ظهرت شاشة الموت الزرقاء (Blue Screen of Death) على أنظمة "ويندوز" من "مايكروسوفت"، بسبب خلل في تحديث برنامح "كراودسترايك "(CrowdStrike) للأمن السيبراني، فغرق العالم في شلل استمر ساعات، أصاب حركة التجارة العالمية، وكبّد الاقتصاد العالمي خسائر بمليارات الدولارات.
"بنينا شبكة إنترنت لامركزية تتحمّل حرباً نووية، لكننا لم نكن مستعدين لما نراه الآن". بهذه العبارة ينتقد تايلر مور، أستاذ الأمن السيبراني في جامعة تلسا، الشلل الاقتصادي العالمي الذي أصاب العالم جراء خطأ تقني، موجّهاً أصابع اللوم إلى احتكار حفنة من الشركات الكبرى تكنولوجيا المعلومات عالمياً، حتى أصيب الاقتصاد العالمي بـ"سكتة تقنية" في غمضة عين.
ويتوقع خبير أمن المعلومات وليد حجاج، أن تتخطّى الخسائر الناجمة عن الخلل التقني مبلغ 76 مليار دولار على المدى القريب، معلّقاً: "إن الدول المستوردة للتكنولوجيا ستعاني من ضعف السيطرة على النظام المعلوماتي والتكنولوجي الخاص بها".
يرجّح خبراء لصحيفة "واشنطن بوست" ألّا يكون لهذا العطل تداعيات اقتصادية واضحة، على الأقل في المدى المنظور، "فالرحلات الجوية التي توقفت يوماً واحداً، والعمليات الجراحية التي أُلغيت، والحسابات المصرفية التي تعذّر على أصحابها الوصول إليها، ليست عوامل كافية لتعطيل النمو القوي في البلاد". لكنهم يلفتون إلى أن الانقطاع الذي نجم عن تحديث برنامج فاشل بواسطة "كراودسترايك"، كشف هشاشة الاقتصاد المبني على عدد قليل من الأنظمة التقنية المترابطة.
فما هو الحجم الحقيقي للأضرار الاقتصادية الناتجة من هذا العطل التقني، وما تداعياته؟
ماذا لو؟
وهنا، يسأل مسؤول في جهاز الرقابة على الاتصالات في مصر، رفض ذكر اسمه: "ماذا سنفعل لو حصل اختراق أمني للشركات التقنية الكبرى التي تعتمد عليها أكبر المؤسسات العالمية بشكل شبه كُلّي؟".
يضيف هذا المسؤول لـ"النهار العربي": "على الرغم من ارتباط العالم الوثيق بتقنية المعلومات، التي تتحكّم في أدق تفاصيل حياتنا، وعلى الرغم من تحول إنترنت الأشياء إلى أحد ضروريات الحياة، تمنع الحكومة في مصر هيئاتها، وتحديداً قطاعات الاتصالات والمصارف، من مشاركة بياناتها مع خوادم عالمية سحابية، وتعتمد على مراكزها الخاصة لحفظ بياناتها وتأمينها، وهذا ما يجب اتباعه في بلدان كثيرة"، أي أن تمتلك كل حكومة خوادمها الخاصة، تديرها بسياسة واضحة لإدارة المخاطر، مع توفير أنظمة تشغيل بديلة جاهزة للعمل بشكل تلقائي في حال حدوث أي خلل تقني.
تقول جين إيسترلي، مديرة وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، في منشور لها على موقع "لينكدإن"، إن شركة "كراودسترايك" ارتكبت "خطأً خطيراً" بقيامها بتحديث "معيب" أدّى إلى تعطل الأنظمة التقنية على مستوى العالم، ونشرت صورة مرفقة مع منشورها مدون عليها: "ليس لدينا مشكلة في الأمن السيبراني، لكن المشكلة في جودة أنظمة التشغيل".
خسائر عالمية
قُدّرت الخسائر المالية المبدئية التي مُنيت بها البورصات الأميركية بسبب العطل في يوم الجمعة الماضي بمليارات الدولارات: فَقَد مؤشر "داو جونز" أكثر من 377 نقطة، بعدما هبط 0.9% إلى مستوى 40287 نقطة؛ وتراجع مؤشر "إس أند بي 500" بنسبة 0.7%، إذ خسر 71 نقطة، ليسجّل مستوى 5505 نقطة؛ كما هبط مؤشر "ناسداك" 0.8%، بخسائر 144 نقطة، مُسجلّاً 17726 نقطة.
كذلك، أدّى عطل "كراودسترايك" إلى توقف 8.5 ملايين جهاز يعمل بنظام "ويندوز"، فخسرت مايكروسوفت أكثر من 23 مليار دولار، أي ما يعادل نحو خُمس قيمتها السوقية البالغة 3.25 تريليون دولار، وسط توقعات بأن ترتفع نسبة الخسائر عقب انهيار أسهمها بأكثر من 3% خلال التداولات قبل فتح الأسواق الجمعة، ليصل سعر السهم إلى 433 دولاراً.
وتلقّى سهم شركة "كراودسترايك" للأمن السيبراني ضربة قوية، فانخفضت قيمته أكثر من 11%، وخسرت الشركة نحو 20 مليار دولار من قيمتها، بمجرد فتح الأسواق للتعاملات.
في ميدان الطاقة، انخفض سعر خام برنت 51 سنتاً، ما يعادل 0.6 في المئة، ليصل إلى 84.50 دولاراً للبرميل، في يوم الجمعة الذي شهد العطل العالمي، وتراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي بقيمة 72 سنتاً، أي ما يعادل 0.9%، مسجّلاً 82.10 دولاراً للبرميل، كما تراجعت الكميات المتداولة إلى أقل من متوسطها خلال 10 أيام، بحسب بيانات "بلومبرغ".
رحلات ومطارات
يُعدّ قطاع الطيران الأكثر تأثراً بهذا العطل في العالم، بعدما تضرّر 200 ألف مسافر بتأخير رحلاتهم أو إلغائها، وبعدما ألغيت 5 آلاف رحلة من نحو 110 آلاف رحلة تجارية مجدولة الجمعة 19 تموز (يوليو)، بحسب تحليلات شركة "سيريوم".
وشهدت المطارات الأميركية إلغاء ما يزيد على 1200 رحلة جوية تابعة لشركات "يونايتد إيرلاينز هولدينغز" و "دلتا إيرلاينز" و "أميركان إيرلاينز"، اعتبارًا من ظهر السبت، إضافة إلى 3400 رحلة تمّ إلغاؤها يوم الجمعة وفقًا لموقع "فلايت أوير" لتتبع الرحلات الجوية.
عربياً، أثر العطل التقني العالمي في أنظمة تشغيل الرحلات الجوية في دولة الكويت، وتوقف العمل في شركات الطيران والاتصالات، بحسب تصريح عبد الله الراجحي، المتحدث الرسمي في الإدارة العامة للطيران المدني الكويتي، لوكالة الأنباء الكويتية (كونا).
كما تسبّب الخلل التقني في تعطل بعض الرحلات الجوية في السعودية. لكن سرعان ما أعلنت شركة "مطارات القابضة"، التي تُشرف على تشغيل 27 مطاراً في المملكة، عن عودة العمليات التشغيلية إلى وضعها الطبيعي في مطار الملك خالد الدولي في الرياض، ومطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، ومطار الملك فهد الدولي في الدمام، ومطارات تجمع مطارات الثاني.
في مصر، قالت وزارة الطيران المدني المصرية في بيان، إن عدد الرحلات التي تأثرت بالعطل لم تتجاوز 15 رحلة لبعض شركات الطيران الأجنبية العاملة في مصر، من إجمالي 609 رحلات في جميع مطارات مصر، مع انتظام رحلات شركات الطيران المصرية وفقاً لجداول تشغيلها.
في خط موازٍ، حذّر نيل فان دي وو، كبير مسؤولي الشحن الجوي في شركة "زينيتا" لاستشارات سلاسل التوريد، في تصريحات لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، من تسبّب العطل التقني في بطء حركة سلاسل التوريد العالمية التي ستحتاج أياماً وربما أسابيع لاستعادة نشاطها الطبيعي، "خصوصاً أن الفترة الحالية هي وقت ذروة الشحن الجوي بفضل النمو الكبير لصادرات الصين عبر التجارة الإلكترونية إلى أوروبا والولايات المتحدة، حيث ارتفعت الشحنات بنسبة 13% على أساس سنوي في حزيران (يونيو) الماضي، وزاد عرض الشحن الجوي لكن بنسبة 3% فقط على أساس سنوي، ما تسبّب في ارتفاع التكاليف".