دخلت التعريفات الجمركية الإضافية الموقتة التي تصل إلى نحو 37,6 % على السيارات الكهربائية المستوردة إلى دول الاتحاد الأوروبي من الصين حيز التنفيذ يوم 5 تموز (يوليو) الجاري، ولكن في شكل وديعة تأمين، إذ لا يتعين تحويل الضريبة نقداً بل تقديم ضمان مصرفي. كل ذلك جعل الصراع التجاري بين الطرفين وشيكاً، ووضع قطاع صناعة السيارات الأوروبية، وبخاصة الألمانية منها، على المحك، لأن برلين من أشد المنتقدين لهذه القرارات الجمركية العقابية. فهل تفضي المفاوضات بين بروكسل وبكين إلى إنضاج الحلول الوسط وإنقاذ العلاقات التجارية بينهما، وبالتالي ربط نزاع لتفادي أزمة كارثية قبل موعد تثبيت التعريفات في الخريف المقبل ولخمس سنوات مقبلة؟
مزايا تنافسية غير عادلة
يبدو أن الاتحاد الاوروبي، رغم فرضه العقوبات المرحلية أولاً، يتعامل بموضوعية في المناقشات المثارة لتلافي أزمة تجارية مع الصين، مع أنه اكتشف من خلال التحقيقات الموسعة مدى استفادة السيارات الكهربائية القادمة من الصين من الإعانات الكبيرة التي تشوّه المنافسة العادلة.
وبحسب ما بيّن موقع شبكة "أن تي في" الإخبارية، فإن اللائحة الشاملة التي أعدت في بروكسل وتزيد عن 200 صفحة، شملت على سبيل المثال الوصول التفضيلي للشركات الصينية إلى المواد الخام، والقروض بفوائد بسيطة من البنوك في بكين، وحصول المصنعين على الأراضي بأسعار زهيدة. ومن منظور الاتحاد الأوروبي، الأمر واضح بأن هناك إعانات ومزايا دعم غير عادلة، وصناعة السيارات الأوروبية معرضة لخطر الضرر، وبالتالي على الصينيين الرد على هذه التشوهات، لا سيما أنها من بين المسببات التي تسبب التأثير الضار الذي يفترضه الاتحاد الأوروبي.
الصين عمدت في المقابل إلى إجراء تحقيق في "الحواجز التجارية والاستثمارية" الناتجة من تصرفات الاتحاد الأوروبي، وذلك في توجه لاتخاذ تدابير مضادة، إذ تفيد المعلومات بأن وزارة التجارة في بكين ترغب في مناقشة الأضرار الصناعية وأسبابها في ما يتعلق بالمنتجات التي تصل من أوروبا، وتتابع شكوى من غرفة التجارة الوطنية بشأن استيراد الآلات والسلع الكهربائية وتصديرها، بما في ذلك معدات التوربينات الخاصة بالطاقة الشمسية وتلك العاملة على الرياح، كما المشروبات الروحية واللحوم وغيرها والمستوردة من دول التكتل.
تتخذ دول ثالثة أخرى إجراءات أكثر صرامة ضد الواردات من الشرق الأقصى، والعديد من الأسواق أصبحت بالفعل أكثر تكلفة بالنسبة إلى بكين نفسها، وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية خاصة بنسبة 100% على السيارات الكهربائية في أيار (مايو) الماضي، ما أدى فعلياً إلى عرقلة سوق الواردات من الصين.
رغبة في التسوية
وتفيد المعلومات من بروكسل بأن كبار المسؤولين من الجانبين الأوروبي والصيني يكافحان لإيجاد حل لنزاع الدعم الذي تقدمه بكين بالمليارات للشركات ويجعل مركباتها رخيصة، وهذا ما يستخدمه الجانب الأوروبي لتبرير التعريفات العقابية لأن هناك تشويهاً لمزايا التنافسية، إلا أن الأمور تسير ببطء شديد لتسوية الصراع التجاري المتصاعد.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي ماركوس بوك لـ"النهارالعربي"، إن من مصلحة الصين القيام بحوارات بناءة بغية التوصل إلى الحلول الممكنة، ولماذا لا تقدم بعض التنازلات إلى الأوروبيين لأن الوصول إلى أسواق أخرى مثل الولايات المتحدة بات مغلقاً إلى حد كبير أمام السيارات الكهربائية الصينية، وأوروبا تعتبر بوابة وسوقاً مفتوحاً لمصنعي السيارات في الصين".
