراً، لتغطية الطلب الكبير على الطاقة في الصيف الحالي.
وبحسب خضر، ثمة محاور أساسية قادرة على دعم مصر لتخطّي الأزمة الحالية، هي الآتية:
- دعم توسعات مصر في سوق الهيدروجين الأخضر والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
- تذليل المعوقات والتحدّيات أمام الاكتشافات الجديدة والمستهدفة من قبل الشركات العالمية بحقول الغاز في السوق المصرية، مثل شيفرون الأميركية وإيني الايطالية وشل.
-تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
-تحفيز الاستثمارات في مجال الغاز الطبيعي المحلي، وتطوير البنية التحتية اللازمة لاستخراجه وتوزيعه.
-تطوير برامج الكفاءة في استخدام الطاقة في القطاعات الصناعية والسكنية لخفض الاستهلاك.
-تعزيز طرق البحث عن بدائل للغاز مثل الفحم والطاقة النووية، مع مراعاة الآثار البيئية لهذه الخيارات.
"سنستعيد مكانتنا"
"إنها أزمة موقتة ولن تطول". هكذا يعلّق نهاد إسماعيل، الخبير في اقتصاديات الطاقة، على النقص في إمدادات الغاز وإغلاق مصانع بتروكيماويات وأسمدة ومحطات توليد الكهرباء، وانقطاع الكهرباء في المنازل فترات وجيزة، مضيفاً لـ"النهار العربي": "وما يؤيّد رأيي هو وجود العديد من المشاريع تحت التطوير لرفع إنتاج الغاز الطبيعي المصري، وحل أزمة النقص، واستعادة مصر موقعها مركزاً عالمياً لتسييل الغاز الطبيعي وتصديره للخارج مرّة أخرى".
وأشار إسماعيل إلى إعلان عدد من الشركات عن مستهدفاتها على صعيد معدلات الإنتاج خلال المرحلة المقبلة، منها إعلان شركة "شيفرون" الأميركية في أواخر عام 2022 بامتلاك 99 مليار متر مكعب من الغاز في حقل "نرجس 1" في دلتا النيل الشرقية، إضافة إلى اكتشاف شركة "إيني" الايطالية حقلاً كبيراً في البحر الأحمر، وتطوير شركة "شل" المرحلة العاشرة في حقول غرب الدلتا.
ويضيف: "لا ننسى إعلان "بريتيش بتروليوم" عن استثمارها 3.5 مليارات دولار لتطوير حقول غاز عدة في السنوات الثلاث المقبلة، ستساهم كلها في توفير ما يكفي من الغاز في مصر لتلبية الطلب المحلي والتصدير".
وأوضح إسماعيل، أن توجّه مصر نحو مشاريع إنتاج الهيدروجين، وتصدّرها الدول العربية في هذا الإطار، يعكس قدرتها المتوقعة على تخطّي الصعوبات الحالية، في ضوء وجود ما لا يقلّ عن 33 مشروعاً معظمها لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره.