سيناريوهات متأزّمة ترسم مستقبل الشحن البحري ومؤشرات الاقتصاد العالمي في عام 2024، في ضوء الانعكاسات السلبية الناتجة من استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية وحرب غزة، وتصاعد هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، وتأثير ذلك على سلاسل التوريد العالمية، خصوصاً ابتعاد شركات الشحن عن البحر الأحمر والدوران حول رأس الرجاء الصالح.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذّر مراراً من استمرار تراجع حركة مرور السفن في قناة السويس، مشيراً إلى أن التوتر في البحر الأحمر أدّى إلى تفاقم اضطرابات التجارة العالمية. فالبحر الأحمر ممر ملاحي حيوي للاقتصاد العالمي، تعبره 15 في المئة من إجمالي التجارة البحرية العالمية، إضافة إلى دوره الحيوي في الربط التجاري بين جنوب شرقي آسيا وأوروبا. وانعكس توجيه شركات الشحن سفنها بعيداً من البحر الأحمر انخفاضاً في حصيلة رسوم المرور عبر قناة السويس بنسبة 57.2 في المئة، إلى 959.3 مليون دولار في الربع الأول من عام 2024، مقابل 2.2 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.
تداعيات خطيرة
استناداً إلى ما سبق، شهدت أسعار الشحن البحري ارتفاعاً حاداً خلال النصف الأول من هذا العام، بنسب تجاوزت 200 في المئة، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ منتصف أيلول (سبتمبر) 2022، بحسب مؤشر "دروري" العالمي المركب الخاص بشحن الحاويات (world container index). فقد ارتفع هذا المؤشر بنسبة 4 في المئة خلال الأسبوع الأخير من حزيران (يونيو) المنصرم، وبنسبة 256 في المئة مقارنة بالأسبوع نفسه من العام الماضي.
تعليقاً على ذلك، يقول الباحث والمحلل الاقتصادي مهدي عفيفي لـ "النهار العربي" إن استمرار ارتفاع أسعار الشحن البحري وتأخّر وصول الشحنات في ضوء التوتر في البحر الأحمر واستمرار الحرب في أوكرانيا، تترك تداعيات خطيرة على منظومة الاقتصاد العالمي، "أبرزها قفزة في أسعار النقل البحري وارتفاع تكلفة التأمين، أزمات في المدن الصناعية في ضوء تأثر سلاسل الإمداد العالمية ونقص المواد الأولية، وارتفاع أسعار المنتجات بصورة كبيرة وتأثر التجارة العالمية، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم ودخول العالم مرحلة كساد، وتراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي".
ويتفق معه الخبير والمحلل المالي والاقتصادي وضاح الطه، مشدّداً على أهمية النقل البحري لما يمثله في "صلب التجارة العالمية، وهو ركن رئيسي فيها، في ضوء خصائصه ومزاياه واقتصادياته التي يتفرّد بها مقارنة بالنقل الجوي والبري".
ويضيف لـ "النهار العربي": "ارتفاع الأسعار الاستهلاكية في ضوء رفع تكاليف الشحن أمر مقلق، في مرحلة تشهد مكافحة البنوك المركزية التضخم في سياستها النقدية، إضافة إلى ارتفاع المخاطر الجيوسياسية وأثرها في رفع تكلفة التأمين، وبالتالي مواصلة الضغط على الاقتصاد العالمي"، متوقعاً أن تكون تداعيات هذه الأزمة أكبر على الدول العربية غير النفطية، مقارنة بالدول المنتجة للنفط مثل مصر، التي تعدّ أكثر دولة متأثرة بانخفاض معدلات المرور في البحر الأحمر وارتفاع تكاليف الشحن.
بدائل ممكنة
لمواجهة هذه التداعيات السلبية على النمو الاقتصادي العالمي، يقدّم الباحث في الشؤون الاقتصادية مازن ارشيد لـ"النهار العربي" بدائل عدة، تخفف من الأثر السلبي للأزمة الحالية. يقول: "المطلوب اليوم تعزيز التعاون الدولي لتحسين كفاءة الموانئ البحرية، وتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية للنقل البحري، وهذا يشمل تحديث الموانئ وتعزيز قدراتها اللوجستية للتعامل مع الزيادة في حجم التجارة العالمية"، فهذا برأيه يخفف الضغط عن سلاسل الإمداد.
يضيف ارشيد: "على الحكومات تبنّي سياسات تشجيعية لدعم الشركات المتضرّرة من ارتفاع تكاليف الشحن، بتقديم حوافز ضريبية أو دعم مالي مباشر للشركات الصغيرة والمتوسطة التي ترزح تحت عبء التكاليف المتزايدة، كما عليها دعم التجارة الإلكترونية، إضافة إلى تقليل القيود الجمركية لتحفيز التجارة العالمية".
بحسبه، يمكن هذه البدائل أن تساهم في تقليل التداعيات السلبية الحالية والمتوقعة للأزمة، التي تعكس بشكل مباشر الاضطرابات التي تعانيها سلاسل الإمداد منذ الجائحة، والتي تسببت في تعطّل الإنتاج والنقل، وفي نقص في المواد الخام والسلع الوسيطة في العديد من الدول، ومن ثم تفاقم أزمة سلاسل الإمداد وارتفاع مؤشر الأسعار الاستهلاكية في الأسواق العالمية.