وأعرب بوك عن اعتقاده أن المفاوضات لن تكون سهلة لأن الدول الأوروبية لا تتحدث حتى الآن بلغة واحدة بهذا الخصوص، كما أن التركيز من قبل الاتحاد الأوروبي سينصب على الطلب من بكين الالتزام بأسس ثابتة لضمان النزاهة والشفافية ولمنع حدوث أمور مماثلة كتلك التي حدثت في سوق الألواح الشمسية، إذ بقيت الأسواق غير منضبطة واستحوذ عليها الصيني بالكامل تقريباً. وفي ما خص السيارات الكهربائية، فالأوروبي يرى نفسه في موقع صلب لأن قراراته تتوافق مع قانون التجارة الدولي. ومن وجهة نظر المفوضية الأوروبية، فإن الحلول الممكنة الوحيدة لهذا النزاع هي ضمان المنافسة العادلة، وتلك التي تقضي بحل لمشكلات الدعم التي تثير نقمة الأوروبيين، مبيناً أن هناك 4 أشهر قبل أن يتم تحديد التعريفات العقابية نهائياً لمدة 5 سنوات.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين قد قالت في حديث إلى شبكة التحرير الألمانية أخيراً، إن الأميركيين يغلقون أسواقهم، وكذلك البرازيل والمكسيك بوجه الصين، وبالتالي تظل أوروبا سوقاً جذابة للشركات الصينية في الوقت الحالي، ومن المهم إعطاء فرصة للتوصل إلى حل تفاوضي مع بكين في بروكسل.
قلق في برلين
ورغم القناعة الأوروبية بأنه لا فائز في مثل هذه النزاعات، وتعويل المستشار الألماني أولاف شولتس على أن اتفاقاً مع الصين بشأن السيارات الكهربائية سيكون ناجحاً، اعتبر الخبير التجاري جوليان هينز من "معهد كيل للاقتصاد العالمي" أنه بعد فرض التعريفات على السيارات الكهربائية الصينية ستتم استعادة السعر الطبيعي لتلك المنتجة في الصين إلى سوق الاتحاد الأوروبي، وإذا ما فُرضت دائماً فمن المحتمل أن تعزز القيمة المضافة الأوروبية من خلال إنتاج المزيد من السيارات في المستقبل لسوق الاتحاد الأوروبي محلياً.
لكن الإجراءات العقابية الأوروبية تثير القلق لدى السياسيين الألمان أيضاً، وهناك خشية من رد فعل انتقامي صيني، ما قد يؤثر على العديد من القطاعات التجارية لأن المواد الخام للإنتاج تصل عموماً من هناك. وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس الاتحاد المركزي لصناعة السيارات الألمانية توماس بيكرون، وفق شبكة التحرير الألمانية، أن "التعريفات العقابية ستجعل السيارات الكهربائية لدينا أكثر تكلفة بالنسبة إلى المستهلكين، وبخاصة مع انخفاض الضغط التنافسي على الشركات المصنعة الأوروبية".
مع العلم أنه خلال الأيام المقبلة سيتم تقديم بيان بشأن التعريفات الموقتة وفي ما يسمى بالإجراء الاستشاري، إذ لا يزال بإمكان الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من خلاله الاعتراض على فرض التعريفات الجمركية، وبحسب المعلومات، فإن ألمانيا قد تمتنع عن التصويت غير الملزم أساساً ولا يؤثر على أي تصويت لاحق وعند اتخاذ قرار بخصوص الفرض النهائي للتعريفات في الخريف المقبل.